تحریرات فی الفقه: الخلل فی الصلاه

اشارة

سرشناسه : خمینی، مصطفی، 1309-1356.

عنوان و نام پديدآور : تحریرات فی الفقه: الخلل فی الصلاه/ تالیف مصطفی الخمینی.

مشخصات نشر : تهران: موسسه تنظیم و نشر آثار الامام الخمینی ، 1418ق. = 1376.

مشخصات ظاهری : 310ص.

شابک : 9500ریال ؛ 25000ريال (چاپ دوم)

يادداشت : عربی.

يادداشت : چاپ دوم: 1385

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس.

عنوان دیگر : الخلل فی الصلاه.

موضوع : نماز

موضوع : نماز -- شکیات

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14

شناسه افزوده : موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی (س)

رده بندی کنگره : BP186/8 /خ8ت3 1376

رده بندی دیویی : 297/353

شماره کتابشناسی ملی : م 78-11081

تمهيد

المراد من «الخلل» هنا هو الوهن لا الفساد

و هو الاسم من الاختلال، حسب ما هو المتعارف من أخذ الأسماء من المصادر المزيد فيها، و المراد منه ليس الفساد؛ ضرورة صحّة المأمور به أحياناً مع كون الاختلال وارداً عليه.

و أمّا «الوهن» كما في اللغة «1» فهو الأولىٰ بكونه مراداً هنا؛ ضرورة أنّه الجامع بين الوهن المنتهى إلىٰ الفساد، و المنتهي إلى الصحّة الظاهريّة و الواقعيّة؛ ضرورة أنّه لو شكّ في فعل أو ركعة، ثمّ زال أو قام دليل علىٰ أحد الطرفين من الشكّ أو علىٰ طرف تصحّ الصلاة معه، يعدّ ذلك من الوهن و الاختلال.

و هذا هو الجامع بين السهو بالمعنى الخاصّ و الشكّ، و لذلك استعمل كثيراً «السهو» في الشكّ الاصطلاحي، و لذلك تقع جميع مسائل السهو و الشكّ و النسيان، حتّى طروّ العجز في أثناء الصلاة، من الخلل.

تنبيه: في أنّ الكلام هنا في خلل الصلاة دون غيرها من المركّبات

إنّ الجهة المبحوث عنها هنا مخصوصة بالمسائل الراجعة إلىٰ الصلاة

______________________________

(1) النهاية لابن الأثير 2: 74، تاج العروس 7: 308، مجمع البحرين 1: 696، منتهى الإرب 1: 337.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 6

خاصّة، و أمّا بحوث المركّبات، سواء كانت من المركّبات الاعتباريّة الوضعيّة، كالمعاملات و العقود و الإيقاعات، أو بحوث المركّبات الاختراعيّة الشرعيّة، كالأذان و الإقامة و الطهارات الثلاث و الاعتكاف، أو المركّبات التعبديّة الممرور عليها الإسلام، كالصلاة و الصوم و الحجّ، فهي مذكورة بأجمعها في مسائل الاشتغال، و قد استوفيناها هناك بما هو مركّب، حتّى مثل التذكية بناء علىٰ كونها مركّباً، كما هو الأشبه «1»، فلا نعيد تلك البحوث هنا إلّا علىٰ وجه الرمز و الإشارة إلىٰ تلك المباني؛ فإنّ علم الأُصول دوّن حذراً من التكرار المملّ في الفقه؛ لكثرة الحاجة إلىٰ مسائله فيه، فالبحث هنا ممحّض في هذا

المعجون الإلهي و هي الصلاة «2»، و يتمّ الكلام حول خللها في طيّ مسائل:

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 8: 95 و ما بعدها.

(2) و ممّا لا ينبغي أن يخفىٰ أنّ البحث في مسائل الاشتغال مبني علىٰ تقدير عدم وجود الإطلاق، أو تعارض إطلاق دليلي المركّب و الجزء علىٰ فرض صحّته، و البحث هنا مبني علىٰ فرض الإطلاق لدليل الجزء، و تقدّمه علىٰ إطلاق دليل المركّب، كما هو الحقّ المحرّر في محلّه «أ»؛ و لأجله يصحّ التمسّك ب «حديث» الرفع» «ب» في المقام، و في تلك المسألة، فاغتنم. (منه (قدّس سرّه)).

«أ» تحريرات في الأُصول 8: 138 140.

«ب» عن حريز عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): رفع عن أُمّتي تسعة أشياء: الخطأ، و النسيان، و ما اكرهوا عليه، و ما لا يعلمون، و ما لا يطيقون، و ما اضطرّوا إليه، و الحسد، و الطيرة، و التفكّر في الوسوسة في الخلوة ما لم ينطقوا بشفة.

التوحيد: 353/ 24، الخصال: 417/ 9، وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 56، الحديث 1.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 7

[القسم الأول]

المسألة الأُولىٰ حول الخلل العمدي بالزيادة و النقيصة

مقتضى القواعد الأوّلية في النقيصة

الاختلال العمدي بالزيادة يمكن ثبوتاً، و هكذا النقيصة، و مقتضى القواعد الأوّليّة بطلان الصلاة في الفرض الثاني، سواء كانت قليلة أو كثيرة، جزءً أو شرطاً، قيداً أو وصفاً، بالضرورة عقلًا و شرعاً.

و توهّم صحّتها حسب إطلاق «لا تعاد» «1» لإمكانه، في غير محلّه- كما حرّرناه في الأُصول «2»، و في الرسالة الموسوعة لقاعدة «لا تعاد» «3» و إن

______________________________

(1) عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال: لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور، و الوقت،

و القبلة، و الركوع، و السجود، ثمّ قال: القراءة سنة و التشهّد سنّة، و لا تنقض السنّة الفريضة، الفقيه 1: 225/ 991، وسائل الشيعة 6: 91، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 29، الحديث 5.

(2) تحريرات في الأُصول 8: 98 99.

(3) رسالة في قاعدة «لا تعاد»، للمؤلّف (قدّس سرّه)، (مفقودة).

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 8

كان القائل المحتمل التقي العلّامة الشيرازي (رحمه اللّٰه) «1»، و المحقّق الوالد- مدّ ظلّه «2»، و العلّامة الأراكي (رحمه اللّٰه) «3».

بل يمكن دعوى انحلال دليل الصلاة، حسب مراتب صدق الصلاة إلّا بالنسبة إلىٰ مقدار لا يعدّ صلاة عرفاً أو شرعاً؛ كمثل الإخلال بالفاتحة و تكبيرة الافتتاح و ما يشبههما ممّا ورد في حقّه: «لا صلاة إلّا بكذا» «4» أو بالنسبة إلىٰ الأركان مطلقاً أو الخمسة المذكورة في «لا تعاد» و لعلّ تفصيلًا زائداً يأتي من ذي قبل، إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

و بالجملة: لو صحّ الانحلال المذكور لا حاجة إلىٰ القاعدة، كما حرّر في الأُصول «5».

______________________________

(1) الخلل في الصلاة، المحقّق الشيرازي: 194.

(2) حكى المصنّف (رحمه اللّٰه) أنّ والده المحقّق كان يميل إلىٰ ذلك في خارج البحث تحريرات في الأُصول 8: 98، لاحظ أيضاً الخلل في الصلاة، للإمام الخميني (قدّس سرّه): 6، و أنوار الهداية 2: 362.

(3) نهاية الأفكار 3: 434.

(4) كقوله صلى الله عليه و آله و سلم: «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب»، عوالي اللّئالي 1: 196/ 2، مستدرك الوسائل 4: 158، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 1، الحديث 5 و 8.

و قوله عليه السلام: «لا صلاة بغير افتتاح»، تهذيب الأحكام 2: 353/ 1466، وسائل الشيعة 6: 14، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 7.

و

قوله عليه السلام: «لا صلاة إلّا بطهور»، تهذيب الأحكام 1: 49/ 144، الإستبصار 1: 55/ 160، وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 9، الحديث 1.

(5) تحريرات في الأُصول 8: 98.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 9

و أمّا الإجماع المحكي «1» عن جماعة «2» هنا و إن كان معلّلًا، فهو لا يكون دليلًا خاصّاً شرعيّاً على البطلان، فلا خير فيه؛ لكفاية درك العقل فسادها.

مقتضى القواعد الأوّلية في الزيادة

و أمّا الفرض الأوّل، فتلك الزيادة إن كانت كثيرة فلازمها اختلال الهيئة الاتصاليّة أو التوالي المعتبر، و إن كانت قليلة فلا وجه لفسادها بعد كون المأتي به عين المأمور به، و لا ينبغي الخلط بين مسألتنا هذه، و القواطع المنصوصة بالأدلّة الخاصّة الآتية إن شاء اللّٰه تعالىٰ «3».

و أمّا إنكار الهيئة الاتّصاليّة كلّا حتّى في الصلاة، فهو في غير محلّه، كما يأتي في محلّه إن شاء اللّٰه تعالىٰ «4».

نعم، قد تحرّر منّا: أنّ بناء العرف و العقلاء علىٰ عدم الاكتفاء بالمصداق المقرون بالمحرّم، فضلًا عمّا إذا كان منطبقاً عليه عنوان الحرام، و إن كان مقتضى العقل جوازه جعلًا و امتثالًا «5».

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقىٰ 7: 381، الهامش 1.

(2) الغنية، ضمن جوامع الفقهيّة: 503/ السطر 26، نهاية الإحكام 1: 527، مدارك الأحكام 4: 211، جواهر الكلام 12: 228.

(3) وسائل الشيعة 7: 233، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1 و 3 و 5 و 7 و 15 و 25 و 29.

(4) يأتي في الصفحة 125.

(5) تحريرات في الأُصول 2: 184 187.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 10

فعلى هذا لو كانت الزيادة تشريعيّة محرّمة، فالبطلان مستند إلىٰ ما أُشير إليه، لا إلىٰ فقد قصد القربة بالنسبة

إلىٰ الصلاة المأمور بها؛ ضرورة أنّ التقييد بالانبعاث عن أمر الصلاة نحو المركّب المزيد فيه، لا يوجب قصوراً في انبعاثه نحو الصلاة من جهة الأمر المتوجّه إليه واقعاً، مع أنّه لا نحتاج في عباديّة العبادة إلىٰ الانبعاث عن الأمر، حسب ما تحرّر في التعبّدي و التوصّلي؛ فإنّ تقسيم الأمر إليهما من الأغلاط القطعيّة، فجميع ما ترى في كتب القوم هنا غير تامّ، تفصيله في الأُصول «1».

في ردّ القول بامتناع مبطليّة الزيادة

و توهّم امتناع كون الزيادة مبطلة «2» كتوهّم امتناع المانعيّة و القاطعيّة، فإنّه حسب القواعد في محلّه في المركّبات الاعتباريّة «3»؛ ضرورة أنّ الصلاة ليست مثل الاحتراق، كي تمنع الرطوبة من وجوده.

و علىٰ هذا يدور الأمر بين رجوع الزيادة المبطلة و المانعيّة و القاطعيّة في بعض الأحيان، إلىٰ اشتراط إعدامها في المركّب من غير أن يصحّ توهّم امتناع أخذ العدم قيداً «4»؛ لعدم جواز الخلط بين الاعتباريّات و الواقعيّات و بين الأخذ بظواهر الأدلّة، بضميمة أنّ الشرع يدّعي أنّ

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 2: 111 و 115 117 و 179.

(2) كفاية الأُصول: 418، فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 237، نهاية الأفكار 3: 440، تهذيب الأُصول 2: 377.

(3) لاحظ تحريرات في الأُصول 5: 85 90.

(4) نهاية الأفكار 3: 411.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 11

الفرد الموجود و إن كان صلاة، و لكنّه ليس عندي صلاة، كما في مثل: «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» «1» و الثاني أولىٰ و أصحّ بالضرورة.

تتميم: في الاستدلال بحديث «من زاد.»

ثمّ إنّ الظاهر من صحيح أبي بصير: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» «2» هو العمدي؛ لأنّ النظر في مثل هذه الأخبار إلىٰ الزيادة التشريعيّة المبتلىٰ بها العامّة، كالتكتّف و غيره، أو هو الأعمّ منه.

و إليه الإشارة في قوله: «وضع إحدى اليدين علىٰ الأُخرىٰ عمل، و لا عمل في الصلاة» «3» فإنّ العمل في اصطلاح الشرع هو الفعل المقرون مع القصد، فيكون ناظراً إلىٰ صنع العامّة، و قضيّة إطلاقه بطلان الصلاة المذكورة المشتملة علىٰ العمل التشريعي المحرّم و لو كان عن غفلة و جهالة، و يؤيّد به ما ذكرناه.

و عندئذ لا نحتاج إلىٰ الأدلّة الأُخر المرميّة بالضعف سنداً أو دلالة، كما تأتي

في المسائل الآتية إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

______________________________

(1) عوالي اللآلي 1: 196/ 2 و 2: 218/ 13، مستدرك الوسائل 4: 158، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 1، الحديث 5 و 8.

(2) الكافي 3: 355/ 5، تهذيب الأحكام 2: 194/ 764، وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 2.

(3) قرب الإسناد: 208/ 809، وسائل الشيعة 7: 266، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 15، الحديث 4.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 12

تنبيه: في بيان أقسام الزيادة العمديّة و حكمها

الزيادة إمّا أنْ تكون بالقصد كما لو كان من غير جنس الصلاة، و تكون زيادة لاحقة بالمصداق دون الماهيّة في مرحلة الجعل و التشريع، فإنّها ممتنعة.

أو تكون من جنسها كالأذكار، فهي ليست زيادة في الماهيّة في مرحلة التقدير و التهندس، و لكنّها من لواحق الفرد و يعدّ من الصلاة الخارجيّة و محبوبة.

أو تكون كالأركان؛ فإنّ بطلانها بها يحتاج إلىٰ الدليل، بعد قصور قاعدة «لا تعاد» عندنا بالنسبة إلىٰ الزيادة، كما حرّرناه في تلك الموسوعة «1»، و يأتي إن شاء اللّٰه تعالىٰ «2»، و سيأتي بعض الكلام في الزيادة المستحبّة، إن شاء اللّٰه تعالىٰ «3».

و بالجملة: الإجماع و الشهرة القطعيّة قائمان علىٰ بطلانها بمثلها «4»، مع بعض النصوص الخاصّة «5» و لو كان يقصد التشريع فيندرج من جهة

______________________________

(1) ممّا يؤسف له فقدان هذه الرسالة.

(2) يأتي في الصفحة 48.

(3) يأتي في الصفحة 18.

(4) لاحظ جواهر الكلام 12: 228، نهاية الأحكام 1: 527، مستند العروة الوثقى 6: 8.

(5) عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «إذا استيقن أنّه زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتدّ بها و استقبل صلاته استقبالًا إذا كان قد استيقن يقيناً»، الكافي 3:

354/ 2، تهذيب الأحكام 2: 194/ 763، وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 1.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 13

البطلان فيما ذكرناه في مطلق الزيادة التشريعيّة «1».

و توهّم امتناع التشريع في محلّه، كما تحرّر في الأُصول «2»، إلّا أنّ التشريع المتسامح فيه عرفاً يعدّ حراماً، و المركّب المشتمل علىٰ المحرّم غير قابل للاجتزاء به عند العقلاء و المتشرّعة.

في ردّ توهّم كون أخبار الزيادة ناظرة إلى الشيعة

و من الغريب توهّم كون الأخبار متعرّضة للزيادة العمديّة، بالنسبة إلىٰ طائفة الشيعة الذين يأتون بالصلاة تقرّباً منه تعالىٰ؛ فإنّه مجرّد فرض، و إلّا فالمعتاد بالصلاة و المصلّي لا يريد إلّا الامتثال و سقوط أمر المولى أو جلب الجنّة، أو الفرار من الجحيم، فالتمسّك بها لإبطالها بالزيادة اشتباه.

نعم، في تلك الأخبار إشعار ببطلان صلاة العامّة الآتين بالزيادة، أو إلىٰ الزيادة غير العمديّة بأقسامها، فدعوى انصرافها عن الزيادة العمديّة المعلوم بطلانها بها عند فاعلها، قويّة جدّاً.

نعم، في مثل الجاهل المبتلىٰ في الأثناء، الآتي بفعل بناءً علىٰ أحد طرفي المحذورين- كما تحرّر في مسائل التقليد «3» إذا تبيّن أنّه ليس

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 9 10.

(2) تحريرات في الأُصول 8: 120 121.

(3) تعليقة علىٰ العروة الوثقىٰ، المؤلف (قدّس سرّه): 29، المسألة 49، تحرير العروة الوثقىٰ، المؤلف (قدّس سرّه): 23، المسألة 42.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 14

بواجب و لا مستحبّ، لا يبعد كونه من الزيادة العمديّة بالمعنى الأعم، فافهم.

تذييل: في حكم الزيادة العمديّة إكراهاً أو اضطراراً أو تقيّة

ربّما يكون الازدياد العمدي من جهة الإكراه و الاضطرار فرضاً، أو الإتيان بالمانع و القاطع، أو من جهة التقيّة المهاباتيّة أو المداراتيّة؛ فإنّه لا يمنع من ناحية القاعدة من القول بتقييد إطلاق أدلّة المسألة.

و توهّم امتناع جعل القاطعيّة و المانعيّة و المبطليّة «1»، في غير محلّه، كما تحرّر في الأُصول «2»، و تصير النتيجة- بعد تحكيم أدلّة التقيّة و الإكراه و الاضطرار و إطلاق دليل المركّب صحّة الصلاة المقرونة بالمانع و المبطل و القاطع؛ لأنّ أثره منتفٍ بمثلها.

اللّهمّ إلّا أن يقال: بعدم جريانها، نظراً إلىٰ أنّ الصلاة الخارجيّة المقرونة بالأُمور المذكورة ليست مورد الأمر، و لا يفيد التقييد المذكور بالنسبة إلىٰ صحّتها.

و فيه: أنّ الطبيعة و

إن كانت مورد الأمر و لكنّها بعينها تصير خارجيّة، و لذلك توصف بعد الوجود بالوجوب، و هذا محرّر في الأُصول و المعقول.

نعم، لنا في خصوص الأدلّة الواردة في البحث عن التقيّة المداراتيّة شبهة محرّرة، و إجمالها: احتمال كونها صادرة عن تقيّة، فلا يقيّد

______________________________

(1) كفاية الأُصول: 455 456.

(2) تحريرات في الأُصول 8: 135 139.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 15

بها الإطلاقات المذكورة، و اللّٰه العالم.

تذنيب: في التمسّك بحديث الرفع في النقيصة الناشئة عن الإكراه و الاضطرار

إذا كان النقصان مستنداً إلىٰ الإكراه و الاضطرار علىٰ فرض صحّة تصوّره موضوعاً ففي جواز التمسّك بحديث «الرفع» إشكال، من جهة أنّ النقيصة ليست ذات أثر شرعي وضعي؛ ضرورة درك العقل بطلان الكلّ بترك الجزء الخارجي أو التحليلي.

اللّهمّ إلّا أن يقال: بكفاية أثر المضاف إليه و هو الجزء، لرفع ترك الجزء و هو المضاف، و تصير النتيجة: تقييد إطلاق دليل الشرط و الجزء.

أو يقال: بكفاية إمكان حكم الشرع بحلّيّة ترك الجزء المنتهية إلىٰ تقييد الجزء، المثمرة صحّة الصلاة.

و فيه: مضافاً إلىٰ أنّ الظاهر من حديث «الرفع» وجود الجعل الصوري، كي يكون دليل الرفع قرينة علىٰ عدم وجود الجدّ في جزئيّة الجزء، حال الإكراه و الاضطرار؛ ضرورة أنّ رفع الحكم الإنشائي لا معنىٰ له، و رفع الحكم الجدّي نسخ و هو ممنوع.

فالرفع بلحاظ الجعل الصوري، و مجرّد إمكان جعل الشرع حلّية الترك غير كافٍ لجريان الحديث، و إلّا يلزم جريانه في صورة الاضطرار إلىٰ الحلال المعلوم، و لا منع من قبل لزوم الجمع بين الرفع و الدفع؛ لأنّه علىٰ كلّ تقدير حديث الرفع قرينة علىٰ عدم تطابق الجدّ و الاستعمال،

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 16

في صورة طروّ الإكراه و الاضطرار و أنّ الاضطرار العرفي و الإكراه

لا يوجب جواز الإتيان بالمركّب الفاقد؛ لاحتمال مضي الشرع عنه، و التزامه بما يترتّب علىٰ الإكراه و الاضطرار، كما في الموارد المهتمّ بها، فلو اضطرّ إلىٰ الزّنا أو قتل النفس، أو أُكره عليهما، ليس التزام الشرع بذلك معلوماً جدّاً، فتكون المسألة مندرجة في مسألة التزاحم و الأهمّ و المهمّ.

و لذلك لو اكره علىٰ ترك الحمد و السورة في قبال درهم واحد، أو أُكره علىٰ إيجاد المانع و القاطع بحذاء فَلْسٍ أو ضرب خفيف، لا يلتزم بجريان الحديث المذكور، و تفصيله محرّر عندنا في الأُصول «1».

عدم صحّة التمسّك بأدلّة «حلّية كل شي ء اضطرّ إليه» في المقام

و علىٰ هذا لا يتمّ التمسّك بعمومات حلّية كلّ شي ء اضطرّ إليه ابن آدم «2»، فإنّه و إن كان يشمل التروك، و لا يتوجّه إليه ما يتوجّه إلىٰ حديث الرفع؛ لكفاية صدق الاضطرار في قبال المحذور العقلي و هو درك العقل ممنوعيّة ترك الجزء لانتهائه إلىٰ بطلان الكلّ و لو كان

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 8: 138 139.

(2) عن سماعة قال: قال: ليس شي ء ممّا حرّم اللّٰه إلّا و قد أحلّه لمن اضطرّ إليه، وسائل الشيعة 5: 482، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 6، وسائل الشيعة 23: 228، كتاب الأيمان، الباب 12، الحديث 18.

عن أمير المؤمنين (عليه السّلام). كلّما اضطرّ إليه العبد فقد أباحه اللّٰه له و أحلّه، مستدرك الوسائل 16: 166، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 1، الحديث 8.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 17

الوقت ضيّقاً، و لازمه ترك الصلاة في صورة ضيق الوقت و الابتلاء بحرمة إبطال العمل في الصورتين، و لكن يتوجّه إليه ما أشرنا إليه أخيراً.

ثمّ إنّه ربّما يعدُّ من الاضطرار ما إذا كان عالماً قبل الصلاة بطروّ حالة

توجب الزيادة قهراً كالسعال و نحوه، و لكنّه أقرب إلىٰ الزيادة العمديّة، كما لو علم بالإكراه علىٰ شرب الحرام لو دخل داراً.

تنبيه: حديث الرفع يقيّد إطلاق دليل الجزء و الشرط

قد تحرّر عندنا جواز تقييد إطلاق دليل الجزء و الشرط، في صورة العجز العقلي بحديث «رفع ما لا يطيقون» علىٰ التقريبين «1»، و لا يتوجّه إليه إشكال إلّا في صورة عجزه عن ترك المانع و القاطع.

و توهّم امتناع جعل القاطعيّة و المانعيّة في صورة العجز، مندفع بما حرّر في الأُصول، من غير فرق بين الخطابات الشخصيّة و القانونيّة، و ما عن الوحيد البهبهانيّ (رحمه اللّٰه) من التفصيل «2» فاسد، فليراجع «3».

بقي شي ء: في الخلل العمدي بنفس الطبيعة بحسب الوقت

كلّ ما ذكرناه كان حول الإخلال العمدي، سواء كان معذوراً أو غير معذور، و أمّا الإخلال بنفس الطبيعة بحسب الوقت كتركها لعذر، فتفصيله

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 8: 160 161.

(2) فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 251.

(3) تحريرات في الأُصول 8: 136 137.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 18

في باب قضاء الصلاة، و إجماله: إن تركها اضطراراً أو إكراهاً، فقد عرفت قصور الأدلّة الخاصّة عن الشمول، فلو قلنا بشموله فلازمه تبعيّة القضاء للأداء؛ لجريان الاستصحاب من غير حاجة إلىٰ دليل خاصّ، كما ذكرناه في بحوث الاشتغال «1» أيضاً.

و إجراؤهم الاستصحاب في صورة العجز عن الجزء- لو صحّ كان جريانه هنا أولىٰ؛ لأنّ الصلاة بالنسبة إلىٰ الوقت تعتبر قضيّة حينيّة لا تقييديّة، و من هنا يظهر حكم اختلاله عمداً عالماً قادراً.

فرع: حكم الخلل العمدي بالزيادة المستحبّة

ربّما يقال: ببطلان الصلاة بالزيادة المستحبّة «2».

و يتوجّه إليه: أنّه إن كانت عن غفلة، فهي خارجة عن الفرض، و لا تعدّ زيادة، و إن أُريد بها التشريع، بأن يأتي بها بقصد الوجوب، فلا يأتي منه قصد القربة بالنسبة إلىٰ استحبابه الجزئي، فتكون من قبيل سائر الزيادات، و إن أُريد به إتيانه في غير محلّه الخاصّ المندوب، كالقنوت في الركعة الأُولىٰ أو التشهّدين فيها، فهو لا يخرج عمّا ذكرناه، فلم يبق معنىٰ للزيادة المستحبّة بحسب الصغرىٰ، كي يقال ببطلان الصلاة بها، كما في «العروة الوثقىٰ» أو بعدم مبطليّته، كما في بعض الحواشي «3».

______________________________

(1) لاحظ تحريرات في الأُصول 8: 166.

(2) العروة الوثقىٰ 2: 3، فصل في الخلل الواقع في الصلاة، المسألة 2.

(3) لاحظ العروة الوثقىٰ 2: 3، فصل في الخلل الواقع في الصلاة، المسألة 2، و ما علّقه عليه المحقّق الخوئي (رحمه اللّٰه).

الخلل في

الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 19

فرع آخر: الخلل بالقربة في الجزء المستحبّ

لو أخلّ بالقربة بالنسبة إلىٰ الجزء المستحبّي، فإن كان من جهة الرياء، فهو لأجل كونه محرّماً يستلزم ملازمة المصداق للحرام، أو يلزم كون الصلاة الخارجيّة أمّا فاقدة للشرط أو واجدة للمانع فيلزم بطلانه، و إن كان من جهة فقده الانبعاث عن الأمر المتوجّه إليه، فلا وجه لبطلانها به إلّا بالزيادة الكثيرة، المضرّة بالهيئة الاتصاليّة. هذا لو قلنا بأنّ الجزء المستحبّي مخصوص بالأمر الندبي.

و أمّا لو قلنا: بأنّ الأمر إرشاد إلىٰ كمال الفرد الخارجي اللاحق به الجزء- و هذا معنى الجزء الندبي فلازمه بطلانه لاتّحاده مع المصداق.

اللّهمّ إلّا أن ينكر الاتّحاد؛ لانبعاثه عن أمر الصلاة، و إتيانه بالفرد الناقص، فليتدبّر جيّداً.

الخلل بالقربة في الجزء الواجب

و أمّا لو أخلّ بالقربة في الجزء الواجب مع التمكّن من تداركه، فلأحد دعوى: أنّه كما إذا أتى بالصلاة مع الاختلال بها يعيدها، فلا منع من القول بإعادة جزئها؛ لأنّ الجزء الباطل المذكور لا يزيد علىٰ الزيادة العمديّة، و لا تشملها الأدلّة الناطقة ببطلان الصلاة بالزيادة العمديّة، حسب إطلاقها علىٰ ما مرّ؛ لأنّ هذه الزيادة تعدّ باطلة و زيادة بحكم الشرع، لأجل اعتبار القربة فيها، بخلاف الزيادة التشريعيّة؛ فإنّ في الفرض

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 20

الأوّل يمكن الغفلة عن كونه من الزيادة في الصلاة، بخلاف الفرض الثاني.

تتميم: في ذكر بعض أمثلة الزيادة في المركّب

قد عرفت إمكان الزيادة في المركّب، و علمت وجهه «1»، و من ذلك ما لو شكّ حال القيام بين الأربعة و الخمسة، فإن جلس بهدم القيام يرجع شكّه إلىٰ الثلاثة و الأربعة، إلّا أنّ قيامه من الزيادة العمديّة بجلوسه، و هكذا في كلّ مورد كان من هذا القبيل.

مثلًا: إذا غسل متوضّأً علىٰ وجه عدّ وسواساً، تعدّ الغسلة الأُولىٰ باطلة، لدخالتها في عدّ الثالثة أو الرابعة من التوسوس، فتأمّل.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 7.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 21

المسألة الثانية الخلل عن جهل قصوراً أو تقصيراً زيادة و نقيصة جزءاً أو شرطاً

اشارة

و قد تحرّر منّا في الأُصول «1» بيان جريان قاعدة الرفع الحقيقي من غير لزوم الدور، و بيان كيفيّة الرفع الادّعائي من غير لزوم التصرّف بالتقييد في الواقع، مع فساد حديث نتيجة التقييد، و الحصّة التوأمة، لرفع مشكلة المسألة في موارد توهّم اختصاص الحكم بالعالم، و أنّه في تلك الموارد أيضاً يشترك العالم و الجاهل في الحكم الفعلي، إلّا أنّه لا يتنجّز فيها إلّا بعد العلم الاتّفاقي.

و يكون الجاهل قبل الفحص معذوراً، أو الجاهل المعذور و هو الجاهل القاصر، سواء كان مجتهداً أو غير مجتهد، معذوراً فقط، و ساقطاً عنه

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 7: 63 64.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 22

الأداء و القضاء بعد العلم، لا من باب قبول الناقص عوضاً عن الكامل، كي يرجع إلىٰ التقييد و سقوط تكليفه، بل التكليف الفعلي المشترك بين مرتبة الفعليّة القانونيّة، و هي غير مرحلة الإنشاء و بين مرحلة الفعليّة المنجّزة؛ فإنّ الحكم الإنشائي بلا روح ليس ورائه الجدّ، و الحكم القانوني فعليّ يشترك فيه العالم و الجاهل، و القادر و العاجز، و الملتفت و الساهي، و الناسي و الغافل، و الحكم الذي لا

يبقىٰ معه عند الامتثال وجه إلزامي بالنسبة إلىٰ ذلك الحكم القانوني، لجهات سياسيّة طارئة لخصوص المجتهد و أتباعه؛ و هذا لا يوجب قصوراً في الحكم الفعلي الأوّلي المشترك إلّا من جهة اللزوم، و هي غير مرحلة الإنشاء، و يبقى معه جواز الإعادة و القضاء ندباً، بخلاف صورة التصرّف في الحكم الأوّلي بالتقييد، و غير كفاية الناقص عن الكامل في صورة الجهالة.

بيان وجه آخر في مرفوعيّة الإعادة و القضاء عن الجاهل

و إليك حسب هذه القسمة وجه آخر و هو: أن يكون الإعادة و القضاء مرفوعاً عن خصوصه، مع اشتراكه في الحكم الإلزامي القانوني، و ما لا يجتمع مع رفع الإعادة و القضاء هو الحكم الفعلي الشخصي، و الخطاب الخاصّ لا العامّ الإلهي، ففي نشأة ضرب القانون العامّ الإلزامي يشترك فيه كلّ أحد، و لا يعتذر بالنسبة إليه أحد إلّا المعذور العقلي، و لا يسقط الإعادة و القضاء بعد الالتفات.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 23

و هذا بعد التخصيص يكون فعليّا منجّزاً، كإخراج المجنون و الصبي غير المميز، و قبله يكون إنشائيّاً بالنسبة إليهما و إلى الحائض و النفساء، و أمّا بالنسبة إلىٰ الآتي به ناقصاً عن جهالة مطلقة، أو جهالة قاصرة، العالم ببعض المركّب الصلاتي، فهو فعلي قانوني جدّي عامّ.

كشف الرفع الادّعائي عن الإعادة و القضاء بحديث «رفع ما لا يعلمون»

و بمثل حديث «رفع ما لا يعلمون» المخصوص بهم يستكشف الرفع الادّعائي، برفع اليد عن الإعادة و القضاء نظراً إلىٰ السياسة الطارئة دون الحكمة و المصلحة العامّة، و تلك السياسة جانبها أهمّ مراعاة من هذه الحكمة العامّة و المصلحة الإلزاميّة الكلّيّة القانونيّة.

و نتيجة ذلك: إنكار المرتبة الثالثة للحكم؛ فإنّ المرحلة الاولىٰ ليس وراءها الجدّ، و المرحلة الثانية وراءها الجدّ القانوني، و الثالثة وراءها الجدّ المخصوص بطائفة، من غير أن يلزم نقض ذلك الجدّ أو النسخ أو المناقضة أو التقييد الواقعي، إلّا أنّه لا تصحّ العقوبة علىٰ هذا الجدّ بعد الإتيان بالناقص.

تنبيه: في بيان نسبة «حديث الرفع» و القواعد الأوّلية

قد تحرّر منّا في مباحث البراءة «1»: أنّ أدلّة الرفع الموجب لعدم

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 8: 58 71.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 24

صحّة العقوبة، كما يمكن أن يكون تقييداً، يمكن أن يكون في حكم الرفع الادّعائي بلحاظ إسقاط الآثار، و غمض النظر عنها مع فعليّة التكليف الأوّلي، و بقاء الأمر القانوني الإلزامي، مع كون الجاهل معذوراً بخصوصه؛ لإمكان ذلك.

و يمكن أن يكون الرفع موضوعاً علىٰ عنوان الجاهل، لا قضيّة سالبة محصّلة، بل هناك قضيّة إيجابيّة وضعيّة و هي: وضع عنوان الرفع علىٰ العناوين التسعة أو الستّة، كوضع عنوان الحلّ على الشكّ و الجهل، حيث لم يؤخذ عنوان خاصّ في قاعدة الحلّ- أي: كلّ شي ء حلال علىٰ كلّ أحد تكليفاً و وضعاً، إلّا في صورة العلم، فإذا نسبت الحلّيّة إلىٰ أكل الميتة يكون بقرينة المورد هي الحلّيّة التكليفيّة، و إذا نسبت الحلّيّة إلىٰ الصلاة في الثوب يكون بقرينة المورد حلّيّة وضعيّة، و تكون النتيجة صحّة الصلاة فيه، و إذا نسبت الحلّيّة إلىٰ الصلاة بدون السورة تكون وضعيّة، أو إلىٰ ترك السورة

فيها و هكذا.

و عندئذ يكون مفاد قاعدة الحلّ العامّ شاهداً علىٰ أنّ في موارد التسع أو الستّ، و في مورد «ما لا يعلمون» كون وضع الرفع علىٰ عنوان بينه و بين العناوين المأخوذة في الأدلّة الأوّليّة، عموماً من وجه، و حاكماً عليه بالتقدّم من باب الأهمّيّة، لا من باب التخصيص و التقييد؛ فتكون المسألة من صغريات باب الأهمّ و المهمّ و التزاحم، لا التعارض.

و توهّم: أنّه خلاف الظاهر في محلّه، إلّا أنّه بدوي، فإنّ المقنّن لا يجعل بالعنوان الأوّلي الحلّية علىٰ شي ء، و لكنّه ينتزع منه ذلك، و الأمر هنا كذلك.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 25

أفاده: في بيان انصراف الأدلّة القانونيّة عن الجاهل المقصّر

الجاهل المقصّر الملتفت و غير الملتفت مورد انصراف الأدلّة القانونيّة؛ ضرورة أنّه في حين ضرب القانون أكثر الناس جاهلين به. و أمّا الجاهل القاصر الملتفت و المركّب كالمجتهد و غيره، فهم مورد الحديث، فالإخلال عن جهالة يضرّ في بعض الصور، و لا يضرّ في بعضها.

حكم الجاهل بالمركّب في مجموع الوقت

و أمّا الجاهل بالمركّب في مجموع الوقت، فهو عندنا كالجاهل بالجزء و الجزئيّة، و هذا خارج عن محطّ الكلام في المقام، كما أنّ صحّة عقوبة الجاهل المقصّر بالنسبة إلىٰ موارد غير لازمة، عليه الإعادة حسب المشهور «1»، موكول إلىٰ محلّه «2» كموارد التقصير و الإتمام، و الجهر و الإخفات، بل تصوّر جواز عقوبة الجاهل المقصّر بالنسبة إلىٰ الوضعيّات كالإخلال بالشرط و الجزء، مورد نقاش؛ ضرورة أنّ أوامره غيريّة، أو لا يتصوّر الأمر الغيري بالنسبة إلىٰ الأجزاء، أو لا يكون و لو صحّ تصوّره، كما هو التحقيق عندنا، و هذا يجري حتّى في صورة الإخلال بالطهور المائي عن عمد، و حديث تفويت المصلحة «3» من الأكاذيب، و إنّما

______________________________

(1) راجع فوائد الأُصول 4: 289، و نهاية الأفكار 3: 484.

(2) تحريرات في الأُصول 8: 237 240.

(3) كفاية الأُصول 428، نهاية الأفكار 3: 484 485.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 26

يستحقّ العبد العقوبة علىٰ عصيان الأمر النفسي و نهيه، أو التخلّف عن المطلوب الإلزامي التكليفي المعلوم لديه مبغوضيّته.

تنبيه: في عدم وجوب الإعادة و القضاء في المقام

علىٰ جميع المحتملات حسب ما تحرّر تفصيله «1»، لا وجه للإعادة و القضاء لزوماً، أو لا وجه له مطلقاً؛ لأنّ الرفع في «ما لا يعلمون» إن كان تقييداً حقيقيّا فالمأتي به واجد لجميع ما أُمر به، و إن كان ادّعائيّاً فمقتضىٰ إطلاق الادّعاء هو الغمض عن الإعادة و القضاء، و هو يرجع إلىٰ فعليّة الشرط و الجزء فعليّة قانونيّة، و هو لا ينافي عدم الجزئيّة و الشرطيّة بالنسبة إلىٰ الجاهل، نظراً إلىٰ أنّ النسبة بين الدليلين عموماً من وجه، فليتأمّل.

و إن كان من باب التزاحم فمقتضى الإطلاق الأزماني صحّة المأتي به أيضاً، و إيجاب الصلاة الأُخرىٰ بعد رفع

الجهالة بالأدلّة الأوّليّة، خلاف الأدلّة الخاصّة، و الاغتراس الشرعيّة، و الإجماع و الاتّفاق بالضرورة، و الأصل عند الشكّ.

و أمّا حديث كون الناقص مانعاً عن تأثير الكامل، و معدماً لمحطّ الجامع بعد رفع العذر و الجهل، قياساً بالمعاجين بالنسبة إلىٰ الأبدان، فهو من الأغلاط، و لا سيّما بعد إمكان الالتزام باستحباب إعادة الأكمل دائماً،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 21 22.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 27

و في خصوص طائفة من الصلوات في الجملة، للأدلّة الخاصّة «1».

عدم صحّة قياس الصلاة بالمركّبات الأُخرى

و كون الصلاة كالمعاجين المركّبة من المقولات في الاعتبار في بعض الملاحظ، لا يوجب صحّة القياس المزبور، و هكذا حديث إنّها ذات مراتب «2» فإنّه لو كان الأمر كما توهّم ما مسّت الحاجة إلىٰ الأدلّة الثانويّة- كما حرّرناه في الأُصول لانحلال دليل الصلاة حسب المراحل، و يستلزم ذلك وجوب كلّ مرتبة في عرض المرتبة الأُخرىٰ، بشرط صدق الصلاة عليها.

مع أنّه ممتنع؛ للزوم اجتماع الإرادتين التأسيسيّتين في محطّ واحد؛ لأنّ النسبة بين المراتب عموم و خصوص مطلق، و وجه امتناعه محرّر في الأُصول «3»، و واضح عند أهله.

و هم و دفع: في صحّة التمسّك بحديث الرفع في المقام و عدمه

قد اشتهر: أنّ التشبّث بحديث «الرفع» في مثل ما نحن فيه، في غير محلّه «4»، لأنّه بعد ثبوت الإطلاق لأدلّة الأجزاء و الشرائط، كما هو محلّ

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 3: 476، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 8 و 9.

(2) مستمسك العروة الوثقىٰ 7: 382 و 385.

(3) تحريرات في الأُصول 2: 257 259 و 4: 143 144.

(4) لاحظ فوائد الأُصول 3: 353.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 28

الكلام في المقام، المقتضية لبطلان الصلاة- سواء كان لدليل المركّب إطلاق، كما هو الحقّ، أم لم يكن، كما اشتهر لا يعقل رفع الجزئيّة و الشرطيّة و المانعيّة و القاطعيّة، و لا جعل الحلّية الاستقلاليّة لترك الجزء و الشرط، و لوجود المانع و القاطع؛ ضرورة أنّ تشخّص الأمر بالمتعلّق، و تعيّن الإرادة بالمراد، و لا يمكن التصرّف في جزء من أجزاء المراد إلّا و يستتبع ذهول الإرادة و البعث و الأمر و سقوطها، و ليس شأن حديث «الرفع» و «الحِلّ» «1» كشف الأمر الإلزامي الجديد بالنسبة إلىٰ الأجزاء الباقية، فعلى هذا يكون التمسّك بهما في أمثال المقام باطلًا.

و

يندفع:

أوّلًا: بأنّه- مع كون الرفع واقعيّاً و لا يكون سلب الجزئيّة حال الجهالة، و هكذا الشرطيّة إلّا إنشائيّاً، لا حقيقيّا واقعيّاً، لا تتعلّق الإرادة الجدّيّة و البعث و الحكم الجدّي من الأوّل بالنسبة إلىٰ الجزئيّة علىٰ الإطلاق، فلا تكون للجزئيّة و الشرطيّة حال الجهل دخالة في تشخّص الأمر.

و ثانياً: إن كان علىٰ وجه يجتمع مع فعليّة الجزئيّة و الشرطيّة، القانونيّة الجدّية، و غير المنافية، مع عدم وجوب الإعادة و القضاء- كما

______________________________

(1) عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: كلّ شي ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه. الكافي 5: 313/ 39، الفقيه 3: 216/ 1002، تهذيب الأحكام 9: 79/ 337، وسائل الشيعة 17: 87، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 1.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 29

أوضحناه في الجمع بين الأحكام الواقعيّة و الظاهريّة «1» فلا يلزم تصرّف في متعلّق الأمر الأوّلي، كي يلزم الإخلال في ما به تشخّص الحكم و الأمر.

و هكذا علىٰ وجه التزاحم، نظراً إلىٰ بعض الجهات السياسيّة الموجبة لتقدّم حديث «الرفع» علىٰ الأحكام الفعليّة الأوّليّة، علىٰ الوجه المحرّر في الأُصول أيضاً، من غير أن يلزم تصرّف في تلك الأدلّة، كما في موارد جريان قاعدة الفراغ، و أصالة الصحّة، و التجاوز، من غير أن يلزم إنكار الجزئيّة «2».

و ثالثاً: تشخّص الأمر بمتعلّقة، و هو العنوان البسيط المعبّر عنه بالصلاة، و في هذه المرحلة ليست كثرة الأجزاء ملحوظة، و لا مدعوّة بدعوة العنوان، بل المبعوث إليه عنوان واحد، و هو محفوظ في صورة وجود الجزء و الشرط و عدمهما، و قد تحرّر في محلّه إمكان

جعل جميع الانتزاعيّات الشرعيّة و الاعتباريّات التشريعيّة، من غير أن يجوز الخلط بين هذه المسائل و البحوث العقليّة و التكوينيّة «3».

الالتزام بالتقييد و الرفع الحقيقي بالنسبة إلى الجاهل القاصر و المقصّر

و الذي هو الأشبه- بملاحظة ما ورد في خصوص الصلاة هو: الالتزام بالتقييد، و الرفع الحقيقي بالنسبة إلىٰ الجاهل القاصر، بل و المقصّر

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 6: 250 252.

(2) تحريرات في الأُصول 6: 253 256.

(3) تحريرات في الأُصول 8: 430 432.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 30

غير الملتفت حين العمل المتمكّن من الامتثال؛ لعدم انصراف الحديث عنه، كما لا يخفىٰ، فلولا مخافة مخالفة الإجماع كان ما ذكرناه متعيّناً، و ممّا يؤيّد قصور الإجماع انتسابه إلىٰ شارح الألفيّة «1».

و أمّا قضيّة خبر مسعدة بن زياد في قوله تعالىٰ فَلِلّٰهِ الْحُجَّةُ الْبٰالِغَةُ. «2»:

«إنّ اللّٰه تعالىٰ يقول للعبد يوم القيامة: أ كنت عالماً؟ فإن قال: نعم، قال تعالىٰ له: أ فلا عملت بعلمك؟! و إن كان جاهلًا، قال تعالىٰ: أ فلا تعلّمت حتّى تعمل؟! فيخصمه، فتلك الحجّة البالغة» «3».

فمضافاً إلىٰ عدم دليل علىٰ حجيّته، ربّما يختصّ بمورد تصحّ المؤاخذة عليه، و هو ترك التكليف النفسي، و أمّا ترك الأجزاء و الشرائط فعلى ما عرفت من التقييد، فلا وجه للمؤاخذة عليه، و حديث المراتب غير معقول كما أُشير إليه، و لا منع من الالتزام بأنّ ترك التعلّم مورد المؤاخذة، و إن كان إذا تعلّم يؤاخذ علىٰ ترك العمل، فتأمّل، هذا مع أنّ القاصر لا يؤاخذ به.

و ممّا يؤيّد ما ذكرنا، و يثبت به إمكان اختصاص الحكم بالجاهل،

______________________________

(1) رسائل المحقّق الكركي 3: 303، جواهر الكلام 12: 229، مستمسك العروة الوثقىٰ 7: 381.

(2) الأنعام (6): 149.

(3) أمالي المفيد: 227/ 6 المجلس السادس و العشرون، أمالي الطوسي: 9/

10 المجلس الأوّل، بحار الأنوار 1: 177/ 58.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 31

موارد الجهر و الإخفات «1» و مورد الإتمام في مورد القصر «2»، و في الحجّ «3» و الصوم «4» كثيراً، تكليفيّاً و وضعيّاً، و في التذكية بالنسبة إلىٰ القبلة؛ فإنّ النصّ «5» و الفتوى «6» اتّفقا علىٰ أنّ من لا يدري تحلّ ذبيحته.

فيما لو ترك جزءاً و دخل في آخر جهلًا أو عمداً

لو ترك جزءً و دخل في الجزء الآخر جهلًا- قصوراً أو تقصيراً أو عمداً، ثمّ التفت إلىٰ أنّه لم يأت به، فمقتضىٰ القاعدة الأوّليّة بطلان المركّب؛ لعدم صدق الطبيعة مع دخوله في الجزء المتأخّر، فيكون قد أخلّ بالمركّب و الصلاة، من غير فرق بين دخوله في مثل القنوت في الركعة الأُولىٰ، قاصداً به القربة المطلقة أو السورة أو الركن.

و أمّا مقتضىٰ حديث «رفع ما لا يعلمون» بالخصوص، فيكون البطلان مخصوصاً بصورة العمد و الجهل التقصيري عن التفات، و أمّا سائر صور الجهالة فالأشبه هي صحّتها. و لو عاد يعدّ من الزيادة العمديّة بالنسبة

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 650، كتاب الصلاة، أحكام القراءة، المسألة 22 24.

(2) العروة الوثقىٰ 2: 160 فصل في أحكام صلاة المسافر، المسألة 3.

(3) العروة الوثقىٰ 2: 572 فصل في كيفيّة الإحرام، المسألة 26.

(4) العروة الوثقىٰ 1: 162 فصل في أحكام صلاة المسافر، المسألة 4، و 2: 215 فصل في شرائط صحّة الصوم، المسألة الخامس.

(5) وسائل الشيعة 24: 27 كتاب الصيد و الذباحة، أبواب الذبائح، الباب 4، الحديث 3 و 4 و 5.

(6) العروة الوثقىٰ 1: 549 فصل في أحكام الخلل في القبلة، المسألة 2.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 32

إلىٰ تكرار السورة إذا أتى بها تشريعاً، و إلّا فلا يبعد وجوب العود

إلىٰ الفاتحة؛ لأنّه قد أخلّ جهلًا بالترتيب، و لا يعدّ تارك الفاتحة جهلًا، و هكذا في صورة دخوله في الركن حسب هذه القاعدة.

نعم، مقتضىٰ بطلانها بتكرار الركن- علىٰ ما سيأتي و مقتضى جريان «لا تعاد» في الأثناء، صحّة الصلاة و عدم جواز العود إلىٰ ما تركه، فلا ينبغي الخلط بين قضيّة حديث «رفع ما لا يعلمون» و سائر الأدلّة الخاصّة بالصلاة.

و غير خفيّ: أنّ الإجماعات المدّعاة علىٰ بطلان الصلاة في صورة ترك الجزء جهلًا «1»، علىٰ إطلاقه لا ترجع إلىٰ كشف جديد عن الأدلّة الخاصّة بعد اقتضاء القواعد الأوّليّة بطلانها به، فالمهمّ في المسألة مقتضىٰ الأدلّة العامّة و الخاصّة، و ملاحظة النسبة بينهما، و قد عرفت قضيّة الأدلّة العامّة بحمد اللّٰه و له الشكر.

نسيان أجزاء المركّب مع صدق عنوانه على الباقي

و ممّا ذكرنا يظهر حال نسيان أجزاء المركّب بشرط كون الباقي يصدق عليه عنوانه عرفاً.

و أمّا حديث امتناع الأمر بالناسي بالنسبة إلى الأجزاء المأتي بها «2»، فهو مثل امتناع اعتبار جزئيّة الجزء المنسي بالنسبة إليه، و الكلّ

______________________________

(1) لاحظ جواهر الكلام 12: 229، مستمسك العروة الوثقىٰ 7: 381.

(2) فرائد الأُصول 2: 484، نهاية الأفكار 3: 419 423.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 33

منحلّ في الأُصول، و محرّر فيه إمكانه، و وقوعه في الشرائع الحقّة و الباطلة «1».

و غير خفيّ: أنّ نسيان الجزء يوجب ترك الجزء، و ليس ترك الجزء مورد النسيان، كي يقال بأنّه رفع غير مفيد؛ لعدم الأثر الشرعي لتركه.

الفرق بين نسيان الجزئيّة و نسيان ذات السورة

نعم، المحرّر عندنا: أنّ نسيان الجزئيّة له الأثر دون نسيان ذات السورة؛ فإنّ ما بيد الشرع جعلًا و رفعاً هي الجزئيّة دون السورة «2»، فمقتضىٰ هذه القاعدة بطلان المركّب بنسيان ذات السورة دون نسيان جزئيّتها، كما لا يخفىٰ.

و بعبارة اخرىٰ: ما هو مورد النسيان هو محمول القضيّة، لا موضوعها، و الجزء محمول لا السورة؛ فإنّ الشرع يعتبر السورة جزءً، إمّا من ابتداء الأمر بالصلاة، أو بعد ذلك، و علىٰ كلّ تقدير، تعلّق النسيان بالسورة- و هي جزء أمرٌ، و تعلّق النسيان بجزء الصلاة أمر آخر، و لو كان ذلك الأمر بحسب الخارج هي السورة.

و غير خفي: أنّ نسيان الجزئيّة لا ينافي الالتفات إلىٰ عنوان النسيان، بخلاف نسيان السورة، كما أنّ ناسي الجزئيّة جاهل، و ينطبق عليه «ما لا يعلمون» و لا بأس به، و أمّا ناسي السورة لا يعدّ جاهلًا بالنسبة إلى

______________________________

(1) كفاية الأُصول: 456.

(2) تحريرات في الأُصول 8: 148 149.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 34

السورة، نعم، يعدّ

جاهلًا ببطلان صلاته حسب القاعدة الأوّليّة.

و من كلّ ما تحرّر تبيّن أنّ هناك بحوثاً:

الأوّل: حول القاعدة العقليّة و العرفيّة بالنسبة إلىٰ أحكام المركّب و الصلاة، بعد إطلاق دليل الجزء.

الثاني: حول قاعدة الرفع الحاكمة و المتقدّمة علىٰ تلك الإطلاقات.

الثالث: حول قاعدة «لا تعاد» و ما هو مثلها المتعرّض لأجزاء الصلاة على الإطلاق، أو للزيادة فيها.

الرابع: حول الأدلّة الخاصّة بالنسبة إلىٰ كلّ جزء جزء، ركني و غير ركني، و شرط تحليلي وجودي و عدمي، ركني أو غير ركني، فهنا حلقات حول أحكام خلل الصلاة، و لا ينبغي الخلط بينها و بين آثارها و مقتضياتها.

ذنابة: في بيان متعلّق الجهل و العلم و النسيان و العمد في الأدلّة

إنّ الجهل و العلم و النسيان و العمد المذكورة في الأدلّة و المتون، هي العناوين المتعلّقة بالقضايا و التصديقات دون الأُمور التصوّريّة، و لذلك إذا كان جاهلًا بجزئيّة السورة، أو بأنّ السورة جزء المرفوع محمول القضيّة و ما يتعلّق به الجعل، و هكذا إذا كان ناسياً لجزئيّة السورة، أو أنّ السورة جزء، و أمّا ترك ذات السورة يعدّ من ترك معنىً تصوريّاً، و يعدّ أحياناً من نسيان إيجاد السورة، مع أنّ وجودها و إيجادها ليس مورد الجعل، كي يرفع و لو في الاعتبار.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 35

في بطلان الأوامر الضمنيّة

و توهّم: تعلّق الأمر الضمنيّ بالجزء «1»، كي يكون أمراً نفسيّاً جزئيّاً، أو أمراً غيريّاً إلزاميّاً بإيجاده، باطل محرّر «2»، بل الأوامر الضمنيّة من الأباطيل الواضحة، فالأمر بالصلاة ليس إلّا أمراً واحداً؛ لتعلقه بأمر واحد في عالم التقدير، و إن كان المتعلق كثيراً و من مقولات شتّىٰ في مرحلة الإيجاد و الخارج، و في مرحلة الملاحظة التفصيليّة. بل الأوامر لا تتعلّق بإيجاد المتعلّقات، كي يقال برفع الإيجاد المنسي.

فعلى ما تحرّر لا منع من جريان حديث «الرفع» بالنسبة إلىٰ ترك الجزء المجهول المستبين جزئيّته في أثناء الصلاة، و هكذا إذا نسي الجزء بما هو جزء، من غير فرق بين الأركان و غير الأركان.

فلو أخلّ بالترتيب عن جهالة فقدّم المتأخّر، ثمّ تبيّن له الأمر، أو نسي الترتيب، أو عجز عن الترتيب ثمّ اقتدر في الأثناء، فعليه الإتيان بالجزء المتقدّم مؤخّراً من غير لزوم إعادة المتأخّر، بل في إعادته إشكال أُشير إليه. هذا كلّه حسب القواعد الأوّليّة و الثانويّة بالنسبة إلى الصلاة، و قد تحرّر تفصيله في الأُصول.

______________________________

(1) نهاية الأفكار 102: 262.

(2) تحريرات في الأُصول 3: 24

27.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 36

أفاده: في امتناع الزيادة غير العمديّة

لو امتنعت الزيادة العمديّة امتنعت غير العمديّة، لأجل اشتراك دليل امتناعهما و ليست القواطع و الموانع من الزيادة؛ لأنّ الزيادة تقع في الصلاة و هي ظرفها، و القاطع يكسر الشكل و الهيئة الخاصّة بها، و الهيئة الإعداديّة القابلة لضمّ بقيّة الهيئة و الشكل، و المانع يمنع عن وجودها الخارجي، مثل الرطوبة المانعة عن تحقّق الاحتراق، و ليس معنى المانع شرطيّة عدم شي ء فيها، كما قد خلط في كلام بعضهم «1».

نعم، لو كان عدم شي ء كالركوع الثاني شرطاً فيها، فالبطلان و إن كان يستند إلى الإخلال بالشرط العدمي، و لكن هذا الاعتبار و الوصف العدمي الملحوظ، كالقضيّة المعدولة المحمول، لا يتحقّق تحقّقاً اعتباريّاً عرفيّاً إلّا بالزيادة في الصلاة، فعليه لا يتمّ البرهان على امتناع الزيادة الحقيقيّة، و إنّما لازم ذلك أنّ إعادة الصلاة مستندة إلى النقيصة تدقيقاً، أو إلى الزيادة المورثة للنقيصة عرفاً، فاغتنم جدّاً.

______________________________

(1) نهاية الأفكار 3: 411، و لاحظ تحريرات في الأُصول 8: 85.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 37

المسألة الثالثة حول مقتضى الأدلّة العامّة

اشارة

القاعدة الثالثة: هي الأدلّة العامّة غير المخصوصة بجزء خاصّ من الصلاة، الخاصّة بالمركّب الصلاتي كقاعدة «لا تعاد» و ما ورد من لزوم الإعادة إذا زاد في الصلاة «1»، أو ورد من صحّة الصلاة نقيصة و زيادة بإيجاب سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان «2»، و رعاية النسبة بينها علىٰ فرض تماميّة أسنادها.

و الكلام حول هذه المسألة يستدعي الغور في جهات نشير إليها

______________________________

(1) عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): من زاد في صلاته فعليه الإعادة. الكافي 3: 355/ 5، تهذيب الأحكام 2: 194/ 764، وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة،

الباب 19، الحديث 2.

(2) عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان. تهذيب الأحكام 2: 155/ 608، وسائل الشيعة 8: 251، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 32، الحديث 3.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 38

إجمالًا، لما حرّرت تفصيل المسألة في رسالة موسوعة لقاعدة «لا تعاد» و ما حولها «1».

الجهة الأُولىٰ: مناقشة سند قاعدة «لا تعاد»

لنا مناقشة في سند «لا تعاد» و ذلك لأنّ «الفقيه» و «التهذيب» و «الخصال» «2» و إن روياها مسندة إلّا أنّ اختلاف نسخ «الفقيه» و «التهذيب» صدراً و ذيلًا علىٰ ما في «جامع الأحاديث» «3» و اختلافهما في المروي عنه (عليه السّلام) و هكذا «الخصال» موجب للشبهة في الرواية جدّاً، مع أنّه يشتمل علىٰ زيادة. و هي: أنّ أبا جعفر أو أبا عبد اللّٰه (عليهما السّلام) قال لزرارة، أو أنّ حريز روىٰ عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود» ثمّ قال: «القراءة سنّة، و التشهّد سنّة، و التكبير سنّة، و لا تنقض السنّة الفريضة».

مع أنّ المنصرف من التكبير هو الواجب منه، و هو ركن ينقض الخمسة، و يبعد صدوره مرّتين عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) جدّاً.

و هكذا ما في «الهداية» «4» المشتملة على المتون الأوّليّة،

______________________________

(1) رسالة في قاعدة لا تعاد، للمؤلّف (قدّس سرّه) (مفقودة).

(2) الفقيه 1: 225/ 991، تهذيب الأحكام 2: 152/ 597، الخصال: 284/ 35.

(3) جامع أحاديث الشيعة 6: 268، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 1.

(4) الهداية، ضمن جوامع الفقهيّة: 53/ السطر 20.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى

الخميني)، ص: 39

فالرواية لا تخلو عن نوع مناقشة من هذه الجهة، و اللّٰه العالم.

الجهة الثانية: مناقشة دلالة قاعدة «لا تعاد»

في أنّ «لا تعاد» بعد كونها جملة إخباريّة، فهل هي إخباريّة واقعاً أم كناية عن الجملة الناهية؟ لا يبعد الأوّل أخذاً بالظاهر، لامتناع النسخ فتكون جملة إخباريّة عن حدود الأجزاء و الشروط.

و توهّم: لزوم الدور- لو كانت شاملة للجاهل بأقسامه مندفع، بأنّه لا دليل على الشمول المذكور، بل المشهور في الجاهل إعادة الصلاة، مع أنّه لا حاجة إليها لكفاية حديث الرفع، و لا يلزم الدور حسب ما حرّرناه في محلّه، و هذا الوجه أحسن وجوه نصوّرها لشمول الجاهل، كما يأتي بعض الكلام حوله.

و يؤيّد الإخباريّة: ذيلها، و هي إخباريّة. فبالجملة يرجع معنى الإخباريّة إلىٰ أنّه لا معنىٰ لإعادة الصلاة؛ لانتفاء الأمر المتعلّق بها بعد الإتيان بالخمسة.

و على القول بأنّها كناية عن النهي، فيحتمل أن يكون النهي إرشاداً؛ نظراً إلىٰ ما تحرّر في الأُصول حسب الأصل الثانوي في الأوامر و النواهي «1».

و يحتمل أن يكون نهياً مولوياً؛ نظراً إلىٰ أنّ الشرع بصدد سدّ باب موجبات تكرار العبادة المنتهى إلى الوسواس، و هذا غير بعيد، و تصير

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 4: 304 306.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 40

النتيجة:

أنّه تحرم إعادة الصلاة إلّا من الخمسة، و عندئذ تخرج القاعدة عمّا عليه قصد الأصحاب رضي اللّٰه عنهم، فإنّ قولك: لا تكرم العلماء إلّا الفقهاء، لا يفيد وجوب إكرام الفقهاء، بل يورث خروجهم عن محطّ النهي و التحريم، ففي ناحية المستثنىٰ منه تحرم الإعادة، و لازم ذلك سقوط الأمر، و في ناحية المستثنىٰ تجوز الإعادة، كما تجوز إعادة الصلاة جماعة، و سرّ تحريم الإعادة بالنسبة إلىٰ غير الخمسة أنّ غيرها أكثر

موجباً للشكّ و الإعادة بخلافها.

و لا ينافيه ذيل الخبر؛ فإنّ غير الخمسة عدّ من السنّة، و لا تنقض السنّة و سائر الأجزاء و الشرائط، الصلاة المفروضة، كي تجوز الإعادة.

و دعوىٰ ظهور الذيل في انتقاض المفروضة بانتفاء الفريضة و بترك إحدى الخمسة، كي يلزم بقاء الأمر الإلزامي، ممنوعة، بل يمكن أن لا تنقض الفريضة الفريضة إلّا إلىٰ حدّ جواز الإعادة في مقابل السنّة؛ فإنّها لا تنقض الفريضة علىٰ وجه تحرم الإعادة.

و علىٰ هذا يشترك فيه جميع الناس، كما يأتي؛ لكونه حكماً تكليفيّاً متعلّقاً بعنوان الإعادة، كسائر الأحكام الإلهيّة، و لازمه سقوط الأمر الصلاتي مطلقاً، و جواز الإعادة بالنسبة إلى الخمسة.

و علىٰ هذا في ناحية المستثنىٰ منه لا يلزم أمر جديد؛ لأنّ الإعادة و لو كانت محرّمة أو غير لازمة، تكون النتيجة صحّة الصلاة الواجدة للخمسة و في ناحية المستثنىٰ يلزم صحّة الصلاة و لو كانت فاقدة لبعض الخمسة؛ لظهور الاستثناء عن التحريم في الجواز، و مقتضى جواز الإعادة

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 41

صحّة الصلاة، كالإعادة بالجماعة.

الجهة الثالثة: شمول قاعدة «لا تعاد» لصورتي الجهل و النسيان دون العمد

اشارة

اختلفوا في حدود إطلاق «لا تعاد» من جهة شموله لصور الجهالة و النسيان بعد اتّفاقهم علىٰ عدم إطلاقه بالنسبة إلى العمد، و عندي لولا الإشكال من جهة الامتناع- كما أُشير إليه كان إطلاقه بالنسبة إلىٰ مطلق الأحوال واضحاً؛ فإنّ الإتيان بصيغة المجهول من غير أخذ الخطاب في القاعدة يوجب ظهورها قويّاً في إفادة خاصّية المستثنىٰ منه و المستثنىٰ بالنسبة إلى الإعادة و اللّاإعادة، بخلاف الخطاب؛ فإنّه يوجب الظهور في العالم به الناسي للجزء و الجزئيّة؛ لعدم تعلّق الخطاب بالجاهل بخصوصه، سواء كان قاصراً أو مقصّراً، بسيطاً أو مركّباً، و لأجله اشتهر التمسّك للاشتراك في الحكم بأُمور

أُخر من الإجماعات و الأدلّة الخاصّة، و فيما إذا أمكن إنكار الاشتراك يتعيّن ذلك للظهور المذكور.

شبهة اختصاص القاعدة بناسي الموضوع دون الحكم

و حديث اختصاصه بناسي الموضوع دون الحكم للزوم الدور «1»،

______________________________

(1) الصلاة، المحقّق الحائري: 315 317.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 42

كحديث لزوم الدور في اختصاص الحكم بالجاهل «1».

فبالجملة: قد ذكروا وجوهاً عليلة لاختصاص «لا تعاد» بناسي الموضوع «2»، مضافاً إلى الاتّكال علىٰ فهم المشهور، مع أنّه ربّما يتوهّم امتناع كون ناسي الجزء عمله العبادي صحيحاً؛ لامتناع الخطاب إليه «3»، و قد تحرّر في الأُصول إمكانه «4»، و تحرّر أيضاً كفاية تخيّل الأمر لصحّة العبادة؛ لما ذكرنا أنّ تقسيم الأمر إلى التوصّلي و التعبّدي من الأغلاط «5».

نعم، في مورد فقد الأمر لا دليل علىٰ كشف عباديّة العمل؛ ضرورة أنّ حسن العمل و سوئه يعلم من الهيئة، فلو كان معلوماً قربيّة العمل و حسنه، فلا حاجة إلى الأمر في صحّته عندنا، مع أنّ الجاهل بما هو جاهل كالناسي يمتنع الخطاب إليه.

مع أنّه يمكن ضرب القانون على وجه غير الخطاب، فيقال: من كان حين العمل ناسياً لجزء أو لشرط، أو كان جاهلًا على اقسامه لا تجب عليه الإعادة؛ فإنّه يعلم منه بعد العمل الناقص باعتبار إطلاق أدلّة الأجزاء و الشرائط، صحّة العمل، و لا يكون عمله ناقصاً إلّا كنقصان القصر بالنسبة إلى التمام.

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 6: 118.

(2) الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 2: 193 194، الصلاة، المحقّق الحائري: 315 317.

(3) الصلاة، (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 2: 194، نهاية الأفكار 3: 419.

(4) تحريرات في الأُصول 8: 104 105.

(5) تحريرات في الأُصول 2: 110 112.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 43

عدم شمول قاعدة «لا تعاد» للعامد و الجاهل المقصّر الملتفت

فبالجملة: العامد و الجاهل المقصّر الملتفت حين العمل و إن تمكّن من القربة لكفاية احتمال الأمر لصحّته، ممنوع صحّة عمله؛ لقصور القاعدة المذكورة، مع

أنّهما القدر المتيقّن من معقد الشهرة المحقّقة و الإجماعات المنقولة، و يساعده أنّها ليست قاعدة تهدم الإسلام و التفقّه في الدين على الإطلاق، كي يتمسّك بها لصحّة الصلاة، مع التفاته إلى الجزئيّة و الشرطيّة، و تركه لهما، أو التفاته إلى احتمال ذلك، و أمّا المقصّر الباني علىٰ تعلّم الحكم الغافل حين العمل للمسامحة و المساهلة، و القاصر مجتهداً كان أو مقلّداً، فلا يبعد تماميّة عمله.

توهّم عدم شمول القاعدة لمطلق الجاهل

و من الغريب توهّم: أنّ القاعدة لا تشمل الجاهل مطلقاً لاشتراك الأحكام «1»، مع أنّه مصادرة؛ لأنّ القاعدة تنفي الاشتراك، اللّهمّ إلّا أن يكون لينظر إلىٰ أنّها في مورد لولاها كانت الإعادة متعيّنة حسب حكم العقل، و إمكان الأمر بالإعادة بعنوانها أمراً تأسيسيّاً، و هذا لا يتصوّر بالنسبة إليه.

و فيه ما لا يخفىٰ من جهات محرّرة في الأُصول «2»، و في تلك

______________________________

(1) الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 2: 188 190.

(2) تحريرات في الأُصول 8: 103 105.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 44

الرسالة «1»؛ ضرورة أنّ الأمر الابتدائي متعلّق بعنوان عامّ يشترك فيه كافّة الناس، و لا ينحلّ الخطاب القانوني إلى الخطابات الجزئيّة، و لا الصنفيّة.

هذا مع أنّ الأمر بالإعادة لا يعقل إلّا أن يكون إرشاداً إلىٰ تأكّد إطلاق دليل الأجزاء و الشرائط، مع أنّ الناسي أولىٰ به؛ لبطلان عمله، من جهة فقد الأمر بعنوانه.

و أغرب منه توهّم: أنّه يستفاد من القاعدة نهي و أمر، نهي في جانب المستثنىٰ منه، و أمر في جانب المستثنىٰ، و حيث يكون النهي تقييداً لإطلاق أوامر الأجزاء و الشرائط الإرشاديّة، فالأمر أيضاً يكون أمراً جديداً و إن كان متعلّقه- و هي مادّة الإعادة منافياً لكونه تأسيسيّاً و لكنّه إرشاد تأسيسي؛ لأنّ الناسي

بالنسبة إلى المستثنىٰ ممتثل، حسب تخيّله الكافي لصحّته، بخلاف الجاهل فإنّه إرشاد راجع إلىٰ تأكّد إطلاق الإجزاء، و هذا يوجب خروج الجاهل دون الناسي.

و فيه: مضافاً إلىٰ ما أُشير إليه من فقد الأوامر الصنفيّة و الشخصيّة بمعنى الخطابات الاختصاصيّة، أنّ النهي و الأمر ممنوعان علىٰ وجه يستفاد منهما شي ء، و هذا اجتهاد باطل جدّاً، بل ليس هناك إلّا نفي بداعي الانتقال إلىٰ حدود المأمور به، حسب الإجزاء بالنسبة إلى الأحوال العارضة، من الجهالة و النسيان و الاضطرار و الإكراه، بالنسبة إلى الموانع و القواطع.

______________________________

(1) رسالة في قاعدة لا تعاد، للمؤلّف (قدّس سرّه) (مفقودة).

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 45

تذنيب: حول القول باختصاص الحكم بالناسي

يمكن دعوى اختصاص الحكم بالناسي، نظراً إلىٰ أنّه أمر غير منافٍ لأدلّة التفقّه في الدين، و لا يوجب المسامحة في تعلّم الأحكام، مع اهتمام الشرع به، و إلى كثرة الابتلاء به للمشاغل و الحجب النورانيّة و الظلمانيّة، الموجبة لإيجاب إعادتها، إيجابها ثانياً و ثالثاً، و إلى كثرة الروايات الواردة في خصوص التعرّض لحال النسيان حتّى نسيان الجزئيّة؛ فإنّه و إن قلّ الابتلاء به، و لكن لا ينافيه وجوب التفقّه؛ لأنّه قد تفقّه في الدين، و إلى الشهرة و أنّ الشرع أوجب سجدتي السهو دون سجدتي الجهل، مع أنّه أولىٰ بالتشديد من النسيان.

بقي شي ء: في الالتزام بوجوب الإعادة في صورة الجهل

الالتزام بوجوب الإعادة في صورة الجهل، و لا سيّما القاصر- إذا كان موجباً لترك جزء يسير و طمأنينة حال الجزء اليسير، مع كثرة الابتلاء به في طول الأزمنة الكثيرة في خصوص الصلاة، مع عدم جريان قاعدة الفراغ عند الجهل بتلك الأجزاء الراجعة إلىٰ حرف واحد مشكل جدّاً.

و لا يقاس ذلك بالطهارات الثلاث لقلّة أجزائها و شرائطها، فالتفصيل بين القاصر و المقصّر، و لا سيّما إنّ تعلّم مسائل الصلاة يحتاج إلىٰ زمان طويل، غير بعيد.

بل مقتضىٰ جملة من الأخبار: أنّ تكميل الطهور و الركوع و السجود

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 46

تمام الصلاة؛ ضرورة أنّ الإخلال بالوقت في بعض الفروض مع درك بعضه، و بالقبلة في بعض الأحوال، لا ينقض الصلاة.

فالإخلال عن جهالة راجعة إلى الاجتهاد، و إلى الجهالة الراجعة إلىٰ لزوم المراجعة إلى المجتهد، بعد فقد موجبات الاجتهاد و الاحتياط و لو كان عن تقصير، و إلى الجهالة الراجعة إلى التقصير في الاجتهاد، مع الغفلة عن تلك الجهالة حين الصلاة؛ لا يبعد كونه محطّ إطلاق القاعدة، و لا سيّما لو

فسّرناها بأنّ معناها: أنّ الصلاة لا تقبل الإعادة، أو أنّ إعادة الصلاة لا معنىٰ لها بخلل من أقسامه.

و يؤيّد ذلك ما في بعض النسخ: «فلا تنقض السنّة الفريضة» «1» و أنّ المراد من الفريضة ما فرضه اللّٰه تعالىٰ في الكتاب، و المراد من السنّة ما فرضه اللّٰه بحديث النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، فلو كان جهالة الأجزاء و الشرائط على الإطلاق موجبة للنقض، يلزم التقييد الكثير المستهجن أحياناً.

توهّم إجمال حديث «لا تعاد»

و قد يتوهّم كون جملة «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة» صغرىٰ لقوله (عليه السّلام): «و لا تنقض السنّة الفريضة» و حيث يحتمل أن يكون المراد من الأخيرة مردّداً بين أُمور يلزم إجمال الحديث رأساً، فلا يصلح للتمسّك به في موارد فقد الأدلّة الخاصّة.

______________________________

(1) لاحظ جامع أحاديث الشيعة 6: 268، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 1.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 47

و أمّا الاحتمالات:

فمنها: أن يكون المراد من السنّة ما ليس بركن، و المراد من الفريضة الركن.

و منها: أنّ المراد من السنّة ما لم يثبت بالكتاب، و من الفريضة ما يثبت به، و هذا الاحتمال في الثلاثة الأُول معلوم، و أمّا الركوع و السجود فلا دليل علىٰ كونهما ثابتان به، و مجرّد كون الركوع و السجود فيه لا يكفي لذلك.

و منها: أنّ المراد من السنّة ما ثبت بقول النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الأئمّة (عليهم السّلام)، و من الفريضة نفس الصلاة المأمور بها في الكتاب.

و منها: أنّ المراد من السنّة ما كان من قبيل التشهّد و القراءة و التكبير- أي: الأجزاء و المراد من الفريضة ما كان من قبيل الأفعال و الشرائط الخمسة.

و

منها: ما ثبت بسيرة النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و عمله سنّة، و ما ثبت بقوله من الكتاب و الحديث فرض.

و منها: ما يوجب الإخلال به علىٰ جميع التقادير، بطلان الصلاة، فرض، و ما لا يكون كذلك، سنّة، و عندئذٍ يلزم أن تكون القبلة سنّة، بل الوقت، فيلزم إجمال الحديث؛ لإجمال ذيله، و احتمال كونه قاعدة، و الصدر بعض من تلك القاعدة، بل إجمال الذيل يوجب إجمال الصدر علىٰ كلّ تقدير.

هذا مع أنّ من السنّة ما ينقض الفريضة، كالتكبير و القيام المتّصل بالركوع و غيرهما، فيلزم سقوط التمسّك به عندئذٍ، فتأمّل.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 48

الجهة الرابعة: في شمول قاعدة «لا تعاد» للزيادة و النقصان

اشارة

اختلفوا في شمولها للزيادة و النقصان علىٰ أقوال، و الأشبه، بل الأظهر، و هو المتعيّن عندي اختصاصه بالنقيصة، و ذلك ثبوتاً من جهة أنّه لا يعقل أن يكون المنظور في جانب المستثنى اعتبار طبيعي الركوع في ناحية النقيصة، و الركوع الثاني في ناحية الزيادة؛ فإنّ الركوع و السجود و إن يقبلان الازدياد و النقصان، إلّا أنّ عنوان الركوع لا يعقل أن يكون المراد منه، حقيقة في جانب النقيصة، نفس الطبيعة، و في جانب الزيادة الركوع الثاني و الفرد الآتي به بعد الفرد الأوّل، فيتعيّن المستثنىٰ في النقيصة، و هذا كاف لعدم شمول المستثنىٰ منه للزيادة؛ لأنّ الكلام واحد، و الظهور الإطلاقي في الصدر معلّق على استقرار الظهور في الذيل.

و أمّا إثباتاً؛ فلأنّ الثلاث الأُول في جانب المستثنىٰ غير قابل للتكرار، و هو كافٍ لصالحيّته للقرينة علىٰ عدم انعقاد الإطلاق، أو الشكّ فيه المستند إلىٰ جهة مشتملة عليها ألفاظ القاعدة، فالقدر المتيقّن منها صورة النقيصة.

صحّة المركّب بالزيادة مطابق للقاعدة العقليّة

ثمّ إنّ مقتضى القاعدة العقليّة بإجماله صحّة المركّب بالزيادة، فلا حاجة إلىٰ تأسيس قاعدة شرعيّة إلّا في جانب النقيصة.

هذا، مع أنّ الاستثناء المفرّغ- أي: «لا تعاد الصلاة بخلل أو بشي ء»

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 49

يستلزم حذف عنوان، و هو الطبيعي، و أمرها دائر بين الوجود و العدم، و الوجود الثاني- و هي الزيادة غير معقول أن يكون مراداً، مع حفظ أصالة الحقيقة.

نعم، لا بأس بدعوى اختصاص الزيادة المرادة طبيعيها المخصوص، بغير الزيادات المسانخة كالتكتّف و أمثاله.

هذا، مع احتمال كون المستثنىٰ منه نفس الصلاة، فلو ورد «لا تعاد الصلاة» كان كلاماً تامّاً، فالاستثناء لا يورث احتياجه إلىٰ جملة محذوفة، و إنّما استثنىٰ من الصلاة، الخمسة، بجملة مشتملة علىٰ

«مِن» التبيينيّة، و تلك الخمسة من أجزائها التحليليّة العقليّة و الذهنيّة الخارجيّة، فالزيادات اللاحقة بالفرد أو القاطعة و المانعة عنه وجوداً، خارجة؛ لأنّ مورد النظر حسب الوضع و الاستعمال هي طبيعة الصلاة المتشكّلة من عدّة أجزاء.

و قد تحرّر امتناع الزيادة في مرحلة التقدير و التهندس «1»، فالقاعدة تخصّ بالنقيصة، و يخرج القواطع و الموانع لكونها راجعة إلى الفرد في الاعتبار، و إلى الوجود لحاظاً.

و ممّا يؤيّد ذلك: ما في ذيله «أنّ القراءة سنّة، و التشهّد سنّة» فإنّه ظاهر في أنّ وجودهما سنّة، و تركهما لا ينقض الفريضة. و أمّا الزيادة المسانخة، فلا يعقل شمول تلك الألفاظ لها، كما مرّ.

نعم، قضيّة ما في بعض النسخ «فلا تنقض السنّة الفريضة» أنّ كلّ

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 8: 116 118.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 50

شي ء كان في الصلاة سنّة، وجوديّاً كان أو عدميّاً، لا يورث بطلان الخمسة، و جميع الزيادات و القواطع و الموانع ترجع إلى اشتراط العدم في مرحلة التقدير، فيكون الركوع الثاني و السجدتان من الثانية غير مبطلة؛ لرجوع الأمر إلى اشتراط الصلاة بعدمهما، و هو من السنّة، فالزيادة و إن لم تكن بما هي زيادة مورد القاعدة، إلّا أنّ الصلاة لا تعاد بها؛ لرجوع عدمها إلى الشرطيّة، و هي سنّة «و لا تنقض السنّة الفريضة».

و يتوجّه إليه: أنّ المحرّر في محلّه إمكان تصوّر الزيادة و القاطع و المانع «1»، و لا حاجة إلىٰ رجوع أدلّتها عن ظاهرها، فعلى هذا ما في ذيلها كنفسها في عدم دلالتها علىٰ صحّة الصلاة بالزيادة.

و ممّا تحرر تبيّن: أنّ من الممكن، الالتزام باختصاصها بالنقيصة، إلّا أنّ جميع الزيادات ترجع إلى النقيصة عقلًا، حسب التحارير المختلفة التي كلّها

باطلة، و قد مرّ بعضها في ما لخّصناه.

مع أنّه بحسب منهم العرف و العقل يستند النقيصة بطروّ الزيادة ن فلا يلزم من المقالة المذكورة تخلّص قائلها عن بعض معارضات القاعدة، كما يأتي إن شاء اللّٰه تعالىٰ بخلاف مقالتنا؛ فإنّها لا تعارض قوله (عليه السّلام): «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» «2».

و لعمري، إنّ مع قطع النظر عن التدقيق المذكور الحقيق بالتصديق،

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 8: 86 و 117.

(2) الكافي 3: 355/ 5، تهذيب الأحكام 2: 194/ 764، وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 2.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 51

لا ينتقل إلىٰ ذهن العرف إلّا تعرّضها للنقيصة، و لا سيّما بعد مراعاة ما في ذيلها: «أنّ التشهّد سنّة، و القراءة سنّة، و التكبير سنّة» فليلاحظ جدّاً.

الجهة الخامسة: حول معارضات القاعدة المذكورة

اشارة

و هي بين ما يكون عامّاً و خاصّاً:

القسم الأوّل: المعارضات الخاصّة
اشارة

مثل ما ورد في الكتب الثلاثة في الصحيح، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» «1» و حيث أنّ المحرّر عندنا اختصاص «لا تعاد» بالنقيصة فلا معارضة بين الروايتين.

في تصوير المعارضة بين «لا تعاد» و «من زاد» حتّى بناء على المختار

ثمّ إنّه غير خفيّ: أنّ «لا تعاد» و إن كان مخصوصاً بالنقيصة، و لكن من الممكن أن يكون من الأجزاء التحليليّة بعض أُمور عدميّة- حسب ما تحرّر في محلّه، من إمكان اعتبارها في المركّبات الاعتباريّة «2» فعند ذلك لو كانت السورة مشروطة بعدم القرآن، أو الركوع بعدم الركوع الثاني،

______________________________

(1) الكافي 3: 355/ 5، تهذيب الأحكام 2: 194/ 764، الإستبصار 1: 376/ 1429، وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 2.

(2) تحريرات في الأُصول 8: 85.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 52

حسب الأدلّة، يلزم من نقصان الشرط الزيادة في الصلاة؛ فإنّه لا يعقل الإخلال بالنقيصة إلّا بالزيادة في الصلاة، و عندئذ يلزم المعارضة؛ لأنّ مقتضىٰ «لا تعاد» الصحّة بالنقيصة، و مقتضى «من زاد في صلاته» بطلانها بالسورة الثانية؛ ضرورة أنّ شرط وحدة السورة لا يخلّ به إلّا بالزيادة في الصلاة، فلو كانت الزيادة في غير الصلاة، لا يلزم الإخلال بشرط السورة.

في النسبة بين «لا تعاد» و حديث «من زاد»

و عندئذ تكون النسبة بين الحديثين عموم من وجه، لشمول «لا تعاد» لصورة ترك القراءة، و لصورة ترك السورة، و لشمول «من زاد» لصورة ازدياد القراءة، و ازدياد السورة، و مورد اختلافهما في الصحّة و البطلان صورة ازدياد السورة؛ لاشتراطها بعدم السورة الأُخرىٰ كما أُشير إليه، و هذا التقريب قد خفي على الأعلام كلّهم حسب ما يظهر لي.

و هناك تقريب آخر لكون النسبة عموماً من وجه، و هو: إنّ إطلاق «لا تعاد» لا يشمل العمد، و يشمل الجهالة و السهو من الزيادة، و إطلاق «من زاد» يشمل العمد من الزيادة و الجهل و النسيان، فلو زاد القراءة في الصلاة أو شيئاً آخر كالتكتف و غيره عن

جهالة، تكون الصلاة باطلة بمقتضىٰ «من زاد»، و صحيحة بمقتضىٰ «لا تعاد» بناء علىٰ كون «لا تعاد» أعمّ من الزيادة و النقيصة، كما هو المعروف بينهم.

و إليك ثالث التقاريب و هو: إنّ جملة المستثنىٰ منه و المستثنىٰ

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 53

واحدة بحسب الظهور المستقرّ الحجّة، فإذا كانت جملة المستثنىٰ مخصوصة بالنقيصة؛ نظراً إلىٰ ظهور الأُمور الوجوديّة في الترك، لا الزيادة، و إلى الثلاثة الصالحة لكونها قرينة في خصوص المستثنىٰ دون المستثنىٰ منه؛ لأنّ كون الاستثناء مفرّغاً يوجب أعميّة المستثنىٰ منه، كما لا يخفىٰ، فتلزم المعارضة بين الحديثين الشريفين؛ لأنّ في نقيصة المستثنىٰ تختصّ قاعدة «لا تعاد» و في الزيادة العمديّة تختصّ جملة «من زاد» و في الزيادة غير العمديّة من المستثنىٰ منه يتعارضان.

و إليك بيان رابع للمعارضة على التباين؛ ضرورة أنّ الأصل الأوّلي في باب النقصان، هو البطلان، فبحسب الطبع- مع عدم الأدلّة الخاصّة حمل «لا تعاد» على الزيادة أولى من القول بالأعمّ، فضلًا عن القول باختصاصها بالنقيصة، و في «من زاد» لا بدّ من الالتزام باختصاصه بالزيادة، فيتباينان و يتعارضان بالتباين، فإلىٰ هنا يتعيّن صرف الكلام لحلّ مشكلة المقام، و الجمع بين الكلام دلاليّاً عرفيّاً، أو العلاج و الترجيح، أو التساقط.

حول ما يتوهّم من عدم تماميّة سند حديث «من زاد» و ردّه

و ربّما يتوهّم عدم تماميّة سند «من زاد» لوجود أبي بصير المشترك، فيه، و قد تعرّض أصحاب الفن لخصوص أبي بصير، و صنّفوا فيه الرسائل، و القضيّة طويلة الذيل، و لكن عندنا حسب ما حرّرناه يشترك بين الثقات بالنصّ أو بالأمارات العامّة، و لا ينبغي الخلط بينه و بين أبي نصر، و أبي

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 54

نصير، و أبي بصيرة، و بين من

لا يكون في طبقتهم كجماعة من الصحابة.

الكلام في دلالة حديث «من زاد»

هذا مع أنّ خبر «الكافي» الصحيح، عن أبي جعفر (عليه السّلام)، قال: «إذا استيقن أنّه قد زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتدّ بها، و استقبل الصلاة استقبالًا إذا كان استيقن يقيناً» «1» و إن كان مخصوصاً بالركعة، فلا يلزم تعارضه مع القاعدة إلّا على الوجه الثالث كما لا يخفىٰ، بناءً على اشتماله علىٰ كلمة «الركعة»، و لكن في نسخ «التهذيب» و «الاستبصار» و «الوافي» و «البحار» «2» لا توجد كلمة «ركعة»، و في مورد معارضة أصالة عدم الزيادة و النقيصة يترجّح أصل عدم النقيصة علىٰ وجه يستقرّ عليه العرف، فلا شبهة في وجود المعارض العامّ لقاعدة «لا تعاد».

في بيان وجهين لعدم المعارضة بين الحديث المذكور و القاعدة

اللّهمّ إلّا أن يقال: بتعارض الروايتين- أي: النسختين لإمكان صدورهما، فلا معارض للقاعدة، أو يقال: أنّ أصالة عدم النقيصة ليس بأرجح، و لا سيّما من «الكافي» و «جامع الأحاديث» «3» فلا معارض لها.

______________________________

(1) الكافي 3: 348/ 3.

(2) تهذيب الأحكام 2: 194/ 763، الاستبصار 1: 376/ 1428، الوافي 8: 964/ 25، الباب 135، السهو في أعداد الركعات، و لاحظ بحار الأنوار 88: 201/ 27.

(3) الكافي 3: 348/ 3، جامع أحاديث الشيعة 6: 314، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 18، الحديث 2.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 55

و فيه: إنّه كما يتعارض الخاصّان، يعارض الخاصّ و يخالف العامّ في عرض واحد، فتنقلب النسبة، و المهمّ أنّ اختلاف النسخ لا يندرج في اختلاف الخبرين المتعارضين.

و الإنصاف أنّ الخبر المذكور ليس من جملة المعارضات العامّة، مع أنّ قوله: «ركعة» لا مفهوم له، و ليس بصدد التحديد.

[القسم الثاني المعارضات العامة]
معارضة معتبر ابن بكير لحديث «لا تعاد»

و ممّا يمكن أن يعارض «لا تعاد» بنحو العموم المؤيّد كما مرّ، معتبر ابن بكير عن زرادة، عن أحدهما (عليهما السّلام)، قال: «لا تقرأ في المكتوبة بشي ء من العزائم، فإنّ السجود زيادة في المكتوبة» «1» فإنّ مقتضى التعليل أنّ الزيادة في المكتوبة توجب بطلانها، و التعليل يشهد علىٰ أنّها يعدّ من الزيادة، فتكونان موجبتين.

تلخيص: في تحقيق المسألة و كون الزيادة و النقيصة توجب البطلان

مقتضى التحقيق: أنّ الصلاة من الماهيّات المحدودة شرعاً، علىٰ وجه حرّرناه في محلّه، و معناه: أنّ الزيادة في المكتوبة توجب خروجها عن كونها مصداق ما يمتثل به، و إن كانت مصداق الصلاة لغةً، فالزيادة

______________________________

(1) الكافي 3: 318/ 6، تهذيب الأحكام 2: 96/ 361، وسائل الشيعة 6: 105، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 40، الحديث 1.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 56

و النقيصة توجب البطلان.

أمّا الزيادة، فكما أُشير إليه تحصل في موارد الأجزاء المسانخة قهراً جزء، كما في الأذكار، و مجرّد عدم قصد كونها من الصلاة لا يوجب عدم لحوقها بالمصداق، كما في الأذكار و ما يناجي العبد به ربّه.

و يؤيّد ذلك: ما ورد أنّها من الصلاة، من غير كونها بصدد التعبّد.

و التعليل في الرواية الأخيرة؛ فإنّه لا معنىٰ له إلّا في صورة موافقة العقل و العرف، و التفصيل في مقابل العامّة بما لا يكون زيادة واقعاً، قبيح.

و غير خفيّ: أنّ تحديد ماهيّة الصلاة بما أنّها مأمور بها، غير تحديدها بما أنّها مصداق للأعمّ، و مقتضى التحديد المذكور خروجها عمّا هو المأمور به عرفاً، أو يرجع التحديد إلىٰ إفادة المفهوم المعتبر، الراجع إلىٰ اشتراط التوالي بين الأجزاء، و اشتراط عدم الزائد- علىٰ وجه تكون الزيادة علىٰ أيّ نحو اتّفق موجبة للبطلان و لعدم الامتثال، كما في معاجين

الأطبّاء.

بقي شي ء: في كون الزيادة تتلوّن بلون الصلاة

إنّ الزيادة تتلوّن بلون الصلاة بحسب اللحوق بالمصداق، في صورة كونها من سنخها، سواء كان ذكراً أو ركوعاً أو سجدة أو قنوتاً، و سواء كان عن عمد أو جهل أو نسيان، و سواء كان ركعة أو صلاة.

نعم، في أمثال «التكتّف» لا مثل «آمين» يلزم قصد الصلاتيّة و الإتيان بلون الصلاة، من غير دخالة قصد الجزئيّة، كما لا يعتبر قصد الجزئيّة في

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 57

الأجزاء الواجبة لو لم نقل بأنّه مضرّ بصحّته؛ فإنّ الصلاة حقيقة اعتباريّة متدرّجة الوجود، من غير دخالة الزائد علىٰ قصد الصلاة حين كونه آتياً به بعنوانها.

نعم، في الأُمور المسانخة تتلوّن بلون الصلاة إذا كان يأتي بالصلاة حين الإتيان به، و في غير المسانخة لا يعقل أن يعدّ من لواحق المصداق، و من موجبات كماله و إن أمكن التشريع، مع أنّه تمنع بحسب القصد و البناء الجدّي؛ لا متناع حصوله مع الشكّ، فضلًا عمّا إذا كان عالماً بأنّه ليس منها، و تحريره في الأُصول.

صور إمكان الجمع بين حديث «لا تعاد» و «من زاد»

إذا عرفت المعارضة البدويّة فيمكن الجمع بين الحديثين:

تارة: من ناحية أنّ «لا تعاد» مخصوصة بالنقيصة، كما عرفت منّا، و «من زاد» بالزيادة العمديّة، حسب ما عرفت، من إمكانها بحسب المصداق، و توهّم أنّه و لو كانت الزيادة العمديّة ممكنة و مبطلة، و لكن لا معنىٰ لأن يزداد العامد القاصد للعبادة ما يبطل صلاته.

اللّهمّ إلّا أن يقال: أنّ الزيادة العمديّة كانت غير مبطلة في الأجزاء المسانخة، أو مطلقاً، بحسب الطبع، فتكون الرواية دالّة علىٰ إبطالها، فتردع الأُمة الإسلاميّة عن الزيادة العمديّة، و بعد ذلك صارت قليلة الوجود.

و بالجملة: أنّ مقتضىٰ ما عرفت أنّ الزيادة كالنقيصة في الإبطال،

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 58

حسب القاعدة، و لعلّ الحديث ناشئ عن مقتضى القاعدة، و ليس تأسيساً، كما ليس «لا تعاد» بالنسبة إلى المستثنىٰ تأسيساً، فلا معارضة بينهما، سواء قلنا باختصاص «لا تعاد» بالنقيصة أو قلنا بأنّه الأعمّ كمّاً و كيفاً:

و أُخرى: بأنّها للأعم من العمديّة و غير العمديّة، و السنخيّة و غير السنخيّة، إلّا أنّها مخصوصة بالركعة؛ نظراً إلىٰ أنّ الزيادة في الصلاة لا بدّ و أن تكون صلاة، و هي لا تتحقّق إلّا مع الركعة، و لا يتصوّر في الثلاث من مستثنى القاعدة.

نعم، لو زاد سجدة أو سجدتين أو ركوعاً، لا تبطل الصلاة؛ لأنّ المراد من الركعة مجموع الركوع و السجدتين، و يشبه ذلك من الزيادة في الكمّ المتّصل و المنفصل، و نظراً إلى الأخبار الكثيرة المخصوصة بالركعة الزائدة، فلو كانت قاعدة «لا تعاد» أعمّ يمكن الجمع بينهما.

توضيح: المراد من الزيادة

أقول: قد تحرّر في كلمة «الزيادة» أنّها لازمة و متعدّية «1»، و يستظهر من النحو أنّها تتعدّىٰ إلى اثنين مثل قوله «زاد اللّٰه زيداً رزقه» و لا يخفىٰ ما فيه، و لكن في اللغة و الاستعمال «زاد زيد» بمعنى نما و «زاد في الشي ء» تكلّف الزيادة فيه، و الزيادة: ما يزاد أو يزيد، «زيادة الكبد» زائدته «2».

______________________________

(1) صحاح اللّغة 2: 481، المصباح المنير 1: 309، أقرب الموارد 1: 483، المنجد: 314.

(2) المنجد: 314.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 59

و بالجملة: يقال له الإصبع الزائد، و «زاد اللّٰه شيئاً في الإنسان» أو «في ابن زيد» من غير أن يلزم صدق الإنسان علىٰ ما يزداد فيه.

و ثالثة: أنّ حديث «من زاد» في صلاته مجمل؛ لاحتمال كون المعنون عنوان الصلاة، أو الركعة، أو الشي ء، و حمله علىٰ مفهوم الشي ء غير موجّه،

بعد وجود الأخبار الكثيرة الناطقة بزيادة الركعة، فلو لا تلك الأخبار، يمكن دعوى انصرافه إلىٰ عنوان الشي ء و المفهوم العامّ؛ نظراً إلىٰ حذف المفعول به، و لكنّه يلزم الإجمال، فلا معارض لحديث «لا تعاد» من هذه الناحية و لو قلنا بأنّه الأعمّ من الزبادة و النقيصة.

و رابعة: بأنّ حديث «لا تعاد» مخصوص بالنسيان؛ نظراً إلى انصرافه عن العمد، و امتناع شموله للجهل، و لنسيان الجزئيّة، و لمساعدة الاعتبار، و كثرة الابتلاء، و حديث «من زاد» أعمّ من العمد و الجهل و النسيان فيقيّد ب «لا تعاد» بعد اتّفاقهما في المستثنىٰ، فيلزم التوفيق بينهما.

و قد أفتى المشهور بمبطليّة الزيادة العمديّة و الجهليّة، و مجرّد إمكان الفرار عن امتناع الدور، لا يكفي، بعد وجود الإجماع على اشتراك الناس في الأحكام الفعليّة، و أنّهم علىٰ نعت واحد، و لو قيل بصحّة الزيادة الجهليّة بالنسبة إلى الأجزاء الندبيّة «1»، فهو لخروجها عن عنوانها أي: لعدم كونها من الزيادة، كما لا يخفىٰ.

______________________________

(1) مستند العروة الوثقىٰ 6: 34.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 60

تذنيب: في القول بحكومة «لا تعاد» علىٰ «من زاد»

ربّما ينسب «1» إلى الشيخ الأعظم و بعض أتباعه (قدّس سرّهم) «2» حكومة «لا تعاد» علىٰ «من زاد»، و فيه خلاف واضح.

نعم، يمكن دعوى أنّ «لا تعاد» بالإطلاق الأحوالي يشمل الزيادة، و «من زاد» بالعنوان اللفظي متعرّض للزيادة، فالثاني في مورد الزيادة أقوى ظهوراً من الأوّل، فلو زاد في صلاته فعليه الإعادة علىٰ جميع التقادير، و يقيّد به «لا تعاد» بناءً علىٰ شموله الزيادة.

و غير خفيّ: أنّه علىٰ ما حرّرناه من: أنّ في جميع موارد مبطليّة الزيادة يرجع الأمر إلى اختلال الصلاة بالنقيصة؛ لاشتراطها بعدمها «3»، فيكون «من زاد» أخصّ من «لا تعاد» لاشتماله لترك

الأمر الوجودي و الأمر العدمي، فيقيّد به، و تصير النتيجة: أنّه في صورة الزيادة المستلزمة للنقيصة تكون الصلاة باطلة فقط.

بيان الحق في المسألة

و الذي هو التحقيق: هو الوجه الأوّل؛ فإنّه لا يفهم من «لا تعاد» إلّا صحّة الصلاة عند الترك، و لا يستفاد من «من زاد» إلّا بطلانها عند الزيادة

______________________________

(1) فرائد الأُصول 2: 495.

(2) فوائد الأُصول 4: 238، تهذيب الأُصول 2: 387.

(3) تحريرات في الأُصول 8: 116 118.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 61

العرفيّة، و المراد من الزيادة هي الزيادة التي ليست من الصلاة و لواحقها، كما لو كان يزداد جهلًا «التكتّف» و غيره، أو نسياناً، أو زاد مثلهما عمداً، و أمّا الزيادة المسانخة، فإذا كانت عن تشريع، فهي و إن كانت موجبة للبطلان، حسب القاعدة عندنا، توجب البطلان، حسب الحديث أيضاً، و لو كانت مسانخة؛ لأنّها ليست ممّا «يناجي به ربّه» «1»، بل و لو كان جزء مستحبّاً، كما أفتىٰ به جمع «2».

و لو امتنع التشريع مع الالتفات، لا يمتنع حال الجهل و النسيان، فتكون الصلاة باطلة، بل لو أتى بشي ء لأن يعتقد الناظر أنّه من الصلاة، يعدّ تشريعاً، حسب الإطلاق العرفي، و إن لم يمكن بحسب القصد و النيّة من التشريع، فافهم.

تذييل: حكومة حديث الرفع علىٰ حديث «لا تعاد» و «من زاد»

مقتضىٰ حديث الرفع، أنّ النقيصة و الزيادة، جهلًا و نسياناً و اضطراراً و إكراهاً، في موارد بطلان الصلاة بهما، لا توجبان بطلانها، و يكون الحديث حاكماً علىٰ «لا تعاد» في المستثنىٰ، و «من زاد» و هكذا علىٰ ذيل قاعدة «لا تعاد» بناءً على استفادة نقض الفريضة، بالفريضة منها، و في ذلك منّة على

______________________________

(1) قال أبو جعفر الثاني (عليه السّلام): لا بأس أن يتكلّم الرجل في صلاة الفريضة بكلّ شي ء يناجي به ربّه عزّ و جلّ، وسائل الشيعة 6: 289، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 19، الحديث 2.

(2) العروة الوثقىٰ

2: 4 فصل في الخلل الواقع في الصلاة، المسألة 4.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 62

العباد بالضرورة.

مناقشات في جريان حديث الرفع و حلّها

و قد يتوجّه إليه- كما حرّرناه: أنّ الاضطرار إلى الترك لا معنىٰ له، بل الاضطرار إلىٰ ترك السورة، و الركوع في آخر الوقت، يرجع إلى الاضطرار إلى الماهيّة الناقصة، أو إلىٰ أن يأتي بوظيفته، و هي صلاته بدون الركوع، و هذا غير الاضطرار إلىٰ تركه «1»، هذا أوّلًا.

و ثانياً: إنّ الإكراه و الاضطرار و نسيان ذات السورة، لا أثر له شرعاً، بل بطلان المركّب بالنقيصة حكم العقلاء و درك العقل، بخلاف نسيان جزئيّة السورة، كما أُشير إليه، و تفصيله في الأُصول «2».

و شمول إطلاق الحديث لمثل الإكراه على الترك، أو نسيان ذات السورة، أو الاضطرار- علىٰ تقدير صحّته لا يكفي لعدم لزوم الفرار عن اللغويّة في مثل هذا الإطلاق، كما تحرّر، و هكذا العموم.

و أمّا الجهالة التقصيريّة، فهي كالعمد؛ لرجوع جريان الحديث فيها إلىٰ جريانه قبل الفحص، أو التعلّم بالتقليد، و هو عندئذٍ ممنوع.

نعم، الزيادة الاضطراريّة و الإكراهيّة و الجهليّة القصوريّة، سواء استلزمت النقيصة أو لم تستلزم، فهي مورد الحديث و مرفوعة بحسب الاستعمال، إلّا أنّه في موارد استلزامها النقيصة، بالنسبة إلى الإكراه

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 8: 135 136.

(2) تحريرات في الأُصول 7: 117.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 63

و الاضطرار، لا يجري علىٰ وجه يفيد الصحّة من ناحية النقصان؛ لأنّه لا أثر له شرعاً، مع أنّه مثبت، و بالنسبة إلى الجهالة لا يلزم شي ء؛ لجريانه مستقلا بالنسبة إلى الزيادة، و إلى النقيصة اللازمة منها، لأنّه من لا يدري اشتراط ركوع الصلاة بعدم الركوع الثاني، لا يدري أنّ الركوع الثاني زيادة، فاغتنم.

بقي شي ء: في مقتضى النصوص في صورة الزيادة

و هو أنّ هذا مقتضى القاعدة، فلو اقتضت النصوص الخاصّة «1»، أو الإجماع و الشهرة «2»، وجوب الإعادة، بزيادة الركوع

علىٰ أيّ وجه، فهو أمر آخر- مع أنّ اشتراطه بعدم الثاني من السنّة و «السنّة لا تنقض الفريضة» فلا تغفل. و هكذا في موارد نقص الصلاة بركوع.

و أمّا توهّم: أنّ الصلاة ماهيّة متقوّمة بالركوع و السجدة، ففيه: أنّها ماهيّة تعتبر مشكّكة؛ فإنّ الصلاة ذات الركعة الواحدة، كالوتر فهي بلا ركوع، ربّما يشكل صدق الصلاة عليها، و أمّا إذا كانت ذات أربع ركعات، فنقصان ركوع من ركعة، لا يضرّ بصدق الطبيعة عرفاً، و لا دليل شرعاً علىٰ أنّ الركوع مقوّم للماهيّة أو زيادته هادم للماهيّة بالضرورة، بل ليس هو دأب الشرع إلّا بحسب الآثار؛ فإنّ من غمر في أخبار كتاب الصلاة، و خرج عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 6: 319، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 4.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 3: 81، جواهر الكلام 12: 261، مستند العروة الوثقىٰ 6: 49، مستمسك العروة الوثقىٰ 7: 393.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 64

سيرة الناس، و فتوى العلماء، يرىٰ أنّ الصلاة لها المراتب المطلوبة النفسيّة، و تكون كالأقلّ و الأكثر الاستقلالي، مع أنّه خلاف ضرورة المذهب جدّاً.

بيان مقتضىٰ حديث «لا تعاد» و حكومة «من زاد» علىٰ «لا تعاد» في بعض الموارد

فبالجملة: تحصّل لحدّ الآن، أنّ قضية «لا تعاد» ليس إلّا بطلان الصلاة بنقصان الخمسة، و أيضاً يحدّد به إطلاق أدلّة الأجزاء.

و في موارد الزيادة المستلزمة للنقيصة، حسب ما عرفت، يكون «من زاد» مقدّماً علىٰ «لا تعاد» دون غيرها؛ لاختصاص «لا تعاد» بها، و لا يجري «من زاد» و لو كانت النسبة بينهما علىٰ وجه عموم من وجه فإنّ «من زاد» في مورد الزيادة أقوى من «لا تعاد» لأنّ الأوّل بالدلالة الوضعيّة، و الثاني بالاستظهار العرفي التعليقي.

في تقديم حديث الرفع علىٰ غيره

و أمّا حديث «الرفع»، فمقتضىٰ لسانه، تقدّمه في كلّ مورد يجتمع فيه شرائط جريانه، حتّى في نقصان الركوع عن نسيان و جهل قصوري، أو زيادة ركعة عن جهالة.

إن قلت: لا يلزم من جريان الحديث بالنسبة إلىٰ نقصان إحدى الخمسة إشكال؛ لأنّ ترك الخمسة بالإكراه و الاضطرار لا أثر له، و هكذا

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 65

الترك عن جهالة تقصيريّة ليس مورد اشتراط جريانه، كما أُشير إليه، فيبقى تركها نسياناً أو جهلًا قاصراً، و الالتزام بالصحّة، كما مرّ، لا بأس بها، مع قطع النظر عن الأدلّة الخاصّة.

و توهّم: أنّ لازم جريانه عدم وجود مورد من الخمسة، لحديث «لا تعاد» ممنوع، كما هو واضح.

و أمّا بالنسبة إلىٰ حديث «من زاد» فيستلزم استيعاب «لا تعاد» لأنّ الزيادة الاضطراريّة و الإكراهيّة و الجهليّة و النسيانيّة، توجب في صورة الرفع، حمل «من زاد» على العمد و الجهل التقصيري، و عندئذٍ يلزم الاستهجان، فينقلب إلى العلم الإجمالي بعدم جريان بعض فقرأته؛ حذراً عن الاستهجان، مع العلم بوجود المخصّص بالنسبة إلىٰ «من زاد» بحسب الواقع بدون معيّن له إثباتاً.

أو يقال بحصول المعارضة بالعرض بين فقرأته، و بينها و بين «من زاد» بعد

ذلك، معارضة غير قابلة العلاج، و تصير النتيجة بعدها سقوطه عن قابليّة المرجعيّة، إلّا في صورة العمد و الجهالة التقصيريّة.

قلت: أوّلًا: التخصيص المستهجن غير الحكومة المستهجنة، و هكذا الإباء عن التخصيص صحيح، بخلاف الإباء عن الحكومة؛ فإنّه ليس شي ء آبياً عن التخصيص مثل ما ورد في حكم حرمة الربا، و هو قوله تعالىٰ فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّٰهِ. «1» إلّا أنّه ورد بلسان الحكومة، في موارد

______________________________

(1) البقرة (2): 279.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 66

كثيرة، نفي الموضوع، كقوله (عليه السّلام): «لٰا ربا بين الولد و الوالد» «1» و هكذا.

و ثانياً: كما لا معيّن له إثباتاً، لا وجه للعلم الإجمالي بوجود حكومة إحدى الفقرات ثبوتاً، فإنّه يحتمل عدم حكومة المجموع؛ لأجل خفاء شي ء عنّا، فعند ذلك يبقىٰ أصالة عموم «من زاد» محفوظاً، و لا يسقط عن المرجعيّة.

و ثالثاً: الزيادة العمديّة عن تقيّة نادرة، و عن جهالة تقصيريّة كثيرة جدّاً، هذا مع أنّ نسيان ذات الزائد و الزيادة غير نسيان مبطليّة الزيادة، و لا يجري الحديث عندنا بالنسبة إلى الأوّل، دون الثاني، خلافاً للمعروف، فعلى كلّ لا بأس بتحكيم الحديث الشريف علىٰ «من زاد».

تتميم: في بيان مقتضى حديث «لا تعاد» و «من زاد» و أمثاله فيما إذا كانت الزيادة ركعة أو أقل منها

قضيّة «من زاد» حسب الإطلاق، بطلان الصلاة، ركعة كانت الزيادة أو أقلّ، و هكذا موثّقة ابن بكير المتقدّمة- علىٰ بعض لنسخ «2» و أمثالهما، و مقتضى «لا تعاد» صحّة الصلاة بالنقصان، إلّا في الخمسة، علىٰ ما هو المختار، بعد الجمع بينهما في الزيادة المستلزمة للنقيصة، حسب ما حرّرناه.

______________________________

(1) الكافي 5: 147/ 1، الفقيه 3: 176/ 791، تهذيب الأحكام 7: 18/ 76، وسائل الشيعة 18: 135، كتاب التجارة، أبواب الربا، الباب 7، الحديث 1.

(2) الكافي 3: 354/ 2، تهذيب الأحكام 2: 194/

763.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 67

و إنّما الإشكال في مرسلة ابن أبي عمير، عن سفيان بن السمط، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)- علىٰ ما في «الوسائل» قال: «تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان» «1».

و في «الوافي»: «و من ترك سجدة فقد نقص» «2» فإنّ لازم ذلك صحّة الصلاة في صورة الزيادة على الإطلاق، و هكذا النقيصة و لو كانت من الخمسة.

و احتمال اختصاصه بالسهو قويّ، إلّا أنّ كثرة استعماله في التردّد و الشكّ، يوجب إمكان إطلاقه على النقصان و الزيادة عن التردّد و الشكّ؛ فإنّ من شكّ بين الأربع و الخمس يسجد سجدتي السهو، و لا يبعد كون سجدتي السهو اسماً للمرغمتين، فلا يدلّ علىٰ أنّ النقصان أو الزيادة، عن سهو أو شكّ، بل يشمل النسيان و العمد و غير ذلك.

و من القريب أنّ هذا غير مربوط بالصلاة، بل في كافّة الأُمور إذا تدخّل الشيطان، فسهى الإنسان، سجد سجدتي السهو، و مجرّد ذكره في باب «مواضع سجدتي السهو» لا يكفي، مع أنّ الاعتبار يساعد الإطلاق جدّاً.

نعم مٰا في «الوافي» ربّما يوجب احتمال تعيّنه في الصلاة، و إلّا فيحتمل كونه توضيحاً لأحد موارد سجدتي السهو، فالخبر سنداً و دلالة محلّ المناقشة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 8: 251، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 32، الحديث 3.

(2) الوافي 8: 992، كتاب الصلاة، أبواب ما يعرض للمصلّي، الباب 139، الحديث 6.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 68

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ سفيان لم يوثّق، و لم يذكر في الأُصول الخمسة تضعيفه، و لكن علىٰ وثاقته بعض الأمارات العامّة، مع أنّ المرسل ابن أبي عمير، و لا بأس في

دلالته؛ لظهوره في الصلاة.

و في دلالته مناقشات مرفوعة، كمناقشة أنّ وجوب سجدتي السهو يناسب بطلان الصلاة و صحّتها، و الملازمة ممنوعة، و لكنّه خلاف المتفاهم منه.

و عندئذٍ تصل النوبة- بعد الغمض إلى الجمع بينه و بين «لا تعاد» تارة، و إلى الجمع بينه و بين «من زاد» اخرىٰ.

أمّا الأوّل، فعلى مٰا هو المختار في «لا تعاد» تقع المعارضة، تارة في الزيادة المستلزمة للنقيصة، و أُخرى في النقيصة.

أمّا الكلام في الجانب الأوّل: فخبر سفيان و «لا تعاد» متّحدان في إفادة الصحّة، حتّى في زيادة الركوع المخلّ بوحدته، و باشتراط عدم الركوع الثاني؛ لأنّ ذلك داخل في المستثنىٰ منه، و في السنّة التي لا تنقض الفريضة.

و في الجانب الثاني- و هي النقيصة فمقتضىٰ «لا تعاد» بطلانها بترك الركوع، خلافاً له، إلّا أنّه أخصّ منه.

و أمّا التعرّض بالنسبة إلى الأحوال، العمد و الجهل، و النسيان، و الغفلة، فهو لا يرجع إلىٰ محصّل؛ لعدم شمولهما للعمد، و لشمولهما لسائر الأحوال، حسب مناسبة الحكم و الموضوع، نعم إن كان يتعرّض الخبر لخصوص حال، فإنّه يؤخذ به كما لا يخفىٰ.

و عندئذٍ يمكن أن تكون النسبة بين «لا تعاد» و المرسلة، عموماً من

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 69

وجه، من جهة أعميّة المرسلة بالنسبة إلى الأركان في النقيصة، و أعمّية «لا تعاد» من جهة الأحوال السهويّة و غيرها.

أمّا الثاني: تكون النسبة بين «من زاد» و المرسلة، عموماً و خصوصاً مطلقاً و تكون النسبة بين «لا تعاد» و «من زاد» أيضاً عموماً و خصوصاً مطلقاً، حسب ما مرّ، فهناك ثلاث نسب قابلة للجمع؛ و ذلك لأنّ المرسلة مقدّمة علىٰ «لا تعاد» لدلالتها الوضعيّة علىٰ أنّ ترك الركوع سهواً، لا يوجب

البطلان، و المراد من الدلالة الوضعيّة، هو أنّ مقدّمات الإطلاق في المرسلة، توجب تعرّض المرسلة لترك الركوع سهواً، حسب فهم العرف كما عرفت.

فلولا الأدلّة الخاصّة، كان الجمع المذكور متعيّناً. كما أنّه كان يقدّم «من زاد» علىٰ «لا تعاد» لتعرّض لعنوان الزيادة وضعاً، بخلاف «لا تعاد» فإنّه بالإطلاق يكشف عن سريان الحكم، و تماميّة الموضوع، فاغتنم.

في تقديم معتبر زرارة و موثّق ابن بكير و المرسلة علىٰ «لا تعاد»

فالمحصول: أنّ كلّ واحد من معتبر زرارة و موثّق ابن بكير و المرسلة، مقدّم علىٰ «لا تعاد» سواء كانت النسبة عموماً من وجه، أو مطلقاً؛ لأنّ تلك القواعد متعرّضة بالوضع لحال من أحوال «لا تعاد» الثابتة بالإطلاق، و هي الزيادة و الاستيقان و السهو، و حديث «لا تعاد» في هذا التقريب أضعف دلالة، أو معلق إطلاقه.

و أمّا النسبة بين تلك المخصّصات فهي إمّا إجابيّين بالأعمّ و الأخصّ،

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 70

أو الأعمّ و الأخصّ، فيجمع بالتخصيص، مثل «من زاد» و المرسلة، فبحمد اللّٰه و له الشكر لا تهافت بين الأخبار، بعد الفراغ عن صحّة صدورها، علىٰ ما عرفت.

ختام: في ذكر بعض التوهّمات و الردّ عليها

قد تعرّضنا لحدود «لا تعاد» و شموله للأثناء، و للشرائط الوجوديّة و العدميّة، و أنّه لو تذكّر في السورة، أنّه ترك القراءة، لا يعيد؛ لأنّه يعدّ من إعادة الصلاة إذا أتى بالسورة، و لو أتى بها بدونها، فلٰا يعدّ من إعادة الصلاة «1».

و توهّم: أنّ الإعادة ظاهرة بمٰا بعد العمل، أو أنّ السورة ليست صلاة «2»، فجوابه غير خفي علىٰ أهله و أرباب فنّه. و هكذا لو تذكّر في أثناء الصلاة نقصانها، من حيث الشرط، سواء كان شرطاً مستمرّ الوجود إلىٰ آخرها، أو شرطاً لبعض أجزائها، و سواء أمكن التدارك أم لم يمكن- كما لو دخل في الركن هذا و لكن بل مع قطع النظر عن الأخبار الخاصّة لا شي ء إلّا و يمكن تداركه؛ ضرورة أنّه لو تذكّر ترك القراءة في الركوع، يمكن تداركه فيه أو بعده، و يسقط الترتيب، مع أنّ زيادة الركوع من السنّة، و هي لا تنقض الفريضة.

______________________________

(1) رسالة في قاعدة «لا تعاد»، للمؤلّف (قدّس سرّه) (مفقودة).

(2) انظر الصلاة، المحقّق

الحائري: 319، و الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 2: 195 196.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 71

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّه داخل في «من زاد» المخصّص ل «لا تعاد» حسب ما عرفت، فيتعيّن الوجه الأوّل.

إفاضة: بيان بطلان الصلاة لحكومة أدلّة الأجزاء و الشرائط

مقتضىٰ عكس نقيض «أنّ السنّة لا تنقض الفريضة» أنّ ما ينقض الفريضة، ليس من السنّة. ثمّ إنّ القضايا المشتملة علىٰ مثل هذا الحصر، آبية عن التقييد، بحسب الفهم العرفي التقييد، دون الحكومة.

و قد تحرّر في الفقه بطلان الصلاة بنقصان تكبيرة الافتتاح، و القيام المتّصل بالركوع، و نقصان قصد الخصوصيّة المنوّعة، كالظهريّة و العصريّة و هكذا، و نقصان القربة و الخلوص، و نسيان نجاسة الثوب و الستر، و في أخبار الافتتاحيّة ورد أنّه «لا صلاة بغير افتتاح» «1» فيكون حاكماً علىٰ «لا تعاد» و في القيام المذكور ورد: «لا صلاة لمن لم يقم صلبه» «2» مع احتمال أنّ ترك القيام يوجب المناقشة في صدق الركوع، فلازمه نقص الركوع.

و أمّا بالنسبة إلىٰ قصد تلك الخصوصيّات، فالتحقيق: إنّ «لا تعاد الصلاة» ليس مفاده أنّ الصلاة بما هي هي مورد الأمر، كما حرّرناه في تلك

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 353/ 1466، وسائل الشيعة 6: 14، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 7.

(2) الكافي 3: 320/ 6، تهذيب الأحكام 2: 78/ 290، وسائل الشيعة 6: 321، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 16، الحديث 2.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 72

الرسالة «1»، بل إرشاد إلى الصلوات المأمور بها، و هي صلاة الظهر و العصر، و غير ذلك، من الخصوصيّات المنوّعة، فالبطلان في صورة الإخلال بقصد تلك الخصوصيّة، من قبيل الإخلال بعنوان الصلاة، فيكون خارجاً عن «لا تعاد» تخصصاً لا تقييداً،

و لا حكومة.

و لا يؤخذ بالإطلاق هنا من هذه الجهة، كما لا يؤخذ به، في قوله (عليه السّلام): «إذا اجتمعت عليك حقوق يجزيك غسل واحد» «2» فإنّه لا يكفي الغسل المقرون بالقربة، المفروغ عن كافّة الخصوصيّات المنوّعة، كالجنابة، و الجمعة، و مسّ الميّت.

و لو صحّ الأخذ به في هذه الرواية، لا يؤخذ به في «لا تعاد» بالضرورة، فالصلاة في «لا تعاد» إشارة إلىٰ تلك الأنواع المشتركة في الصورة، المختلفة في الخصوصيّة، و الأمر يتعدّد بتعدّد تلك الخصوصيّة، كما حرّر في الأُصول.

و أمّا الكلام حول قصد القربة، فيأتي في المسائل الآتية؛ إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

و أمّا لزوم الإعادة من جهة نسيان نجاسة الثوب، فهو لكونه من الطهور في المستثنىٰ، بعد كونه مطلقاً.

و توهّم: أنّه ليس من الطهور «3»، فهو غلط؛ لأنّ قوله (عليه السّلام): «لا صلاة

______________________________

(1) رسالة في قاعدة لا تعاد، للمؤلّف (قدّس سرّه) (مفقودة).

(2) الكافي 3: 41/ 1، تهذيب الأحكام 1: 107/ 279، وسائل الشيعة 2: 261، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 43، الحديث 1.

(3) الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الآملي 2: 422.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 73

إلّا بطهور» وارد ذيل رواية النجاسة الخبثيّة «1».

و أمّا إنكار إطلاق المستثنىٰ «2»، فهو و إن كان غير بعيد في ذاته، إلّا أنّ ذيله يؤيّد الإطلاق، و يؤكّده في المستثنىٰ.

هذا، علىٰ أنّه مع قطع النظر عن الذيل، مقتضى الأصل العقلائي، ثبوت الإطلاق للمستثنىٰ، و لا سيّما بعد عدّ الخمسة.

في مدلول صدر حديث «لا تعاد» و ذيله

بقي تنبيه و فيه إفادة و إعادة: إنّ مع الالتزام بصدور الذيل، فمقتضىٰ عكس نقيض «لا تعاد» هو الحصر الموجب للإعادة، في الخمسة المذكورة، و مقتضى عكس نقيض الذيل، أنّ ما ينقض الفريضة ليس بسنّة، كنقصان

إحدى الخمسة مثلًا، و لكن قضيّة هذه القواعد الملفوظة و غير الملفوظة، أنّ عكس نقيض الذيل هو الأصل و أساس القاعدة، و أنّ «لا تعاد الصلاة» من ناحية نقصان سائر الأجزاء إلّا الخمسة، أخصّ من الذيل، و الأعمّ و هو الأصل و الأساس، لا الأخصّ.

و عندئذٍ يشكل الجمع بين حصر موجبة النقض في الخمسة المذكورة، و بين أعمّيّة القاعدة، بحسب الذيل، من جهة إمكان كون غير

______________________________

(1) عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: لا صلاة إلّا بطهور و يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار، بذلك جرت السنّة من رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و أمّا البول فإنّه لا بدّ من غسله. تهذيب الأحكام 1: 49/ 144 و 209/ 605، وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 9، الحديث 1.

(2) كتاب الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 204 و 205.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 74

الخمسة ناقضاً أيضاً؛ لكونه ليس من السنّة.

اللّهمّ إلّا أن يقال: بإفادة القاعدة، حصر الناقضيّة، في تلك الخمسة واقعاً، و إنّما يجوز تحكيم دليل عليها، كما عرفت.

فما ربّما يقال: بعدم دلالة الذيل علىٰ إمكان ناقضيّة غير الخمسة، للإشكال المذكور، ممنوع.

هذا، مع أنّه يمكن أن يقال: بأنّ الخمسة معدودة مثالًا واضحاً للفريضة؛ للقاعدة المستفادة من الذيل، و هو: أنّ ما ينقض الفريضة ليس من السنّة، كالطهور و القبلة و الوقت و الركوع و السجود، فإنّها تنقض الفريضة، و ليست من السنّة، فالذيل يمنع عن إفادة الحصر في الخمسة، بحسب الناقضيّة، فليتأمّل، فإنّه حقيق به.

و من الجدير بالذكر، أنّ الأمر يدور بين ظهور الصدر في الحصر في الخمسة، و بين إطلاق الذيل- كي يتمسّك

بعكس نقيضه المخالف للحصر؛ لبطلان الصلاة بغيرها و الإنصاف: إنّ الترجيح مشكل، أو مع الصدر.

و هناك وجه آخر، و هو أنّ قوله (عليه السّلام)- علىٰ ما في بعض النسخ: «فلا تنقض السنّة الفريضة» إنشاء، لا إخبار عن أمر مطابق للأصل، أو عن أمر منشأ مخزون، كي يكون له النقيض و عكسه، فإنّ هذه القضايا مخصوصة بالقضايا الإخباريّة.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، در يك جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)؛ ص: 75

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 75

تذييل: في المراد من الموانع و قواطع الصلاة

قد تحرّر في الأُصول: أنّ المانعيّة و القاطعيّة، ترجعان إلىٰ قيديّة إعدامها في الفريضة «1»؛ نظراً إلى الامتناع المحرّر هناك، إلّا في بعض أقسام القواطع، كالقهقهة، و الأكل الكثير الهادم لعنوان الصلاة، عرفاً واقعاً.

و أمّا علىٰ فرض كونهما من منافيات وجود الصلاة خارجاً، و مفاداته في الأعيان، فكلّها خارجة عن القاعدة بالتخصّص؛ لأنّ «الصلاة لا تعاد إلّا من الخمسة» ناظرة إلىٰ مرحلة تقدير الماهيّة، و كيفيّة اعتبار أجزائها و شرائطها، و لا نظر لها إلىٰ وجودها المهدوم بالقاطع و المانع، فإنّه ليس بصلاة واقعاً أو ادّعاءً، كما أوضحناه في محلّه.

كما تكون جملة «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» «2» حاكمة عليها، بناءً علىٰ دلالتها علىٰ دخالة الفاتحة في الاسم و العنوان، حينئذٍ «من زاد في صلاته» كما هو ظاهر.

فلحدّ الآن تحرّر: أنّ الصلاة باطلة بنقصان الخمسة، دون غيرها، في جميع الأحوال على الأشبه، دون العمد، و أيضاً هي باطلة بزيادة شي ء فيها، بشرط تحقّق الزيادة، كما يتحقّق واقعاً، علىٰ ما تحرّر في الأُصول «3»، إلّا إذا

______________________________

(1) تحريرات في

الأُصول 8: 86 89.

(2) عوالي اللآلي 1: 196/ 2 و 2: 218/ 13، مستدرك الوسائل 4: 158، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 1، الحديث 5 و 8.

(3) تحريرات في الأُصول 8: 117 119.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 76

كان مورد حديث الرفع، على التفصيل المذكور.

و أمّا في موارد الزيادة اللازمة للنقيصة، كاشتراط الصلاة بعدم التكتّف، فإنّه لو تكتّف، زاد و نقص، فيعيد و لا يعيد، و ذكرنا أقوائيّة «من زاد» علىٰ «لا تعاد» و يقدّم عليه، في صورة العموم من وجه. و النسبة بين «من زاد» و ما يدلّ علىٰ زيادة الركعة، إيجاب فقط، و لا مفهوم له علىٰ وجه يعتدّ به، لأخبار زيادة الركعة، كي يقيّد به إطلاق «من زاد».

و أمّا مرسلة «سفيان» «1» فلولا إعراضهم عن مفادها، كان لقلب النسبة بها وجه، و إن حررّنا في الأُصول: أنّ انقلاب النسبة غير صحيح، إلّا في بعض الموارد؛ لوجود القرائن؛ فإنّه لا دليل علىٰ لزوم الجمع علىٰ أيّ وجه أمكن.

الزيادة علىٰ قسمين و بيان المبطلية منها

بقي شي ء، و هو: إنّ مقتضىٰ طائفة من الأخبار أنّ الزيادة علىٰ قسمين؛ ضرورة أنّ الصلاة المشتملة على الأذكار الكثيرة، و الأدعية المختلفة، أقلّ من الكافلة الكاملة الجامعة للأذكار، و التشهّد الكبير و غيره، فهي ذات الأجزاء الزائدة، دونها، و تلك الزيادة تسبّب كمالها، فالزيادة باعتبار أنّها من الماهيّة، موجبة لبطلانها، و لشمول «من زاد».

و الزيادة اللّاحقة للمصداق، مشمول رواية الحلبيّ «كلّ ما ذكرت

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 67.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 77

به اللّٰه تعالىٰ و النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فهو من الصلاة» «1» و «ما يناجىٰ به الربّ من الصلاة» «2»، فليس

كلّ زيادة مبطلة، و ميزان المبطل و المكمّل مٰا أُشير إليه، و هي خارجة عن «من زاد» فلو أتى بالأجزاء و الأذكار و الأوراد و الأدعية المستحبّة، بعنوان الوجوب، أو أتى بها في خصوص ركعة وجوباً، أو ندباً خاصّاً، فمقتضى الصناعة هو البطلان، مع أنّ «من زاد» أقوى من تلك الأخبار، على الأشبه.

القسم الثاني: حول الخلل المخصوص بالنصّ و الدليل بجهة من الجهات، و المعارضات الخاصّة للأدلّة العامّة السابقة،

اشارة

ك «لا تعاد» و «من زاد» و غيرهما، و البحث هنا يتمّ طيّ مسائل

______________________________

(1) الكافي 3: 337/ 6، تهذيب الأحكام 2: 316/ 1293، وسائل الشيعة 7: 263، كتاب الصلاة، أبواب القواطع في الصلاة، الباب 13، الحديث 2.

(2) قال الصادق (عليه السّلام): «كلّ ما ناجيت به ربّك في الصلاة فليس بكلام». الفقيه 1: 208/ 938، عوالي اللآلي 2: 45/ 113، وسائل الشيعة 6: 289، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 19، الحديث 4.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 79

المسألة الأُولىٰ حول الخلل في النيّة

اشارة

إذا أخلّ بالنيّة، بأن أتى بجميع الشرائط و الأجزاء متوالية متواصلة، غير ناوٍ للصلاة جهلًا، أو نسياناً، فربّما يقال بالبطلان «1»؛ نظراً إلىٰ أنّه ليس بصلاة؛ فإنّها أمر قصدي، و مجرّد تعاقب التكبير إلى التسليم محفوفين بالأجزاء، لا يوجب صدق العنوان، فلا يسقط الأمر.

و لا يشمله «لا تعاد» ضرورة لزوم كون الخمسة، بعنوان «الصلاة» و «الصلاة» و الركوع و السجود أيضاً مورد الإرادة الصلاتيّة، و متلوّنين بلون الصلاة، كي يصحّ أن يقال «لا تعاد الصلاة إلّا من الخمسة» و لو لم يعتبر ذلك في الشرائط، و قلنا بكفاية مجرّد كونها في الوقت، متطهّراً، و إلى القبلة، جاهلًا بالشرطيّة، لكن يعتبر في الركوع و السجود.

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 2: 8، فصل في الخلل الواقع في الصلاة، المسألة 16، مستند العروة الوثقىٰ 6: 70.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 80

و توهّم: أنّ الصلاة ليست إلّا هذين العملين الخارجين المتعاقبين، فاسد جدّاً، و تطبيق العرف الجاهل بالقصد، عنوان الصلاة علىٰ ما أتى به، لا يكفي، كما لا يخفىٰ.

في الإخلال بالعناوين المنوّعة

و هكذا الأمر بالنسبة إلى العنوان المنوّع، كالظهريّة و العصريّة و غيرهما، ممّا يتعلّق الأمر به؛ فإنّه على الإخلال به في مجموع الصلاة، لا يمكن تطبيق عنوانها عليه، و إيجادها به، بعد كونهما قصديّاً.

و علىٰ هذا، ربّما ذهب أصحابنا أجمعون إلى البطلان، باعتقاد الركنيّة، و هو المذكور في القديم و الجديد، إلّا أنّ المسألة، حسب الظاهر معلّلة بأنّ النيّة ركن، أو لم يقل أحد بأنّها ليست بركن، و هذا هو المحكي «1» عن «التنقيح» «2» إلىٰ عصرنا هذا.

و يخالفهم أنّ ما هو اللازم، هو الركوع و السجود، و أمّا كونهما متلوّنين بلون الصلاة، فهو أمر آخر، فربّما يقال: بحصوله

قهراً، أو بعدم ركنيّته، أو بأنّه من السنّة، و لا تنقض الفريضة؛ لاحتمال كون الصلاة المأمور بها هي الركوع و السجود، بعد كون الشروط الثلاثة موجودة، و النقيصة معفوّة عند إتيانهما. و لكن هذا خلاف ما هو المرتكز عند العرف و المتشرّعة، و مقايسة المركّبات الاعتباريّة و المؤلّفات العرفيّة.

______________________________

(1) جواهر الكلام 9: 154، مستمسك العروة الوثقىٰ 7: 403.

(2) التنقيح الرائع 1: 192.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 81

فرع: في كفاية النيّة في أثناء الصلاة

لو تذكّر قبل الدخول في الركوع، بعد ما كبّر لا بعنوان الصلاة، فمقتضىٰ ما عرفت من عموم «لا تعاد» كفاية النيّة في الأثناء، و كفاية تلوّن معظم الأجزاء بعنوان الصلاة و الظهريّة.

و ربّما يستفاد ذلك من أخبار العدول «1»، و لا ينافيه روايات «أنّ الصلاة علىٰ ما افتتحت» «2» كما هو واضح، فمقتضى القواعد، كحديث الرفع، و «لا تعاد» عدم اعتبار أزيد من ذلك، في امتثال أمر الصلاة المتلوّنة بالظهريّة.

و بعبارة اخرىٰ: مقتضى القاعدة لزوم تلوّن كلّ جزء من الصلاة، بلون الصلاتيّة، و الظهريّة، و هكذا، و هذا ربّما يقتضيه إطلاق دليل اشتراط الصلاة بالنيّة، و هي الظهريّة، و غيرها، إلّا أنّها مقيّدة بالقواعد الثانويّة، و لا دليل علىٰ خلافها من وجوب الإعادة و الاستئناف.

و لو قلنا: بأنّ «لا تعاد الصلاة» غير جارٍ- لأنّ موضوعها هي الصلاة المتنوّعة بالظهريّة- كما عرفت لا مطلق الصلاة؛ لأنّها غير مأمور بها، فهو غير بعيد و لكن حديث الرفع جارٍ.

______________________________

(1) لاحظ وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63.

(2) معاوية قال سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل قام في الصلاة المكتوبة فسها فظنّ أنّها نافلة أو قام في النافلة فظنّ أنّها مكتوبة؟ قال: هي علىٰ

ما افتتح الصلاة عليه. تهذيب الأحكام 2: 197/ 776 و 343/ 1419، وسائل الشيعة 6: 6، كتاب الصلاة، أبواب النيّة، الباب 2، الحديث 2.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 82

اللّهمّ إلّا أن يقال: جريانه في الجهل القصوري ممكن، حسب ما تحرّر «1»، دون التقصيري، و في نسيان الشرطيّة أيضاً جائز، دون ذات الشرط، و حديث لزوم الدور قد ذبّ عنه في محلّه «2».

و ما ذكرناه يجري لو تذكّر و توجّه بعد الركوع و الركعة، و لذلك لو ورد النصّ علىٰ ذلك كان يؤخذ به، و لا يطرح.

و توهّم: أنه يرجع إلىٰ نقصان الصلاة بترك الركوع؛ لكونه من قيود عقد المستثنىٰ، و يكون داخلًا في حلقة «لا تعاد» الأكبر؛ فإنّ قيود الأجزاء و شرائطها ترجع إلى الصلاة بالواسطة، فكما أنّ الإخلال بها في عقد المستثنىٰ منه، لا يوجب الإعادة، لكن في عقد المستثنىٰ، يوجب الإعادة «1»، في غير محلّه و إن سلكه الأصحاب رضي اللّٰه عنهم و ذلك لأنّ المستثنىٰ طبيعي الركوع و السجود، و القيد الزائد من السنّة، و لا ينقض الفريضة، فالمناقشة تنحصر بما أبدعناه سابقاً، و أشرنا إليه آنفاً، و جريان حديث الرفع في الجملة، غير ممنوع، كما عرفت، فاغتنم.

فرع آخر: حكم الخلل بالقربة و الإخلاص

لو أخلّ من جهة القربة و الخلوص، بعد اعتباره علىٰ ما تحرّر «2»،

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 7: 100 101.

(2) تحريرات في الأُصول 7: 64.

(1) الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 2: 201.

(2) جواهر الكلام 9: 187، العروة الوثقىٰ 1: 617 فصل في النيّة، المسألة 8، الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 2: 38، مستمسك العروة الوثقىٰ 6: 21.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 83

و هو محلّ إشكال عندنا جدّاً «1»، فإن

تذكّر بعد الصلاة، فالأشبه صحّتها؛ لأنّه من الإخلال بالشرط.

و دعوىٰ أنّه من الإخلال بالركوع، و يلزم بطلانه، غير مسموعة؛ لأنّه غير دخيل في تقوّم ماهيّة الركوع، و السجود، و هكذا القبلة و الطهور و الوقت، و لذلك تبطل الصلاة عند المشهور، بزيادة الركوع بأيّ نحوٍ اتّفق.

فلو كان المأتي به يصدق عليه الصلاة؛ لكونها منويّة، إلّا أنّه أتى بها عبادة للأوثان و الأصنام، أو أتى بها عبادة للّٰه تعالىٰ علىٰ وجه الشركة، بأن يكون معبوده فيها تلك الأوثان علىٰ وجه الجزئيّة، نسياناً و جهلًا، صحّت على الأشبه، حسب الأدلّة؛ فإنّ نقصان الشرط داخل في «لا تعاد» و خارج عن «من زاد» و مندرج في «تسجد سجدتي السهو لكلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان» «2»، بناء علىٰ ظهوره في الصحّة.

اللّهمّ إلّا أن يقال: بحكومة الأدلّة المتصدية لاعتبار القربة، بل لا تشمل «لا تعاد» صلاة يعبد بها غير اللّٰه تعالىٰ؛ لانصرافها، أو لأنّها ليست صلاة، لقوله تعالىٰ وَ مٰا كٰانَ صَلٰاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلّٰا مُكٰاءً وَ تَصْدِيَةً. «3» فتثبت الحكومة حسب الصناعة، فنسيان عبوديّة اللّٰه تعالىٰ بها، شركة كانت أو استقلالًا، و هكذا جهلًا، قصوراً أو تقصيراً، لا يقتضي جريان حديث الرفع و غيره.

______________________________

(1) تحريرات في الفقه، الواجبات في الصلاة، للمؤلّف (قدّس سرّه): 83 و ما بعدها.

(2) تقدّم في الصفحة 67.

(3) الأنفال (8): 35.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 84

حكم الالتفات إلى الإخلال بالقربة عند الإتيان بالسورة

بقي شي ء: لو التفت حال الإتيان بالسورة إلى الإخلال بالقربة، و عبادة اللّٰه بالصلاة، فتارة يكون إتيانه بتكبيرة الافتتاح صحيحاً، و أُخرى يكون باطلًا، فعلى الثاني فالأمر هنا كما مرّ.

و إن أتى بها صحيحة، ثمّ غفل فأتىٰ بالقراءة، حامداً لغير اللّٰه تعالىٰ، فربّما يمكن القول بصحّتها؛

نظراً إلىٰ إطلاق «لا تعاد» و حديث الرفع في خصوص الناسي و الجاهل القاصر، علىٰ ما عرفت.

و أُخرى: يمكن دعوى بطلانها؛ لأنّها من الصلاة عرفاً و لغةً فيكون مُكٰاءً وَ تَصْدِيَةً كما لا يخفىٰ.

و مقتضى الجمع بين ذلك، و بين أصالة صحّة تكبيرة الافتتاح، و إطلاق «لا تعاد» بالنسبة إليها، و «أنّ الصلاة علىٰ ما افتتحت» الظاهر في أنّ الإخلال من جهة الغفلة و النسيان بالنسبة إلى الأُمور القصديّة، و منها عبادة اللّٰه تعالىٰ بها استقلالًا أو شركة، هو كفاية إعادة القراءة.

و ثالثة: أنّ الصلاة باطلة على الإطلاق، فيعيد تكبيرة الافتتاح أيضاً؛ لأنّ وجوب العود إلى القراءة يستلزم زيادة في الفريضة، و يشملها «من زاد» حسب ما عرفت، و هذا يعدّ من الزيادة العمديّة، فلا يشملها قوله: «تسجد سجدتي السهو».

و توهّم: أنّ العمديّة مستندة إلىٰ إيجاب الشرع إعادة القراءة، لا ينفع؛ لأنّها لا ينافي كونها من الزيادة العمديّة المبطلة شرعاً أيضاً، فعلى

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 85

هذا لا يتمكّن من تصحيح صلاته.

و بالجملة: عبادة غيره تعالىٰ، و صحّة صلاته، تنافي المرتكزات جدّاً.

فرع ثالث: حكم الرياء في الصلاة

في موارد الإخلال بالخلوص، بأنْ يعبد اللّٰه تعالىٰ رياء، بعد الفراغ عن اشتراط الخلوص فيها، خلافاً لما نسب «1» إلى السيّد المحقّق الشريف المرتضىٰ «2» و قد أيّدناه بالصناعة جدّاً، و أنّ الصلاة صحيحة تجعل في سجين و لا تقبل، و تفصيله في محلّه «3» و المعروف عنهم هو البطلان علىٰ كلّ حال «4»، و الحقّ أنّه لو كان الخلوص شرطاً، فقاعدة «لا تعاد» جارية، و هكذا حديث الرفع في صورة نسيان الشرطيّة و الجهل القصوري، و لو كان الرياء مانعاً، فلا محلّ للقاعدة، و يجري حديث الرفع، و

يؤخذ بإطلاق دليل المركّب.

و لو كان الشرط عدم الرياء بمعنى أنّ الرياء زيادة في الصلاة، و يوجب نقصان الشرط، فالقاعدة و الحديث جاريان في حال الجهل القصوري و النسيان، و يكونان حاكمين علىٰ «من زاد».

و لو قلنا بأنّ تلك الزيادة القصديّة، لا تكون من الزيادة في الصلاة،

______________________________

(1) جواهر الكلام 9: 189، مستمسك العروة الوثقىٰ 6: 21.

(2) الانتصار: 17.

(3) تحريرات في الفقه، الواجبات في الصلاة، للمؤلّف (قدّس سرّه): 83 و ما بعدها.

(4) مستمسك العروة الوثقىٰ 6: 20.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 86

و إن توجب الإخلال بالشرط، و ذلك نظير التشريع القصدي حال الغفلة مثلًا- فإنّه لا يعدّ من الزيادة فيها فالحكم يختلف حسب هذه الاحتمالات.

بيان مقتضى الصناعة

و الذي تقتضيه الصناعة- علىٰ تقدير بطلانها، حسب الأدلّة الأوّليّة في صورة الإخلال و تحقّقه صحّة الصلاة في صورة الجهل القصوري، و نسيان الحكم علىٰ كلّ تقدير، و في صورة نسيان الموضوع تجري القاعدة، و لا يجري «من زاد» لكون الرياء المشروط عدمه، ليس من الزيادة في الصلاة، و قد تحرّر: أنّ أمثال هذه الشروط، بل قالوا: إنّ مطلق الشروط خارج عن مسألة الصحيح و الأعمّ، و أنّ كلّ أخصّي أعمّي بالنسبة إلى الشروط «1».

و هكذا الجهل التقصيري، فإطلاق دليل المركّب، بعد تقييده بدليل اشتراطه بالخلوص، أو عدم الرياء، محكوم، و قد امتثل بذلك المصداق المقرون بالرياء، نسياناً أو جهلًا بقسميه، فليلاحظ، فاغتنم و تأمّل فإنّه حقيق به.

و أمّا البحث حول حقيقة النيّة، و حدود الضمائم و الخلوص، و أقسام الضمائم، فموكول إلىٰ بحوث ماضية، كما أنّه هل المستفاد من الأدلّة، هي شرطيّة الخلوص أو عدم الرياء، أو مانعيّة الرياء- على الوجه المحرّر إمكانه أيضاً موكول إلىٰ تلك

البحوث «2».

______________________________

(1) مطارح الأنظار: 6/ السطر 8.

(2) تحريرات في الفقه، الواجبات في الصلاة، للمؤلّف (قدّس سرّه): 83 و ما بعدها.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 87

المسألة الثانية في خلل القبلة

اشارة

و أمّا بيان شرطيّة القبلة، و ما هو الشرط، و أنّه هو نفس الحرم الشريف، كما هو المغروس المفروغ عنه، أم الجهة، أو تختلف قبلة المسلمين حسب أوعية معاشهم و منازلهم؟ فهو موكول إلىٰ مباحث المقدّمات، و قد خلطوا في كيفيّة البحث، مع عنوانهم بحث خلل الصلاة مستقلا، فتارة بحثوا عن خلل بعض الأُمور ذيل المسألة، كما في القبلة، و تارة بحثوا عن الخلل في مباحثه، و الأمر سهل.

إبطال توهّمات القوم في تشخيص القبلة بسبب الخطوط و الزوايا

و ممّا لا يكاد ينقضي التعجّب: هو اتّخاذهم في بحث القبلة حديث الخطوط و استدارة الإنسان، و توهّم انشعاب الخطّ، أو الخطوط من المصلّي إلى الكعبة، خطّاً وهميّاً و توهميّاً، و افترضوا الزوايا الحادّة

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 88

و القائمة و المنفرجة، متوهّمين أنّه بذلك تنحلّ المعضلات من مسائل القبلة، حتّى يرى اختلافهم في أنّه كلّ جسم إذا ازداد بعداً، ازداد ضيقاً أو سعة، مع أنّه لا يزداد شيئاً و لا ينقص.

و جدير بالذكر ذهابهم إلىٰ حدود الانحرافات عن خطّ نصف النهار، بحسب الدرجات، و صنعوا في ذلك آلات صحيحة أو باطلة، و هم غافلون عن مسألة الديانة و الشريعة الإسلاميّة السارية في القرى و القصبات و البَدْو، و الذين بيوتهم معهم.

و لعلّه يصنع بعضهم بالنسبة إلىٰ كربلاء الحسين (عليه السّلام)، لأجل السلام نحوه- عليه الصلاة و السلام و يكتبون حوله الحدود و الخطوط، و هكذا إلىٰ قبره (عليه السّلام) للسلام من بعيد، غافلين عن علماء الجغرافيا، و أنّهم كيف يذاكرون حول البلاد، و إذا سألهم بعضهم عن «البحر الأسود» أو «مادكاسكارا» أو «تونس» و «كراچي» يشيرون في المجلس نحوها، و يصدّقونه سائر المطّلعين، من غير مناقشة في ذلك، بعد توضيح تلك

الجهة التي فيها ذلك البحر و البلد و المملكة طبعاً و بالضرورة.

فحديث التخطيط، و حديث استدارة جبهة الإنسان، و حديث توهّم الخطوط المتوهّمة على الزوايا الكذائيّة أشبه بالمسائل الجنيّة و الهورقليائيّة، كما قيل بذلك في الملكيّة.

التحقيق في القبلة و أنّها واحدة للقريب و البعيد و هي الكعبة

و يا أخي و شقيقي، لا ينبغي الخلط بين المسائل العلميّة

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 89

و الصناعيّة، اللازم اعتبارها في بعض الأُمور، و بين هذه المسائل البدويّة العاديّة، مع أنّ أخذ الجهة قبلة ليس بمعنى أنّ قبلة البعيد غير قبلة القريب، بل الكعبة قبلة المسلمين كما في دعاء العديلة الصغيرة «1»، و في تلقين المحتضر و الميّت «2»، و في تلك الجهة، في قبال سائر الجهات المتعارفة الجغرافيائيّة العرفيّة، تكون الكعبة جزء منها، فلا تكن من الجاهلين.

أ فلا تنظر أنّ الكتاب يقول فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ وَ حَيْثُ مٰا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ. «3»؟! و قد تكرّرت الجملة الأولىٰ، و ما ذلك إلّا لكونه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في البعيد من مكّة المكرّمة، و أنّ في التولّي شطر المسجد هو التولّي شطر الحرم الشريف.

و يدلّ عليه معتبر معاوية بن عمّار، سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الحِجر، أ منَ البيت هو أم فيه شي ء من البيت؟ قال (عليه السّلام): «لا، و لا قلامة ظفر، و لكن إسماعيل دفن فيه امّه، فكره أن يوطأ، فجعل عليه حجراً، و فيه قبور أنبياء» و غيره ممّا هو المذكور في طواف «الوسائل» «4».

كما يدلّ عليه صلاة رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إلىٰ بيت المقدس، حسب

______________________________

(1) زاد المعاد: 489، مفاتيح الجنان: 117.

(2) مصباح المتهجّد: 21، مستدرك الوسائل 2: 321، أبواب

الدفن و ما يناسبه، الباب 20، الحديث 3.

(3) البقرة (2): 144.

(4) وسائل الشيعة 13: 353، كتاب الحجّ، أبواب الطواف، الباب 30، الحديث 1.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 90

الأخبار في جميع السنوات المكّيّة، و حوالي سنة و نصف في المدينة «2»، و ما كان ذلك إلّا إلىٰ تلك الجهة التي فيها بيت المقدس، و كان المسلم في بيته يصلّي نحوه، من غير رعاية هذه الدرجات و الآلات المسمّاة ب (قبله نما) و ستحدث إن شاء اللّٰه (مدينة نما) و (كربلاء نما) و (مشهد نما) و حدود انحراف درجاتها عن خطّ نصف النهار، كما صنعه الأقدمون و المعاصرون، حفظنا اللّٰه تعالىٰ عن الخطأ و الزلل، و تمام الكلام في المسألة يطلب من محالّها إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

و لقد كتبنا في بعض الرسائل: أنّ مسألة حرمة الاستدبار حال التخلّي لمكان كونه استقبالًا عقلًا، و لكنّه خروج عن العرف.

و ربّما يؤيّد ذلك: أنّ حرمة الاستقبال حال التخلّي ليست إلّا تشريفاً للكعبة، و تعظيماً لها «3»، و بالضرورة يكون الانحراف إلى اليمين و اليسار أقرب إلى التعظيم من الاستدبار، حسب فهم العقلاء، و لكن مع ذلك يرجع إلى العرف هنا كسائر المسائل، فلا تغفل.

______________________________

(2) عن معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): متى صرف رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إلى الكعبة؟ قال: بعد رجوعه من بدر و كان يصلّي في المدينة إلىٰ بيت المقدس سبعة عشر شهراً ثمّ أعيد إلى الكعبة. مجمع البيان 1: 413، وسائل الشيعة 4: 297، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 2، الحديث 3.

(3) عن محمّد بن إسماعيل قال: دخلت علىٰ أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) و

في منزله كنيف مستقبل القبلة و سمعته يقول: من بال حذاء القبلة، ثمّ ذكر، فانحرف عنها إجلالًا للقبلة، و تعظيماً لها، لم يقم من مقعده ذلك حتّى يغفر له. وسائل الشيعة 1: 303، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 2، الحديث 7.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 91

مقتضىٰ قاعدة «لا تعاد» حال الخلل بالقبلة و بيان إطلاق المستثنىٰ فيها

إذا عرفت ذلك، فقبل الخوض في الأدلّة الخاصّة، يجب النظر إلىٰ مقتضىٰ قاعدة «لا تعاد».

و حيث إنّ الأمر بالإعادة و النهي عنها ليسا إلّا إرشاداً إلىٰ صحّة المأتي به و فساده، و لا يستقلّان في النفسيّة و المولويّة و تبعاتهما بالضرورة، فربّما يقال: إنّ المستثنىٰ منه و إن كان له الإطلاق، و لكنّ المستثنىٰ لا إطلاق له «1»، فنقصان الصلاة من جهة القبلة استدباراً، أو إلى اليمين و اليسار- بناءً علىٰ كونهما بمنزلة الاستدبار من جهة الوقت، و خارجه خارج عن المستثنىٰ، و لا إطلاق له كي يقال: إنّ قضيّته هو البطلان، كما هو مقتضىٰ شرطيّة القبلة، و هكذا بالنسبة إلى الاختلال ببعض أجزاء الصلاة، من جهة القبلة.

و لكن لا يبعد عندنا الإطلاق، كما هو المرجع عند الشكّ في الإطلاق، إذا لم يكن الكلام مشتملًا علىٰ ما يصلح للقرينيّة علىٰ عدم الإطلاق، و يؤيّد الإطلاق ذكر طائفة من موجبات فساد الصلاة.

و يدلّ عليه ما في ذيلها من: «أنّ السنّة لا تنقض الفريضة» فإنّه يتبيّن منه الإطلاق بالضرورة، و لو كان الذيل أصلًا و الصدر فرعاً.

و علىٰ هذا، يستنتج أنّ الصلاة الفاقدة للقبلة باطلة، و حيث لا يكون النظر في قوله (عليه السّلام): «لا تعاد الصلاة» إلى الأجزاء بالتفصيل، بل المنظور

______________________________

(1) الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 204 205.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص:

92

إليه هي ذات الصلاة، و نفس هذا العنوان الواحد البسيط العرفي الفاني فيه الأجزاء، لا تكون الصلاة فاقدة للشرط، و هي القبلة، بالضرورة.

و لعلّ سرّ صحّة الصلاة الاستدراكيّة، في أوّل الوقت أو آخره، مع رعاية بعض الشرائط، هو ذلك، و لا ينافي الأخبار في تلك المسألة مستثنى «لا تعاد» بعد ذلك.

الاستدلال بمعتبر زرارة

و لو أبيت عن تصديق الإطلاق للمستثنى المذكور، فإليك معتبر زرارة في «الفقيه» عن أبي جعفر (عليه السّلام)، أنّه قال: «لا صلاة إلّا إلى القبلة» قال: قلت: أين حدّ القبلة؟ قال: «ما بين المشرق و المغرب قبلة كلّه» قال: قلت: فمن صلّىٰ لغير القبلة، أو في يوم غيم في غير الوقت؟ قال: «فليعد» «1».

اللّهمّ إلّا أن يقال: بأنّه، مضافاً إلىٰ عدم مساعدة العرف، و عدم إمكان الالتزام بجوازه عمداً، ينافيه ذيل الخبر المذكور، و معتبر الثلاثة عن الساباطيّ، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل صلّىٰ علىٰ غير القبلة، فيعلم و هو في الصلاة، قبل أن يفرغ من صلاته، قال: «إن كان متوجّهاً فيما بين المشرق و المغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة ساعة يعلم، و إن كان متوجّهاً إلىٰ دبر القبلة فليقطع الصلاة، ثمّ يحوّل وجهه إلى القبلة، ثمّ يفتتح الصلاة» «2».

______________________________

(1) الفقيه 1: 80/ 855.

(2) الكافي 3: 285/ 8، تهذيب الأحكام 2: 48/ 159، الإستبصار 1: 298/ 1100، وسائل الشيعة 4: 315، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 10، الحديث 4.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 93

أو يقال بانصراف «لا تعاد» عن صورة العمد، في العقدين المستثنىٰ منه و المستثنىٰ، فعند ذلك، إذا لم يكن عن عمد فيكفي كون الصلاة إلى القبلة في الجملة، كما هو صريح الخبر الأخير.

تذنيب: الكعبة هي القبلة للقريب و البعيد و بعض الأخبار يجعلها ما بين المشرق و المغرب

قد تحرّر أنّ الكعبة هي القبلة، للقريب و البعيد، و هو مفاد أخبار المسألة أيضاً «1»؛ لاشتمال الجهة عليها طبعاً، إلّا في بعض الصور الغريبة، كما إذا صلّىٰ إلىٰ بيت من بيوت مكّة من كان خارجها، و كان هو قريباً من ذلك البيت، مع علمه بأنّ المسجد و الكعبة خلفه فلا تغفل، و

هذا هو متصور جدّاً.

و بالجملة: هي القبلة، و هو الاسم من استقبال الكعبة مثلًا، إلّا أنّ مقتضىٰ طائفة من الأخبار يتّسع القبلة بالنسبة إلىٰ غير العامد «2»، و قد مرّت بك معتبرة زرارة المحدّدة لها بأنّها ما بين المشرق و المغرب كلّه، و حيث فرض في معتبر الساباطيّ، أنّ ما بين المشرق و المغرب ليس قبلة، لقوله (عليه السّلام): «فليحوّل وجهه إلى القبلة ساعة يعلم» يتبيّن أنّ ما بين المشرق و المغرب بحكم القبلة لغير العالم.

و علىٰ هذا، لا تزيد الأخبار عن إطلاق «لا تعاد» في المستثنىٰ حسب

______________________________

(1) وسائل الشيعة 4: 297، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 2.

(2) وسائل الشيعة 4: 314، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 10، الحديث 1 و 4 و 5.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 94

ما عرفت، نعم يفسّر القبلة في قاعدة «لا تعاد» بما بين المشرق و المغرب.

و بعبارة اخرىٰ: يفسّر القبلة في قاعدة «لا تعاد» المخصوصة بغير العالم، بما بين المشرق و المغرب، و عند ذلك يتبيّن، أنّ فاقد قبلة قاعدة «لا تعاد» هو المصلّي لدبر القبلة، و من صلّىٰ لدبر القبلة هو الذي صلّىٰ لغير القبلة، حسب الروايتين المذكورتين؛ ضرورة أنّ تحديد القبلة بما في معتبر زرارة، لا بدّ أن يرجع إلىٰ محطّ الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و المدينة المشرّفة، و لا يحمل على القضيّة الكلّيّة الحقيقيّة، و هو مقتضى المخاطبة أحياناً في باب تحديد الجهات و الآفاق، كما هو قضيّة الجمع بين الصحيحتين المذكورتين.

في صحّة الصلاة إذا لم تقع مستدبراً بها القبلة

بقي بحث: قد صحّت الصلاة الواقعة بين المشرق و المغرب، بتمامها أو جزئها؛ لكونها إلى القبلة، و هو مقتضىٰ «لا تعاد».

و ربّما يخطر بالبال: أنّ الصلاة

الواقعة إلى المشرق و المغرب بعرضهما العريض، الخارجة عمّا بين المشرق و المغرب، و غير الداخلة في الدبر عرفاً، إن كانت باطلة، فهو لأجل الأصل الأوّلي، و إلّا فالأخبار قاصرة عن إبطالها، بل مقتضىٰ قاعدة «لا تعاد» أيضاً عدم بطلانها؛ لعدم فَقْد القبلة، بل قضيّة قوله (عليه السّلام): «إن كان متوجّهاً إلىٰ دبر القبلة فليقطع الصلاة، ثمّ يحوّل وجهه إلى القبلة» أنّ الفرض الباطل هو صورة وقوعها دبر القبلة، و مستخلفاً حقيقة، فإذا خرج عن دبر القبلة، يدخل في القبلة

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 95

الحكميّة، أو الواقعيّة، فتصحّ، و حيث لم يحدّد مفهوم الدبر، بخلاف مفهوم القبلة، و أنّ ما بين المشرق و المغرب ليس مشرق يوم الصلاة و مغربه بالضرورة، و لا اليوم الأوّل، و لا اليوم الآخر، من المشارق و المغارب، فالكلّ يعدّ ما بين المشرق و المغرب، حسب طلوع الشمس و غروبها العاديّة في هذه الآفاق، فالقسمة ثنائيّة، لا ثلاثيّة، و الصلاة في صورة وقوعها في الخلف- الذي لا تطلع في السنّة فيه الشمس و لا تغرب فيها يوماً باطلة، و فاقدة القبلة الحكميّة، و داخلة في «لا تعاد».

فالدائرة الّتي يتخيّل للمصلّي، بحسب الأُفق، تنقسم إلى الأربعة، و لا تصحّ الصلاة في واحدة منها، و هو المسمّى بالخلف و الدبر، و حمل الرواية على اليوم الأوّل أو اليوم الوسط أو اليوم الآخر أو يوم الصلاة، حمل على النادر، و إن كان الأخير غير بعيد في نفسه، إلّا أنّ الالتزام به غير تامّ، كما لا يخفىٰ، بخلاف كون المطالع و المغارب و الحدّ الوسط قبلة حكميّة لغير العالم العامد.

فبالجملة: القسمة هادمة للشركة، و ظاهرة في أنّ القبلة إمّا موجودة

أو مفقودة، و لا ثالث.

و لا شبهة في فقد القبلة الحقيقيّة بين المشرق و المغرب، بخلاف الحكميّة؛ فإنّها بيد الشرع، و المتفاهم من أمثال هذه التراكيب هو المتفاهم من قولك بين السماء و الأرض.

و نتيجة ذلك: أنّ الجملة الثانية بيان لمفهوم الجملة الأولىٰ، و بالعكس لو قلنا بالمفهوم ل «معتبر الساباطيّ» صغرويّاً و كبرويّاً، و احتمال كون المقصود أنّ المشارق و المغارب قبلة، دون الحدّ الوسط أبعد.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 96

و يؤيّد ما ذكرنا: أنّ اليمين و اليسار، و الشمال و الجنوب، خفيف المئونة فهماً، و يتمكّن أوساط الناس من ذلك، بخلاف النقطة الخاصّة، فلا تغفل.

تتميم: في القول بصحّة الصلاة الواقعة لليمين أو اليسار و بطلانها

اعلم أنّ المسألة روائيّة، و لا مخافة من مخالفة جمع، و الأخبار مختلفة، و فيها ما يدلّ علىٰ أنّ البطلان مخصوص بالاستدبار الشامل لربع فلك المصلّي، و لو صلّىٰ ثمّ التفت، و هو منحرف عن القبلة الحكميّة أو الحقيقيّة صحّت.

و تلك الأخبار بالنسبة إلىٰ عقد استثناء «لا تعاد» حاكمة، مفسّرة، ففي معتبر معاوية بن عمّار، أنّه سأل الصادق (عليه السّلام) عن الرجل يقوم في الصلاة، ثمّ ينظر بعد ما فرغ فيرىٰ أنّه قد انحرف عن القبلة، يميناً أو شمالًا، فقال (عليه السّلام) له: «قد مضت صلاته، و ما بين المشرق و المغرب قبلة» «1».

و حيث أنّ معاوية كان عارفاً بالمسألة، يقرب أنّه أراد بقوله: «انحرف عن القبلة يميناً أو شمالًا» ما هو القبلة الحكميّة، الواقعة في معتبرة زرارة السابقة المرويّة عن أبي جعفر (عليه السّلام) «2».

فبالجملة: مقتضىٰ ما ذكرنا، مضافاً إلىٰ ضعف ما عن «الناصريّات»

______________________________

(1) الفقيه 1: 179/ 846، تهذيب الأحكام 2: 48/ 157، وسائل الشيعة 4: 314، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 10،

الحديث 1.

(2) تقدّم في الصفحة 92.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 97

و «المقنعة» و «المبسوط» و «الخلاف» و «النهاية» و «المراسم» و «الوسيلة» و «الغنية» و «السرائر» «1» أنّ ما ذهب إليه المتأخّرون، تبعاً لطائفة من القدماء، بل نسب إلى المشهور، بل عليه دعاوي الإجماع «2»، ضعيف أيضاً، و هو وجوب الإعادة في صورة الانحراف، يميناً و شمالًا عن القبلة الحكميّة المفسّرة عندهم، بما بين المشرق و المغرب.

و يكفيك لفساد مذهب الطائفة الأولىٰ، صحّة دعوى أنّ ما بين المشرق و المغرب قبلة كلّه، مع أنّها دعوى مجازيّة، إلّا إذا أريد بها ترتّب جميع آثار القبلة، بالنسبة إلىٰ جميع الطوائف، من الجاهل، و القاصر، و المخطئ، و الغافل، و الساهي، و غيرهم.

و أمّا تقييد هذا الإطلاق الادّعائي المذكور في الروايات المختلفة، بما في «الكافي» بإسناده المعتبر عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الأعمىٰ، يؤمّ القوم و هو علىٰ غير القبلة، قال: «يعيد و لا يعيدون، فإنّهم قد تحرّوا» «3» في غير محلّه؛ لأنّ الظاهر من القبلة في قوله «غير القبلة» هي القبلة الحكميّة، في موارد الاختلال بها لا عن عمد، و نتيجة ذلك أنّ المتحرّي عن القبلة لا يعيد، و لو كان صلّىٰ دبر القبلة، و هؤلاء في صلاتهم

______________________________

(1) المسائل الناصريّة، ضمن جوامع الفقهيّة: 230/ السطر 28، المقنعة: 97، المبسوط 1: 80، الخلاف 1: 303، المسألة 51، النهاية 1: 286، المراسم، ضمن جوامع الفقهيّة: 570/ السطر 11، الوسيلة: 99، الغينة، ضمن جوامع الفقهيّة: 494/ السطر 4، السرائر 1: 205.

(2) مستمسك العروة الوثقىٰ 5: 231.

(3) الكافي 3: 378/ 2.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 98

الواجبة، كالعالم العامد الماشي في

صلاته المندوبة، أو المتحيّر غير المتمكّن عن معرفة القبلة، حسب طائفة من الأخبار «1».

و لو أُريد من القبلة في قوله «غير القبلة» الكعبة الحقيقيّة، فلا بدّ من كونها مورد الإعراض؛ للإجماعات المدّعاة، و الشهرة علىٰ صحّة صلاتهم، إذا كانت بين المشرق و المغرب «2»، و لا يقاومهم دعوى إجماع «الخلاف» و «السرائر» «3»، فليتأمّل.

و يحتمل الجمع بالتقييد، إلّا أنّه غير متعارف في مثل الدعاوي المجازيّة، نعم قضيّة الإجماعين المذكورين، إعراضهم عن تلك الأخبار المشتملة على الادّعاء، و لكنّه ضعيف.

توضيح: حول وجوه خلل القبلة

فبالجملة: تحصّل لحدّ الآن، أنّ الإخلال بالقبلة، إمّا ان يكون عن جهالة أو اجتهاد أو نسيان و أمثالها، فعندئذ:

تارةً: يكون الإخلال بأنْ صلّىٰ إلىٰ يمين أو يسار الكعبة إلىٰ حدّ المشرق و المغرب في الأيّام القصيرة.

و أُخرى: إلىٰ يمينها أو يسارها إلىٰ حدّ المشرق و المغرب في الأيّام الطويلة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 4: 307، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 6.

(2) مستمسك العروة الوثقىٰ 5: 231.

(3) الخلاف 1: 304، السرائر 1: 205.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 99

و ثالثة: إلىٰ دبر القبلة، و ما بحكم الدبر عرفاً.

و مقتضى الأصل الأوّلي بطلانها عند الإخلال، و هو مقتضىٰ فتوى جمع منهم، حسب إطلاق إيجابهم، القضاء علىٰ غير المخطئ في الاجتهاد، و قد عرفت ضعفه، و أنّ لازم كلامهم إِعراضهم عن مجموع الأخبار الموجودة بين أيدينا، فلا يعتنىٰ بما حكي عنهم جدّاً، و سيمرّ عليك، إن شاء اللّٰه تمام الكلام.

أمّا الإخلال على الوجه الثاني، فلا شبهة في صحّة الصلاة؛ لأنّه ما بين المشرق و المغرب و هو القدر المتيقّن.

اللّهمّ إلّا أن يقال: أنّ المراد من قولهم: «ما بين المشرق و المغرب» هو مشرق الكعبة- أي: يسارها و مغربها- أي:

يمينها لا الشمس- أي: يميناً و شمالًا و لكنّه ينافيه معتبر «معاوية بن عمّار» «1» بالصراحة.

وجه اختصاص القبلة الحكميّة بالمجتهد و الردّ عليه

و يحتمل: اختصاص القبلة الحكميّة في الوجه الثاني بالمجتهد، لقول معاوية: «فيرىٰ أنّه قد انحرف عن القبلة يميناً أو شمالًا»؛ فإنّه ظاهر في المجتهد المخطئ.

و يؤيّده: ما ورد في المأمومين و إمامهم أعمى، حيث علّل بأنّهم قد تحرّوا، في معتبر الحلبيّ «2»، و هكذا في جملة من الأخبار الآمرة بالاجتهاد،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 96.

(2) تقدّم في الصفحة 97.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 100

المذكورة في أبواب الجماعة «1»، و أبواب القبلة المختلفة «2».

و لكنّ المراد من التحرّي هو الأعمّ بالضرورة، ففي معتبر السكونيّ، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، عن أبيه، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام)- في حديث: «لا يؤمّ الأعمىٰ في الصحراء إلّا أن يوجّه إلى القبلة» «3» فلا يعتبر التحرّي بعنوانه.

هذا، مع أنّ إيجاب الإعادة عليه، دونهم ربّما يختصّ بخارج الوقت، كي تكون الإعادة عليهم خارجه بعد التحرّي بالمعنى المذكور، مستحبّة، و تكون واجبة عليه، و هو بعيد.

هذا، مع أنّ معتبر الحلبيّ مخدوش، بحسب المعنىٰ، بعد اعتبار العدالة في الإمام، أو يحمل علىٰ صورة خاصّة فرضيّة بعيدة جدّاً.

هذا، مع حكومة معتبر زرارة و غيره علىٰ معتبر الحلبيّ؛ لأنّ المفروض أنّهم صلّوا إلىٰ غير القبلة، و هو الأعمّ من الحقيقيّة و الحكميّة، و تصير النتيجة: صحّة صلاة المتحرّي، و لو كان مخلًّا بالقبلة الحكميّة.

و عندئذٍ يلزم تفصيل جديد في المسألة و هو: أنّ صلاة المتحرّي في الوقت صحيحة، إذا كانت إلىٰ غير القبلة، دون غير المتحرّي، و لكن الالتزام به، بعد عدم وجود الفتوىٰ علىٰ طبقه، مشكل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 8: 338 و 375، كتاب الصلاة،

أبواب صلاة الجماعة، الباب 21 و 38.

(2) وسائل الشيعة 4: 317، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 6 و 7 و 10 و 11.

(3) وسائل الشيعة 4: 310، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 7، الحديث 3، لاحظ الكافي 3: 375/ 2، تهذيب الأحكام 3: 27/ 94.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 101

أو يقال: أنّ قوله (عليه السّلام): «فيرىٰ أنّه قد انحرف» «1» و لو كان ظاهراً في المخطئ، إلّا أنّ الجواب عامّ كلّي، و لا سيّما بعد ما يلاحظ أنّ معتبر زرارة يشتمل علىٰ تحديد القبلة، و علىٰ هذا يكون معتبر زرارة مفسّراً لمستثنىٰ «لا تعاد» و أنّ الأخبار الأُخر مفسّرة لمعنى التحرّي، في معتبر الحلبيّ المنتهى إلىٰ صحّة صلاة المتّكئ على البيّنة، و الخبر الموثوق به، و خبر الثقة، و غير ذلك من الأعلام المنصوبة من قبلهم (عليهم السّلام)، فالإخلال بالقبلة على الوجهين المذكورين، لٰا ينافي إطلاق عقد مستثنى «لا تعاد»، و لٰا يزيد عليه و لا ينقص.

و أمّا الإخلال على الوجه الثالث، المشتمل علىٰ جميع المشارق و المغارب- أي: علىٰ ثلاثة أرباع فلك المصلّي فظاهر جمع منهم: «اتّباع القواعد الأوّليّة و الثانويّة» أي: إطلاق «لا تعاد» و عن كثير منهم، بل قيل: «لا خلاف فيه بالنسبة إلى الإعادة في الوقت» «2» و إذا كانت باطلة في الوقت فالمرجع إطلاق أدلّة القضاء.

و عن جمع منهم: «التفصيل بين المجتهد المخطئ و غيره، فصحّ في الأوّل، بشرط عدم اطّلاعه على الإخلال في الوقت، دون غيره، و هذا هو المعروف المشهور».

و ذهب جمع أو تمايلوا إلىٰ نفي القضاء و الإعادة إلّا بالنسبة إلى الجاهل بالحكم.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 96.

(2) السرائر 1: 205، مستمسك العروة الوثقىٰ 5:

231.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 102

فالمتّبع بعد ذلك الاختلاف هو الأخبار، و لا شهرة أو إجماع تعبّدي في المسألة، و قد مرّ: أنّ الأظهر أنّ القبلة لغير العالم العامد، مٰا بين المشرق و المغرب- أي: هذه المحدودة مقداراً و إن لم يكن شرق و لا غرب، فيكون الاستدبار ربع فلك المصلّي، و ذلك لإِطلاق تلك الأخبار، من جهة حدّ القبلة، و من جهة المصلّي المجتهد و غيره، و من جهة الوقت و خارجه، فيكون قبلة عقد مستثنى «لا تعاد» وسيعاً جدّاً، كما أنّ وقته وسيع جدّاً، من الجانبين الأوّل و الآخر، و هكذا بالنسبة إلى الركوع و السجود، حيث تشمل القاعدة الصلاة المندوبة، و المفروضة الاضطراريّة و أمثالهما.

و بالجملة: بالنسبة إلىٰ جميع المشارق و المغارب، حسب أيّام السنة، يصدق قوله (عليه السّلام): «ما بين المشرق و المغرب» و لا سيّما لو كان زمان صدور الرواية من أيّام الصيف و النهار طويل؛ فإنّ إخراجه عن محطّ الخبر بعيد جدّاً، و تقيّد السائل و المجيب بالنهار الخاصّ أبعد.

فالأمر دائر بين الاستدبار و كون الكعبة خلف ظهره و بين الاستقبال و عدم كون الكعبة خلف ظهره.

و يؤيّد ما ذكرناه رواية معتبرة في «الكافي» عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، قال: سألته، هل كان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) يصلّي إلىٰ بيت المقدس؟ قال: «نعم» فقلت: أ كان يجعل الكعبة خلف ظهره؟ فقال: «أمّا إذا كان بمكّة فلا، و أمّا إذا هاجر إلى المدينة فنعم، حتّى حوّل إلى الكعبة» «1».

______________________________

(1) الكافي 3: 286/ 12.:

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 103

و من راجع الخريطة، يجد أنّ مستقبل بيت المقدس

لا يجعل الكعبة علٰى خلف ظهره إلّا عرفيّاً، و أنّه يساوي، حسب الظاهر، ربع فلك المصلّي، ففي هذا الخبر شهادة علىٰ توسعة الدبر، و عرفيّة التوسعة، و علىٰ ما ذكرناه.

و يؤيّدنا: الأخبار الشاملة علىٰ أنّه صلّىٰ علىٰ غير القبلة «1»، الحاكمة بالصحّة، الظاهرة، في أنّ القسمة ثنائيّة، و أنّ الأمر دائر بين أن صلّى إلى القبلة أو إلى غير القبلة، الشامل للاستدبار و الانحراف اليسير. فبطلان الصلاة مستدبراً؛ لكونه خارجاً عن حدّ القبلة، هو مقتضىٰ إطلاق «لا تعاد» و عدم بطلانها في الجملة مستند إلىٰ ما مرّ و إلى أمثال هذه الطائفة من الأخبار.

و من هنا يظهر حكم الاختلال بها في الأيّام الطويلة، التي يحتوي فلك المصلّي ثلاثة أرباع الدائرة مثلًا؛ ضرورة أنّ الصلاة إلىٰ تلك المشارق و المغارب، ليست إلىٰ دبر القبلة، و تكون واجدة للقبلة الحكميّة، منّةً على العباد، و توسعة عليهم.

خلل القبلة على الوجه الأخير و هو الصلاة مستدبر القبلة

بقي الكلام: في الصورة الأخيرة و هي الإخلال بها، بأن صلّى إلىٰ دبر القبلة، فمقتضى الأصل و القاعدة، و التحديد في الأخبار الخاصّة، كمعتبر زرارة، و غيره، بعد كونه حداً لغير العالم العامد بالضرورة، و توسعة

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 4: 314 315، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 10 و 11.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 104

حكميّة، و ليست الصلاة- لو كانت في ثمن الدائرة إلى القبلة العرفيّة بالضرورة، بل و بعض الأخبار الخاصّة، هو البطلان، كمعتبر الساباطيّ السابق «1».

و توهّم اختصاصه بما بين الصلاة «2»، في غير محله؛ لأنّ الشرطيّة، و الأحكام الوضعيّة متعارف الثبوت لنفس الطبيعة، و مجموع الأجزاء عرفاً، إلّا مع وجود القرينة، فليتدبّر.

هذا، مع وجود الإجماع و الاتّفاق القطعي و الشهرات المحكيّة «3».

توجيه الأخبار الآمرة بالإعادة و وجه الجمع بينها و بين الروايات الأُخر

و أمّا الأخبار الكثيرة المحكيّة، في الباب الثامن من «جامع الأحاديث» و في «الوسائل» و غيره «4»، الآمرة بالإِعادة، و إن كانت موافقة لقاعدة «لا تعاد»، و أن لا يجب القضاء خارجه في الجملة، إلّا أنّها تتحمّل الاحتمالات الكثيرة، مع أنّ في بعضها الأمر بتقديم الفائتة على الحاضرة، و هو قرينة علىٰ أنّ الأمر بالإِعادة في الوقت لا يتعيّن في الوجوب.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 96.

(2) مدارك الأحكام 3: 153، مهذّب الأحكام 5: 225.

(3) الروضة البهيّة 1: 86 و 89، مستمسك العروة الوثقىٰ 5: 233، مهذّب الأحكام 5: 224 225.

(4) جامع أحاديث الشيعة 5: 55، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 8، وسائل الشيعة 4: 312 و 315، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 9 و 11، مستدرك الوسائل 3: 182، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 6.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 105

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ

مقتضى الجمع بينها، و بين الروايات الأُخر، حمل عنوان غير القبلة على الدبر، و أنّ المراد من غير القبلة- ما لا يكون قبلة حكميّة أو حقيقيّة و عندئذ يتقوّى الأمر بالإعادة، بالشهرة، و فهم الأصحاب رضي اللّٰه عنهم هذا، مع أنّ اشتمال بعضها على التقديم المذكور، لا يوجب سقوط ظهور الأمر في الآخر، كما هو ظاهر.

إلىٰ هنا يظهر: أنّ الأصحاب المحقّقين رضي اللّٰه عنهم ما سلكوا سبيل الصحيح في المسألة؛ فإنّ الأخبار المحدّدة للقبلة هي مناط الصحّة و الفساد، و يدور الأمر حول مفادها، فعلى ما تحرّر من ثبوت الإعادة في صورة الاستدبار، يساعده الأُمور المختلفة المذكورة و أمّا القضاء، فهو حسب أدلّة القضاء- بناءً علىٰ إطلاقها و هو مقتضىٰ أخبار المسألة نفسها، و خارج عن بحث الخلل كما لا يخفىٰ.

خلل القبلة في صورة الاجتهاد و التحرّي و انكشاف الخلاف

بقيت المسألة السابقة و هي: أنّ الإخلال في صورة الاجتهاد، و بعد التحرّي و انكشاف الخلاف، لا يضرّ، إلّا في صورة واحدة، و هي ما إذا صلّىٰ دبر القبلة، لا في سائر الصور، فقد اتّفقوا على الإعادة في تلك الصورة «1»، و اختلفوا فيما إذا لم يكن إلىٰ دبر القبلة «2»، و قد مضى أنّ الصحّة قويّة،

______________________________

(1) السرائر 1: 205، مستمسك العروة الوثقىٰ 5: 231.

(2) المقنعة: 97، المبسوط 1: 80، العروة الوثقىٰ 1: 548 فصل في أحكام الخلل في القبلة، المسألة 1.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 106

و إن كان لا ينبغي ترك الاحتياط جدّاً.

فجميع المسائل دائر حول عقد مستثنى «لا تعاد» و بعد ثبوت الإطلاق، و حكومة مثل «معتبر زرارة» عليه، و أنّه واسع للقبلة في العقد، إلى المشرق و المغرب الأقصىٰ، بحسب دائرة فلك المصلّي، تبقى الصورة الواحدة المذكورة خارجة

عن تلك القبلة، و بذلك يجتمع شتات الأخبار و المآثير، و يسقط قول من يقول بوجوب الإعادة.

بقي شي ء: في إبطال اختصاص عدم الإعادة بالمجتهد الخاطئ

ربّما يتوهّم اختصاص عدم الإعادة بالمجتهد الخاطئ «1»، في قبال من يستظهر منه الإعادة مطلقاً، حتّى بالنسبة إليه، و ذلك لما في عدّة روايات من التقييد به، مثل معتبر «هشام بن سالم» ففي ذيله قال (عليه السّلام): «إن كان في وقت فليعد صلاته، و إن كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده» «2» فإنّ المفروض فيه هو المجتهد الخاطئ، و هكذا المفروض في خبر

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 548 فصل في أحكام الخلل في القبلة، المسألة 1، مستمسك العروة الوثقىٰ 5: 232.

(2) هشام بن سالم عن سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الرجل يكون في قفر من الأرض في يوم غيم فيصلّي لغير القبلة ثمّ تصحي فيعلم أنّه صلّى لغير القبلة كيف يصنع؟ قال: إن كان في وقت فليعد صلاته و إن كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده. الكافي 3: 285/ 9، تهذيب الأحكام 2: 47/ 152 و 142/ 553، وسائل الشيعة 4: 317، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 6.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 107

يعقوب بن يقطين «1»، و هكذا المفروض في رواية «الفقيه» الواردة في الأعمىٰ، أو رجل صلّىٰ و هي متغيّمة «2»، و هكذا بعض الأخبار السابقة، إلّا أنّ الكلّ قاصرة عن التقييد، بعد كون الطائفتين إيجابيتين.

نعم، التعليل في معتبر الحلبيّ ب «فإنّهم قد تحرّوا» «3» غير قاصر عن التقييد، إلّا أنّ المفروض فيه صلاتهم إلىٰ غير القبلة، و يكفي لسقوط قابليّته عن التقييد، احتمال كون المراد هي الصلاة دبر القبلة، باختصاص المجتهد بالتوسعة، من هذه الجهة دون غيره، فلا

يلزم اختصاص الصحّة بالمتحرّي.

و هذا غير بعيد، بعد ملاحظة الأخبار جمعاً؛ فإنّ معتبر الساباطيّ «4» من جهة التحرّي، مطلق فقابل للتقييد، بأن تصحّ صلاة المتحرّي إذا كانت دبر القبلة.

و يؤيّد ذلك: الطائفة الأُخرىٰ من الروايات، المخصوصة بالجاهل بالقبلة، و المتحيّر الذي تصحّ صلاته، و لو كانت دبر القبلة- بناءً علىٰ

______________________________

(1) يعقوب بن يقطين قال: سألت عبداً صالحاً عن رجل صلّى في يوم سحاب علىٰ غير القبلة ثمّ طلعت الشمس و هو في وقت، أ يعيد الصلاة إذا كان قد صلّى علىٰ غير القبلة؟ و إن كان قد تحرّى القبلة بجهده، أ تجزيه صلاته؟ فقال: يعيد ما كان في وقت، فإذا ذهب الوقت فلا إعادة عليه. تهذيب الأحكام 2: 48/ 155 و 141/ 552.

(2) عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه أنّه سئل الصادق (عليه السّلام) عن رجل أعمى صلّى علىٰ غير القبلة؟ فقال: إن كان في وقت فليعد، و إن كان قد مضى الوقت فلا يعد، قال: و سألته عن رجل صلّى و هي متغيّمة، ثمّ تجلّت فعلم أنّه صلّىٰ علىٰ غير القبلة؟ فقال: إن كان في وقت فليعد، و إن كان الوقت قد مضى فلا يعيد. الفقيه 1: 179/ 844.

(3) تقدّم في الصفحة 97.

(4) تقدّم في الصفحة 96.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 108

كفاية الواحدة مع عدم كفاية الإجماع في مثل المسألة، للإعراض، و ليس بحجّة، و لا بموهن في الحقيقة، فما في كلامهم غير متين.

في بيان ظهور رواية قرب الإسناد في الاختصاص و بيان المناقشة فيها

نعم، رواية «قرب الإسناد» ظاهرة في الاختصاص، و أنّ التوسعة مخصوصة بالمجتهد؛ لاشتمالها علىٰ قول منسوب إلىٰ أمير المؤمنين (عليه السّلام)، حيث قال: «فلا إعادة عليه إذا كان فيما بين المشرق و المغرب» «1».

إلّا أنّ الحسين

بن علوان لم يوثّق، و لم يكن أصحاب الإجماع و الأجلّاء يروون عنه، إلّا الحسين بن سعيد الأهوازيّ، و إن قال ابن عقدة: «إنّ الحسن كان أوثق من أخيه و أحمد عند أصحابنا» «2» انتهىٰ.

و يكون أكثر رواية منه في الكتب الأربعة، مع رواية ابن فضّال عنه «3»، فلا يبعد اعتباره، و يكون أقوى من أخيه حسب مشربنا، إلّا أنّ الاعتماد علىٰ «قرب الإسناد» عندي مشكل، على حذو تقييد هذه المطلقات الكثيرة، حتّى عن أمير المؤمنين (عليه السّلام)، و لا سيّما معتبر زرارة الظاهر في الادّعاء الذي لا يجوز في مورد يخصّ بحكم واحد غير ظاهر، فلا تغفل، كما مرّ.

______________________________

(1) عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليّ (عليهم السّلام)، أنّه كان يقول: من صلّى علىٰ غير القبلة و هو يرىٰ أنّه على القبلة ثمّ عرف بعد ذلك فلا إعادة عليه إذا كان فيما بين المشرق و المغرب. قرب الإسناد: 113/ 394، وسائل الشيعة 4: 315، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 10، الحديث 5.

(2) رجال العلّامة الحلّي: 216.

(3) الكافي 1: 450/ 34.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 109

فتحصّل: أنّ مقتضى الصناعة صحّة صلاة المتحرّي، و لو كانت دبر القبلة.

تنبيه: الاستدلال برواية محمَّد بن الحصين لصحّة صلاة غير المجتهد أيضاً

في «التهذيب» بإسناده عن الأهوازيّ، عن محمّد بن الحصين، قال: كتبت إلى العبد الصالح (عليه السّلام): الرجل يصلّي في يوم غيم، في فلاة الأرض، و لا يعرف القبلة- إلىٰ أن قال (عليه السّلام): «أو لم يعلم أنّ اللّٰه تعالىٰ يقول و قوله الحقّ فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّٰهِ.» «1» «2».

و مقتضى ذلك التعليل صحّة الصلاة مطلقاً و لو كانت مستدبرة، إلّا أنّ في نفسها «أنّه يعيدها

ما لم يفته الوقت» «3» و لكنّه محمول على الاستحباب، و إلّا يلزم المناقضة، فعندئذٍ تصحّ صلاة غير المجتهد أيضاً، قضاء لحقّ العلّة.

اللّهمّ إلّا أن يشكل متناً؛ لعدم ظهوره في التعليل، كما هو الظاهر، مع أنّ الحصين غير معتبر، مع أنّ خبر «الساباطيّ» السابق يقيّده لأخصيّته منه.

______________________________

(1) البقرة (2): 115.

(2) عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن الحصين قال: كتبت إلىٰ عبد صالح: الرجل يصلّي في يوم غيم في فلاة من الأرض و لا يعرف القبلة، فيصلّي حتّى إذا فرغ من صلاته بدت له الشمس، فإذا هو قد صلّى لغير القبلة، أ يعتدّ بصلاته أم يعيدها؟ فكتب: يعيدها ما لم يفته الوقت، أو لم يعلم أنّ اللّٰه يقول و قوله الحقّ فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّٰهِ؟! تهذيب الأحكام 2: 49/ 160.

(3) نفس المصدر.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 110

نتيجة ما تقتضيه جميع الطوائف

فبالجملة: مقتضىٰ مجموعة الطوائف، حسب ما مرّ، أنّ اغتفار القبلة أو توسعتها لا تختصّ بالثُّمْن، و لا بالرُّبْع، بل هو أوسع منهما و لا تختصّ بطائفة المتحرّين في الشبهات الموضوعيّة، و إن كان كثير من الأخبار ناظراً إليهم؛ لأنّ سائر الطوائف بالنسبة إليهم، في عصر الأئمّة (عليهم السّلام) قليلة، و الاستدبار أيضاً كذلك، و لكن لا يوجب قصوراً في بعض الأخبار الأُخر، كما مرّ، و أنّ تلك الطوائف من الموجبتين.

فلا ينافي تقييد صحّة الصلاة بالتحرّي بقوله (عليه السّلام): «فحسبه اجتهاده» أو غير ذلك، ذلك الإطلاق، و إلّا يلزم سقوط كافّة الإطلاقات، في أبواب المعاملات، بالنسبة إلى الأمتعة الحديثة.

بقي شي ء: فيما تقتضيه القواعد

إنّ مقتضى القواعد، بعد الغضّ عن مثل معتبر زرارة الظاهر في الإطلاق، حيث قال: «لا صلاة إلّا إلى القبلة»، ثمّ قال: «ما بين المشرق و المغرب قبلة كلّه» قال: قلت: «فمن صلّىٰ لغير القبلة، أو في يوم غيم.» «1».

أ فهل ترى في نفسك أنّه يعتبر في عنوان الصلاة، الاستقبال، و أن يكون هو ما بين المشرق و المغرب، و أنّه فرض أمراً أعمّ من الشبهة الموضوعيّة لقوله: «أو في يوم غيم» في مقابل الفرض الأوّل، و أنّه

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 92.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 111

مخصوص و منصرف إلى المتحرّي أو الغافل، أو ترى أنّه في هذا الموقف أعمّ جدّاً؟!.

و هكذا بعد الغضّ عمّا في أبواب صلاة الموتى، في رواية أبي هاشم معلّلًا بقوله (عليه السّلام): «فإنّ بين المشرق و المغرب قبلة» «1» و في ذيل معتبر ابن عمّار: «ما بين المشرق و المغرب قبلة» «2».

و لا وجه لحملة على الصدر، بل الصدر من موارده، حسب الظاهر، مع أنّ الصدر لا يشمل الجاهل

و الناسي بالنسبة إلى الحكم، و لكن يشمل غيرهما من الفرق كالقاطع بالقبلة و غير ذلك.

و لو قلنا: بأنّ التحرّي أعمّ من الفاحص بالفعل، أو من حصل له نتيجة الفحص، و هو الوثوق النوعي أو الشخصي، فالأمر أسهل.

فالمهمّ: أنّ الجاهل بالحكم، إن كان مقصّراً فهو عندنا كالعامد على الأشبه، و إن كان قاصراً أو ناسياً له، لاعن عمد و تدبير، فإنّه لا يبعد التحاقهما بسائر الطوائف.

______________________________

(1) أبو هاشم الجعفري قال سألت الرضا (عليه السّلام) عن المصلوب، فقال: أما علمت أنّ جدّي (عليه السّلام) صلّى علىٰ عمّه؟ قلت: أعلم ذلك، و لكنّي لا أفهمه مبيّناً، فقال: أُبينه لك إن كان وجه المصلوب إلى القبلة فقم علىٰ منكبه الأيمن، و إن كان قفاه إلى القبلة فقم علىٰ منكبه الأيسر، فإنّ بين المشرق و المغرب قبلة، و إن كان منكبه الأيسر إلى القبلة فقم علىٰ منكبه الأيمن و إن كان منكبه الأيمن إلى القبلة فقم علىٰ منكبه الأيسر، و كيف كان منحرفاً فلا تزايلنّ مناكبه، و ليكن وجهك إلىٰ ما بين المشرق و المغرب، و لا تستقبله و لا تستدبره البتّة. الكافي 3: 215/ 2، تهذيب الأحكام 3: 327/ 1021، وسائل الشيعة 3: 130، كتاب الطهارة، أبواب صلاة الجنازة، الباب 35، الحديث 1.

(2) تقدّم في الصفحة 96.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 112

و يؤيّد ذلك بعض الإطلاقات الأُخر كما في خبر الحلبيّ: رجل يصلّي بالقوم ثمّ يعلم أنّه صلّىٰ بهم إلىٰ غير القبلة، فقال: «ليس عليهم إعادة شي ء» «1»؛ فإنّ قوله: «ثمّ يعلم أنّه صلّىٰ بهم إلىٰ غير القبلة» جامع للشبهة الحكميّة و الموضوعيّة، و إنّما يبعد الإطلاق؛ لكونه من الإطلاق السكوني، بترك التفصيل، و هو

في تلك العصور غير لازم، بعد شهرة المسألة.

و لا يقاس معتبر زرارة بمثله؛ فإنّه أمر ابتدائي، و إخبار تشريعي، و لا وجه لصرفه إلى المجتهد، أو الفاحص المخطئين، بتوهّم كثرة الأخبار في الموضوعيّة، و في خصوص المسألة، أو بتوهّم اتّضاح الحكم، أو بتوهّم امتناع اختصاص الحكم بالجاهل و الناسي «2»؛ فإنّه واقع في الفقه كثيراً «3»، و لا سيّما في الحج «4»، و حتّىٰ في الحكم الوضعي، كما في القبلة عند التذكية «5»، و غير ممنوع عقلًا، حسب ما تحرّر في الأُصول «6»، و فيما سلف.

______________________________

(1) جامع أحاديث الشيعة 7: 418، كتاب الصلاة، أبواب الجماعة، الباب 66، الحديث 2، تهذيب الأحكام 3: 40/ 142، وسائل الشيعة 8: 375، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 38، الحديث 1.

(2) فرائد الأُصول 2: 484.

(3) العروة الوثقىٰ 1: 650، فصل في القراءة، المسألة 22 و 2: 160، فصل في أحكام صلاة المسافر.

(4) العروة الوثقىٰ 2: 562، كتاب الحج، فصل في أحكام المواقيت، المسألة 8 و 9، تحرير الوسيلة 1: 412، المسألة 6.

(5) العروة الوثقىٰ 1: 549، فصل في أحكام الخلل في القبلة، المسألة 2، مستمسك العروة الوثقىٰ 5: 237، الهامش 2.

(6) تحريرات في الأُصول 8: 102 105.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 113

و بالجملة: بعد الغضّ عمّا سلف، فقضيّة القواعد، هل هو صحّة الصلاة مطلقاً، فلا قضاء طبعاً، أو هو البطلان في الوقت و القضاء خارجه، كما هو مختار «العروة» و جمع «1»، أو يفصّل بين الجاهل و غيره «2»، أو بين القاصر و المقصّر، أو غير ذلك من المحتملات؟

و حيث إنّ إطلاق عقد المستثنىٰ يقتضي البطلان، و بعد حكومة معتبر زرارة عليه، تصير القبلة في المستثنىٰ

واسعاً إلى الحدّ الذي عرفت منّا، فلا تكون صلاة الجاهل و غيره، المنحرف عن الكعبة إلىٰ تلك المحدودة بلا قبلة طبعاً، فترجع المسألة و محطّ النزاع إلى الجاهل بالحكم المستدبر، و هكذا الناسي.

و منه يعلم مقتضى القواعد، بالنسبة إلى المنحرف يميناً و يساراً- بناءً علىٰ عدم كونه من القبلة حكماً كما سيظهر، إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

نعم، ربّما يشكل الأمر من جهة أنّ الجاهل بالاشتراط لا يأتي بقيد المأمور به، و هو قصد القربة إلى اللّٰه تعالىٰ، فإنّ هذا أيضاً معتبر في جميع خصوصيّات العبادات الدخيلة في الأمر، و هكذا الغافل الناسي.

اللّهمّ إلّا أن يقال: برجوعه إلىٰ عقد المستثنىٰ منه؛ لأنّ المستثنىٰ هو الاستقبال و القبلة، فمن أتى بصلاته إلى القبلة بلا قربة في خصوص القبلة، لا تكون صلاته بدون القبلة حسب اللّغة، و إن كان بحسب

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 548، فصل في أحكام الخلل في القبلة، المسألة 1، النهاية، الشيخ الطوسي 1: 286، الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 205 206.

(2) العروة الوثقىٰ 1: 548، فصل في أحكام الخلل في القبلة، الهامش 4.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 114

الأصل الأوّلي، و الشرطيّة باطلة، كما مرّ في المباحث السابقة، و عندئذٍ يتوجّه إلى الإعلام القائلين ببطلان الاستقبال إذا أخلّ بقربته، و مع ذلك تمايلوا إلى الصحّة هنا، فلا تغفل.

تذنيب: الكلام في موارد الجهل و النسيان مع كون المصلّي مستدبراً القبلة

بعد ما عرفت المسألة، يتمحّض الكلام في موارد الجهل و النسيان، مع كونه مستدبراً؛ فإنّ الأدلّة الخاصّة قاصرة عن إبطالها من جهة فقد القبلة، إلّا أنّ مقتضىٰ إطلاق «لا تعاد» و صدر معتبر زرارة، هو بطلانها، و لكن بعد حكومة حديث الرفع على الأدلّة الاجتهاديّة الأوّليّة، تصير النتيجة صحّة الصلاة.

و توهّم امتناع اختصاص الحكم

بالعالم في غير محلّه «1»، كما أُشير إليه، و هكذا توهّم صحّة عبادة الجاهل بالحكم دون الموضوع، و هكذا ناسي الحكم، دون الموضوع؛ فإنّه تفصيل بعيد غير تامّ؛ لأنّ المتّبع هو الدليل، دون القياس و الاستبعاد.

إن قلت: فلو كانت لفقرات حديث الرفع حكومة علىٰ عقد المستثنىٰ، لم يبق للعقد المذكور مورد، فلا بدّ من صرف حديث الرفع عن عقد المستثنىٰ، فراراً عن اللغويّة، كما في موارد الاستصحاب و قاعدة التجاوز.

______________________________

(1) الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 2: 189، مستمسك العروة الوثقىٰ 7: 381.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 115

قلت:

أوّلًا: بعد البناء علىٰ عدم شمول حديث الرفع لمورد الجهل التقصيري، لا تلزم اللغويّة، و لا ندرة مورده.

و ثانياً: لو قلنا بشموله له، يكون مقتضى الأدلّة الخاصّة بطلان من أخلّ بالقبلة، ثمّ توجّه في الوقت، فيكون عقد المستثنىٰ مورد العمل في هذه الموارد.

و ثالثاً: لا وجه لصرف عقد المستثنىٰ؛ لإمكان المعارضة، فيكون المرجع أو المرجّح هي الأدلّة العامّة، اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ مقتضى استيعاب عقد المستثنىٰ هو العلم الإجمالي، بعدم صالحيّة إحدى الفقرات، أو بعضها، للحكومة، فتكون المعارضة بين الفقرات، و تصير النتيجة سقوط الكلّ ما دام لم يتبيّن المخصّص، أو أنّ مقتضى العلم الإجمالي هو ورود المخصّص علىٰ دليل القبلة، فيلزم سقوط هذا الدليل عن صالحيّة المرجعية عندئذٍ.

هذا و لكن الاستيعاب، أيضاً قابل للمنع في مورد الإكراه و الاضطرار، فاغتنم، و تفصيله في الأُصول.

النسبة بين «حديث الرفع» و صدر «معتبرة زرارة»

بقي شي ء: و هو النسبة بين حديث الرفع و صدر معتبر زرارة، فإنّه (عليه السّلام) قال: «لا صلاة إلّا إلى القبلة» فإنّه إن أُريد منه الكناية عن شرطيّة القبلة في الصلاة، أو إفادة الشرطيّة بوجه آخر، غير الكناية،

الخلل في الصلاة

(للسيد مصطفى الخميني)، ص: 116

فإطلاقه محكوم حديث الرفع، و أمّا إذا كان مفاده: أنّ الاستقبال نحو القبلة دخيل في ماهيّة الصلاة، عنواناً و اسماً، في محيط التعبّد و التشريع ادّعاءً، فإنّه لا يمكن حكومة الحديث عليه؛ لأنّ محطّ النزاع هو ما إذا كان الفاقد للقبلة صلاة، كي يكون امتثالًا للأمر بالصلاة، و هذا غير جائز في هذه الصلاة و الفرض، فيلزم اختلاف النسبة بين حديث الرفع و عقد المستثنىٰ، و بين الحديث و صدر معتبر زرارة.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّه بعد ما يكون الاستقبال مقوّم الاسم و العنوان على الإطلاق، يمكن التقييد.

نعم، لأحد دعوى إباء لسان الصدر عن التقييد، فلازمه بطلان الصلاة في صورة الإخلال بالقبلة، بالاستدبار جهالة و نسياناً، كما هو ظاهر الأصحاب رضي اللّٰه عنهم «1»، فليلاحظ جيّداً.

و ممّا ذكرنا يظهر: وجه تخيّل جماعة من التفصيل بين الإعادة و القضاء؛ فإنّ منشأ ذلك الأدلّة الخاصّة، بتوهّم الإطلاق للأدلّة المفصّلة، مع أنّ ظاهر جملة منها هو الاختصاص بالشبهة الحكميّة، و لو ثبت الإطلاق لبعضها فهو مقتضى الصحّة حتّى في الوقت، كخبر عبد الرحمن «2» و أشباهه.

______________________________

(1) المقنعة: 97، المراسم: 61، الغنية، ضمن جوامع الفقهيّة: 494/ السطر 4، قواعد الأحكام 1: 27/ السطر 6، الروضة البهيّة 1: 89/ السطر 1.

(2) عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إذا صلّيت و أنت علىٰ غير القبلة و استبان لك أنّك صلّيت و أنت علىٰ غير القبلة و أنت في وقت فأعد و إن فاتك الوقت فلا تعد». الكافي 3: 284/ 3، تهذيب الأحكام 2: 47/ 151، وسائل الشيعة 4: 315، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 1.

الخلل في

الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 117

احتمال اختصاص قاعدة «لا تعاد» بالوقت عند الإخلال بالقبلة

نعم، لأحد دعوى أنّ قاعدة «لا تعاد» تختصّ بالوقت، و بالالتفات في الوقت، و علىٰ هذا لو التفت إلى الإخلال بالقبلة خارج الوقت فالأدلّة الأوّليّة المتصدية لاشتراط القبلة، قاصرة عن إفادة الشرطيّة في هذه الصورة، و لا إطلاق لأدلّة القضاء لإيجاب المماثلة، و إيجاب الصلاة الفاقدة للقبلة، خارج الوقت، فعليه تكون البراءة مرجعاً، لو التفت إلى الإخلال بعد مضي الوقت.

و أنت خبير: بأنّه مجرّد تقريب، لا يرجع إلىٰ محصّل؛ فإنّ قاعدة «لا تعاد» ليست إلّا كناية عن الصحّة، في ناحية عقد المستثنىٰ منه، و البطلان في ناحية المستثنىٰ، فلو كانت الصلاة باطلة في الوقت، فالضرورة قائمة على القضاء في خارج الوقت، و ليس عنوان الإعادة مخصوصاً بالوقت، حسب اللغة و الروايات، و إن كان الاصطلاح عليه، إلّا أنّه غير نافع، فلا تخلط. و لذلك لو أخلّ بالوقت، تجب عليه الإعادة، حتّى في خارج الوقت؛ لأنّ المفروض ذلك، فتأمّل.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 118

مسألة فيها مسائل لو التفت في أثناء الوقت أنّه أخلّ بالقبلة

اشارة

فإن كان بين المشرق و المغرب، فليتوجّه إلى القبلة، و لا يضرّ بعد التوجّه، إخلاله اليسير اللازم عقلًا للتوجّه إليها، و هذا في مورد سعة الوقت أو ضيقه.

و أمّا في صورة الجهل و النسيان، فالأمر كما مرّ بالنسبة إلى الالتفات بعد الفراغ، بناءً علىٰ ظهور معتبر الساباطيّ السابق في الشبهة الموضوعيّة، و إلّا فيشكل علىٰ بنائهم- من الشبهة الثبوتيّة و حيث إنها منتفية عندنا، فلٰا يبعد التفصيل بين القول ببطلان الصلاة في الشبهة الحكميّة، إذا توجّه في الوقت، بعد الفراغ، دون التوجّه في الأثناء؛ نظراً إلىٰ أنّه بعد إدراك القبلة في الجملة، يندرج في عقد المستثنىٰ؛ ضرورة أنّه لا تكون صلاته فاقدة للقبلة، و لا يضرّ الإخلال في الأثناء

بعد الالتفات، لدلالة الاقتضاء. هذا على القول بأنّ الانحراف إلى اليمين و اليسار بحكم الاستدبار، و إلّا فلا بحث، كما هو الأشبه الأقرب عندنا، نعم، إنّه كان إلى القبلة، بحسب إطلاق معتبر زرارة و غيره، في غير حال العمد. و من هنا يظهر حكم الإكراه و الاضطرار.

و غير خفي: أنّه لو كان في الأثناء، ثمّ توجّه إلىٰ شرطيّة القبلة فيها، و قلنا بعدم ورود الأدلّة الخاصّة لحال الجهل و النسيان، بالنسبة

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 119

إلى الحكم، فاغتفار تلك الحالة الثانية، حسب أدلّة الاقتضاء، محلّ تردّد، كما سيمرّ عليك تحقيقه.

في خلل القبلة إذا التفت في أثناء الصلاة مع ضيق الوقت

و إذا التفت في الأثناء، و هو في ضيق الوقت، بحيث لو استأنف يلزم فوت صلاته، و لكنّه يدرك ركعة، أو يدرك مقداراً أقلّ من ركعة، و كان مستدبراً، فإن قلنا: بأنّ معتبر الساباطيّ في موقف الدلالة علىٰ بطلان صلاة المستدبر على الإطلاق- سواء كان في السعة أو الضيق كما هو غير بعيد، فيقطع صلاته، و يدرك المقدار الميسور، ركعة كان أو الزائد عليها، كما قال به السيّدان الأصفهانيّ و الوالد المحقّق- عفي عنهما «1»، و هو ظاهر إطلاق كلام جمع، كالفقيه اليزديّ و غيره «2»؛ و ذلك لأنّ الاستدبار علىٰ خلاف عقد المستثنىٰ، فتكون الصلاة باطلة، و تصحّ عند إدراك ركعة، لما تحرّر في محلّه «3».

و أمّا لو قلنا: بأنّ مفاد الخبر مخصوص في فرض التوسعة؛ لندرة ضيق الوقت، فالمسألة بشقّيها مندرجة في بحث الأهمّ و المهمّ، من ناحية إبطال الصلاة، و كفاية درك مقدار من الوقت، أو التفصيل بين ما كان

______________________________

(1) وسيلة النجاة 1: 141 142، تحرير الوسيلة 1: 141، المسألة 4، الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدّس

سرّه): 68.

(2) العروة الوثقىٰ 1: 548، فصل في أحكام الخلل في القبلة، المسألة 1، المبسوط 1: 81.

(3) رسالة في قاعدة «لا تعاد»، للمؤلف (قدّس سرّه) (مفقودة).

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 120

المقدار المتدارك ركعة أو الأقلّ؛ نظراً إلىٰ ما ورد في خصوص كفاية درك الركعة، و قاعدة الميسور الجارية في مثل المقام.

أو التفصيل بين كونه ملتفتاً إلىٰ خطأه في القبلة، مع غفلته حين التحوّل إليها، و بين التفاته إليها و هو مستدبر؛ نظراً إلىٰ أنّه في الفرض الأوّل، تصح صلاته، بحديث الرفع، بالنسبة إلىٰ حال الخطأ، و بأدلّة شرطيّة القبلة بالنسبة إلىٰ حال الالتفات.

و حيث إنّ الوقت ممّا يهتمّ به في الشرع، حسب ما يستفاد من موارد كثيرة، لا يبعد حرمة الإبطال، حتّى بالنسبة إلىٰ درك الأقلّ من ركعة، كما أنّه مقتضىٰ ما تحرّر منا؛ من كفاية درك بعض الوقت لصحّة الصلاة؛ نظراً إلىٰ أنّ طبيعة الصلاة تقع في الوقت، بوقوع جزء منها فيه، كما في أوّل الوقت في بعض الصور. و لو لا الأدلّة الخاصّة الظاهرة في خلاف ما أُشير إليه، لقلنا بجواز ذلك عمداً.

و أمّا اغتفار التحوّل إلى القبلة، فهو في غير مورد الأدلّة الخاصّة، يحتاج إلىٰ التشبّث بالدليل الخاصّ الآتي إن شاء اللّٰه تعالىٰ، في موارد الجهل و النسيان، بالنسبة إلى الحكم في الأثناء.

اختصاص معتبر الساباطي بصورة سعة الوقت

و الذي هو الأشبه الأظهر: أنّ معتبر الساباطيّ يختصّ بصورة الشبهة الموضوعيّة، و لا يبعد اختصاصه بصورة سعة الوقت، و لو كان الأمر بالقطع و التوجيه و الافتتاح، أمراً إرشاديّاً إلى البطلان؛ لاحتمال عدم

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 121

كفاية درك الركعة في المسألة، ففي هذه الصورة و هي الالتفات إلى استدباره، نرجع

إلى القواعد.

و إذا كان الإبطال، و لا سيّما في مثل المقام، موجباً لعدم درك بعض الوقت، مع كشف أهمّيّة الوقت، يتمّ صلاته، و لو كان مقتضىٰ ما تحرّر، كفاية وقوع بعض الطبيعة في الوقت؛ لأنّ إدراك الوقت أهمّ شي ء، و اللّٰه العالم، فتأمّل جيّداً.

و ممّا ذكرنا يظهر: حال خبر القاسم بن الوليد «1»، مع أنّه لم يثبت عندي وثاقته، بل هو معرض عنه، بالنسبة إلىٰ ذيله- بناءً علىٰ أنّ المراد من قوله: «رجل تبيّن له و هو في الصلاة، أنّه علىٰ غير القبلة.» إلىٰ آخره- كان مستدبراً و سيمرّ عليك إن شاء اللّٰه تعالىٰ ما ينفعك في الفرع الآتي.

مسألة: الالتفات إلى الاستدبار في الأثناء للشبهة الحكميّة

هذا تمام الكلام في الالتفات إلى استدباره في الأثناء، في الشبهة الموضوعيّة، و أمّا في الشبهة الحكميّة، أو نسيان الحكم، فربّما يمكن تصحيح الصلاة مطلقاً، و لو كان التفاته قبل التوجّه، و كان يدرك ركعة لو قطع، كما أنّ ظاهر القوم- رضي اللّٰه عنهم بطلانها على الإطلاق، و يحتمل

______________________________

(1) القاسم بن الوليد قال: سألته عن رجل تبيّن له و هو في الصلاة أنّه علىٰ غير القبلة؟ قال: «يستقبلها إذا أثبت ذلك و إن كان فرغ منه فلا يعيدها». تهذيب الأحكام 2: 48/ 158، وسائل الشيعة 4: 314، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 10، الحديث 3.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 122

التفصيلين التاليين:

الأوّل: بين ما لو قطع و يدرك ركعة، و ما لو قطع و يدرك الأقلّ منها.

و الثاني: بين ما لو التفت و هو قبل التحوّل إلى القبلة، أو كان بعد التحوّل إليها اتّفاقاً.

و ظاهر المتعرّضين للمسألة، هي الصورة السابقة، و هي الخطأ في الموضوع، كما عن «المدارك» و جمع من المتأخّرين، بل

و هو المنسوب إلى الشهيدين «1».

فالمفروغ عنه عند القدماء، بل هو صريح ابن سعيد «2»، حيث فرض الخطأ، هو البطلان؛ نظراً إلى القواعد الأوّلية، و إطلاق عقد المستثنىٰ، بل و إطلاق معتبر الساباطيّ علىٰ تقدير، بعد قصور خبر ابن الوليد سنداً، بل و دلالة.

في دلالة الأخبار المشتملة على التقييد بالفراغ من الصلاة

و توهّم: دلالة الأخبار المشتملة على التقييد بالفراغ «3»، اللازم منه صحّة الصلاة في الأثناء، في غاية الوهن في المسألة، و في المسألة السابقة أيضاً؛ لأنّ المنظور من الفراغ هو الالتفات إلى الإخلال في

______________________________

(1) مدارك الأحكام 3: 154، ذخيرة المعاد: 222/ السطر 40، رياض المسائل: 120/ السطر 15، جواهر الكلام 8: 37 38.

(2) الجامع للشرائع: 63.

(3) مستمسك العروة الوثقىٰ 5: 234.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 123

الوقت، و ندرة التوجّه إلى الخطأ في الأثناء، و لذلك ترى أنّ الأخبار الخاصّة، إلّا معتبر زرارة، ظاهرة أو صريحة في الخطأ، كما أنّ أكثرها جدّاً غير متعرّض لعنوان الفراغ.

مع أنّ جوابه (عليه السّلام) عن السؤال لا يقاس بمثل معتبر زرارة؛ لأنّ الأوّل قريب حمله على الشبهة الموضوعيّة؛ لمعلوميّة اعتبار القبلة في عصر الأئمّة (عليهم السّلام)، فعلى هذا لا دليل في خصوص الشبهة الحكميّة، بالنسبة إلى الأثناء.

فعلى هذا يمكن تصحيح الصلاة المذكورة؛ نظراً إلىٰ جريان حديث الرفع إلىٰ حال العلم بالاشتراط، و كفاية درك مقدار من الصلاة إلى القبلة، حسب ما عرفت في عقد المستثنىٰ، مع حكومة الحديث عليه، و اغتفار الحالة الثالثة، و هي ما لو التفت و علم، و هو مستدبر، كما في سائر الشرائط، فلذا لو توجّه في الأثناء إلىٰ عدم الستر أو لبس النجس، فإنّه بمقدار الحاجة إلى الستر و إبقاء الثوب النجس لا يضرّ باشتراط الستر أو

الطهارة، مع أنّه فعلًا عامد و عالم، و لا يشمله عقد المستثنىٰ.

و توهّم: أنّه فرق بين الاستدبار القاطع و هذه الأمثلة، في غير محلّه؛ فإنّ ما ثبت قاطعيّته، هو في صورة الخطأ، فالأدلّة العامّة كالخاصّة من هذه الجهة عرفاً، و إن لم يكن الأمر كذلك صناعة.

هذا، مع أنّ ذلك هو المستفاد من مجموع ما ورد ل «أنّ الفقيه يحتال

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 124

و لا يعيد» «1»، و لذلك في موارد التخيير، إذا شكّ في عدد الركعات فعليه اختيار التمام؛ كي لا يلزم بطلان عمله.

و عند ذلك لا يلزم الدور من التمسّك بحديث رفع الاضطرار، كي يتوجّه عليه ما حقّقه الوالد- مدّ ظلّه من: «أنّ صدق الاضطرار موقوف علىٰ وجوب الإتمام، أو حرمة القطع «2»، مع أنّ ذلك موقوف على الإلزام المذكور».

في بيان قاطعيّة الاستدبار و تشبيهها بموارد دون موارد أُخر

و يمكن دعوى: أنّ قاطعيّة الاستدبار المستفادة من معتبر الساباطيّ، و بعض الأخبار الأُخر، ليست كقاطعيّة الحدث و القهقهة و الترقّص، بل هي مثل الشكّ في الثنائيّة و الثلاثيّة، و في كونه مبطلًا للصلاة في صورة الاستقرار، فلو شكّ في أثناء الصلاة في أنّه إلى القبلة أو مستدبر، و التفت إلى استدباره فوراً عرفاً، فهو كحدوث الحائل في الجماعة، فتكون الأدلّة قاصرة عن الدلالة على البطلان، حسب الفهم العقلائي، على الإطلاق.

و كالتوجّه إلىٰ نجاسة ثوبه في الصلاة، و تمكّن من الاستبدال، أو تمكّن من غسله فوراً عرفاً، كما في بعض الأخبار؛ فإنّ هذا المقدار كما لا

______________________________

(1) هي مضمون عدّة روايات، و منها رواية حمزة بن حمران عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «ما أعاد الصلاة فقيه قطّ يحتال لها و يدبّرها حتّى لا يعيدها». تهذيب الأحكام 2:

351/ 1455، وسائل الشيعة 8: 247، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 29، الحديث 1.

(2) الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 70.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 125

يضرّ بالهيئة الاتّصاليّة المعتبرة في الصلاة- بناءً علىٰ إمكان اعتبار القاطعيّة و المانعيّة في الاعتباريّات، على الوجه المحرّر عندنا في الأُصول «1» لا يضرّ باشتراط القبلة و الاتّصال و عدم الحائل؛ فإنّ نسبة الصلاة إلىٰ هذه الأُمور مختلفة، لأجل اختلاف لسان الأدلّة بالنسبة إليها- كما لا يخفىٰ و لو قلنا بأنّ الأكوان المتخلّلة من الصلاة، كما هو التحقيق، بل قد أوضحنا: أنّ للهيئة الاتّصاليّة عرضاً عريضاً، بالنسبة إلىٰ أنواع العبادات «2».

مسألة: لو التفت في أثناء العصر في آخر الوقت، إلى استدباره في الظهر

فعلى القول باختصاص الوقت، فلا كلام في المسألة، و وجوب إتمامه عصراً و صحّة صلاته ظهراً؛ لمضي وقتها حسب أدلّتها، و كفاية اجتهاده مثلًا، و هكذا لو التفت- على الفرض المذكور إن لم يكن مشتغلًا بالعصر.

اللّهمّ إلّا أن يقال: بأن قضيّة القواعد بطلانها، و الأخبار في المقام ناظرة إلىٰ خارج الوقت، و إن لم يكن وقت للظهر، لعدم الإطلاق لها، أو انصرافها إلىٰ غروب الشمس، لا إلىٰ وقت صلاة الظهر، و هذا غير بعيد.

و أمّا على القول بالاشتراك، فهل يتمّ عصراً و يقضي الظهر؛ نظراً إلىٰ أنّ الترتيب شرط ذكريّ بين الطبيعتين، و قد سقط، فتعيّن عليه إتمامه

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 8: 85 87.

(2) تحريرات في الأُصول 8: 86.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 126

عصراً.

اللّهمّ إلّا أن يقال: بأنّ مقتضىٰ أخبار العدول «1» و إطلاقها، الشامل للظهر القابل للإتيان به أداء، و العصر الواجب عليه قضاء- و يؤكّده أنّ الترتيب علىٰ جميع التقادير ليس قيداً في الظهر، بل هو

قيد في العصر، أداء و قضاء إتمامه ظهراً، و أيضاً مقتضىٰ هذه الأخبار اشتراط الترتيب بين الأجزاء، زائداً على الطبيعة، كما تحرّر في محلّه «2»، و هذا لا ينافي وجوب العصر، إذا بقي من الوقت مقدار أربع ركعات، من حين الالتفات.

اللّهمّ إلّا أن يقال: ما ورد «إن هي أربع مكان أربع» «3» معناه إنّ العصر أربع، مكان أربع أُخر و هي الظهر؛ لإمكان نفسه، و لو أريد به خلافه، كان المناسب أن يأتي بأربع الثاني مُحلّىٰ بالألف و اللام، و تفصيله في محلّه، أو يعدل إلى الظهر الباطل؛ لما عرفت؛ و لأنّ عنوان الأداء و القضاء لا يعتبر شرعاً، حسب ما تحرّر «4»، و أدلّة القضاء تفيد بقاء الأمر المتوجّه إلى الظهر، حتّى بعد مضي الوقت.

و إلى ذلك يشير قوله تعالىٰ أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63.

(2) تحريرات في الفقه، الواجبات في الصلاة، للمؤلّف (قدّس سرّه): 155.

(3) حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام). قال: إذا نسيت الظهر حتّى صلّيت العصر فذكرتها و أنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الأولى ثمّ صلّ العصر فإنّما هي أربع مكان أربع. الكافي 3: 291/ 1، تهذيب الأحكام 3: 158/ 340، وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1.

(4) تحريرات في الفقه، الواجبات في الصلاة، للمؤلّف (قدّس سرّه): 47.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 127

«1» مريداً به الصلوات الأربع، و هذا هو الأقرب، و اللّٰه العالم.

مسألة: في صورة إدراك ركعة إذا توجّه في أثناء العصر إلى استدباره في الظهر
اشارة

فتارة يلتفت قبل الغروب، و أُخرى يلتفت بعد الغروب، و هو في أثناء العصر، و ثالثة يلتفت بعد الفراغ من العصر، فالمسألة تطلب من

محلّها، فإنّ أدلّتها مختلفة لساناً و احتمالًا ثبوتاً.

و ما هو الأقرب: أنّ الوقت لم يوسع، بل في هذه الأخبار شهادة علىٰ ما ذكرناه، و هو أن مقتضى إطلاق عقد المستثنىٰ، كفاية وقوع بعض الصلاة في الوقت؛ لأنّ الطبيعة وقعت في الوقت فتكون تامّة، كما في بعض الروايات، و نتيجة ذلك جواز التأخير عمداً، إلّا أنّه خلاف الإجماع ظاهراً، و التفصيل في محلّه.

فعلى هذا، فإن التفت قبل مضي الوقت، فالكلام هنا كما مرّ، و إن التفت إلى استدباره في الظهر بعد مضي الوقت، فهذه الأخبار محكّمة، و صحّت صلاته عصراً و عليه الظهر.

و غير خفيّ: أنّ مقتضى القاعدة كفاية وقوع الأقلّ من ركعة، كما في أوّل الوقت، حسب الأخبار الخاصّة في غير هذه الصورة، إلّا أنّ ظاهر الأخبار في هذه المسألة عرفاً، و مقتضى الإجماعات و الشهرات، أنّه في صورة عدم العمد لا يعدّ تارك الصلاة في الوقت، و إلّا فصلاته صحيحة، و لو أدرك جزءً يسيراً من الوقت، إمّا عصراً أو ظهراً، كما هو كذلك علىٰ كلّ تقدير؛ لعدم وجوب تأخير غير المدرك لركعة إلىٰ أن يمضي الوقت، بل

______________________________

(1) الإسراء (17): 78.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 128

هو أولىٰ لقاعدة الميسور، و لانتفاء الاختصاص بالمعنى المعهود.

و لا أظنّ التزام أحد بوجوب الاصطبار إلىٰ مضي الوقت إلى المقدار الذي يدرك فيه ركعة من العصر، حتّى يجوز له الشروع في الظهر، بعد فوت وقت أدائهما، إلّا بأن يقال بوجوب الشروع في العصر، لقاعدة الميسور، كما أُشير إليه.

كما لا أظنّ التزام القائلين بالوقت الاختصاصي، بوجوب اصطبار من أدرك مقدار التشهّد من الظهر الصحيح، إلىٰ أن يمضي مقدار أربع ركعات، حسب خبر داود بن فرقد «1»

و غيره.

و كون أدبهم التفكيك بين الظهرين- كما ينسب إلى الفقيه الأُستاذ البروجرديّ (قدّس سرّه) «2» لا يقتضي الوقت الاختصاصي، بعد ورود الأخبار علىٰ أنّ الجمع سنّة مطلقاً، أو في الجملة.

و أعجب منه: توهّم الجمع بين الأخبار في المسألة الأصليّة، بأنّ الاستثناء في قوله (عليه السّلام): «إلّا أنّ هذه قبل هذه» «3» إن كان من الاستثناء

______________________________

(1) داود بن أبي يزيد- و هو داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتّى يمضى مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر و العصر حتّى يبقى من الشمس مقدارها يصلّي أربع ركعات فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر و بقي وقت العصر حتّى تغيب الشمس. تهذيب الأحكام 2: 25/ 70، وسائل الشيعة 4: 127، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 7 و 18 و 21.

(2) نهاية التقرير 1: 32.

(3) عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في قوله تعالىٰ «أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ» قال: إنّ اللّٰه افترض أربع صلوات أوّل وقتها زوال الشمس إلى انتصاف اللّيل، منها: صلاتان أوّل وقتهما من عند زوال الشمس إلىٰ غروب الشمس إلّا أنّ هذه قبل هذه و منها: صلاتان أوّل وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف اللّيل إلّا أنّ هذه قبل هذه. تهذيب الأحكام 2: 25/ 72، وسائل الشيعة 4: 157، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 4.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 129

المنقطع «1»، فهو خلاف الأصل، فالاستثناء متّصل، و هو: أنّ وقت هذه قبل هذه، فيلزم الجمع بين الطائفتين

من الأخبار، فإنّ الحذف خلاف الأصل، فيلزم الإجمال، مع أنّ الاستثناء المنقطع كثير في الكتاب الشريف، بخلاف الحذف؛ فإنّه لا يجب الالتزام به حتّى في مثل «و اسأل هذه الدكّة» فإنّه كلام استعمل في معناه اللغوي لنقل السامع إلى المراد الجدّي، من دون أن نلتزم بالادّعاء، كما تحرّر في الأُصول «2»، بخلاف قوله تعالىٰ لٰا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولىٰ. «3».

و قد حرّرنا تفصيله «4» في ذيل قوله تعالىٰ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ. «5».

بطلان ما ذهب إليه السيّد اليزدي و الكوه كمري (قدّس سرّهما)

فلا وجه لذهاب السيّد الفقيه اليزديّ (رحمه اللّٰه) إلىٰ أنّ جميع

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقىٰ 5: 31 33.

(2) تحريرات في الأُصول 1: 144 146.

(3) الدخان (44): 56.

(4) لعلّه في المكاسب المحرّمة من تحريراته الفقهية و هو مفقود.

(5) النساء (4): 29.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 130

الاستثناءات المنقطعة ترجع إلى المتّصلة «1»، حتّى قوله تعالىٰ لٰا يَسْمَعُونَ فِيهٰا لَغْواً وَ لٰا تَأْثِيماً. إِلّٰا قِيلًا سَلٰاماً سَلٰاماً «2».

أو ذهاب جدّ أولاديّ الحجّة الكوه كمري (قدّس سرّه) إليه «3»، و إلّا لا يتمّ الاستدلال بقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «عليّ (عليه السّلام) منّي بمنزلة هارون من موسى، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي» «4» فإنّ الحقّ أنّ ما تخيّلوه، مضافاً إلىٰ بطلانه، يكون الاستثناء المنقطع من كمالات الكلمات الكتابيّة، و وجوه أسرار البلاغة القرآنيّة و الحديثيّة.

تتميم: في بيان ما أفاده الوالد المحقّق

ما ذهب إليه السيّد المحقّق الوالد، جمعاً بين الطائفتين، بالالتزام بالاشتراك، من جهة إمكان إيجاب الصلاتين على الإطلاق قانوناً من أوّل الوقت، حسب الخطابات القانونيّة «5»، أيضاً غير تامّ؛ لأنّه يختصّ بصورة كون النسبة بين المتعلّقين عموماً من وجه، كما حرّرناه في الأُصول «6»؛ ضرورة امتناع ترشّح الإرادتين القانونيّتين و غيرهما، بإيجاب الوقوف في يوم

______________________________

(1) حاشية المكاسب، للسيّد اليزدي: 126/ السطر 34.

(2) الواقعة (56): 25 26.

(3) كتاب البيع (تقريرات السيّد الحجة الكوه كمري) التجليل: 325.

(4) يا عليّ أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي. بحار الأنوار 38: 240 و 247، صحيح البخاري 5: 81/ 225.

(5) تهذيب الأُصول 1: 310، الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 83.

(6) تحريرات في الأُصول 3: 345 346 و 5: 465 466.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 131

عرفة

على الإطلاق، في «عرفات» و «كربلاء» المعلّى، بخلاف إيجاب الأمرين، و تكون النسبة بينهما عموماً من وجه كالصلاة و الإزالة، و تفصيله في الأُصول.

اللّهمّ إلّا أن يقال: بكفاية فرض المقنّن طروّ النسيان، و الغفلة، و الجهالة، و السهو، و الاضطرار، و الإكراه، من غير أن يكون أحدهم من الحالات الراجعة إلى التقييد، بل يكون في تلك الأحوال وجوب الوقوف موجوداً، و لكنّه يكون معذوراً، و إلى هذا يشير قوله (عليه السّلام): «إلّا أنّ هذه قبل هذه» «1».

و لكنّ الإنصاف: أنّ هذه الأخبار ليست آمرة بالصلاة، كي يلاحظ أمر ترشّح الإرادة الباعثة، بل هي بصدد توضيح اشتراط الصلاة بالوقت و لو كان بالأمر، كما في قوله تعالىٰ أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ. «2».

عدم تماميّة تفصيل الوحيد البهبهاني (قدّس سرّه)

و تفصيل البهبهانيّ (رحمه اللّٰه) بين القيود المستفادة من الخطابات، و المستفادة من الجمل الإخباريّة؛ بأنّه في الصورة الاولىٰ لا يمكن، إذا كان المكلّف عاجزاً، بخلاف الثانية «3»، في غاية السقوط، و لو صدّقه

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 128.

(2) الإسراء (17): 78.

(3) فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 251.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 132

الوالد المحقّق- مدّ ظلّه «1»، و تفصيله في الأُصول «2»، فلا تهافت من هذه الجهة بين هذه الأخبار؛ لأنّها قابلة للجمع ثبوتاً.

نعم، بعد ملاحظة هذه الأخبار، و أدلّة إيجاب الصلاة، يلزم الإشكال الثبوتي، و لكن بعد ملاحظة الأدلّة الأوّلية و الثانويّة، يجمع بين جميع الطوائف، و تصير النتيجة صحّة الشريكة، كما تصحّ سائر الصلوات؛ ضرورة أنّ شرطيّة الترتيب ذكريّ، إمّا بين الطبيعتين فقط، أو بينهما و بين الأجزاء، حسب أخبار العدول، فافهم و اغتنم. و تفصيل المسألة في بحوث أوقات الصلوات.

مسألة: في موارد الأوقات الاضطراريّة
اشارة

لو التفت في أثناء الوقت الاضطراري- كما عرفت في أثناء الصلاة الاستدراكيّة بإدراك ركعة من الوقت، أو التفت في الوقت الذي لو كان قد صلّى فيه تقع تامّة، فهل يجب القضاء، إذا صلّى الظهر استدباراً، أو المغرب لو أتى بها مستدبراً؟

أمّا الفرض الأوّل: فقد عرفت أنّ أدلّة «من أدرك» «3» لا توجب توسعة الوقت، كي يقال بعدم شمول الأخبار فيما نحن فيه و أنّها متعرضة لحال خارج الوقت، و لو كانت تشمل خارج الوقت الاختياري.

______________________________

(1) تهذيب الأُصول 2: 393.

(2) تحريرات في الأُصول 8: 104 و 111 112.

(3) لاحظ وسائل الشيعة 4: 217، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 133

بقي الفرض الثاني، و هو الالتفات إلى الاستدبار في الوقت الاختياري، و

هو خارجه، و يكون في الوقت الاضطراري، فإنّ ثمرة شمول الأخبار، وجوب الإعادة، كما هو واضح.

هل تقتضي الأدلّة الأوّلية اعتبار الوقت الاضطراري أم لا؟ و هل تجب الإعادة في هذا الوقت أم لا؟

و ممّا لا يخفىٰ: أنّه تارة يقع البحث في أصل اعتبار الوقت الثالث، و هو الاضطراري في مقابل وقت الفضيلة و وقت الإجزاء، حسب الأدلّة الأوّليّة، و أُخرى في وجوب الإعادة في الوقت الاضطراري؛ ضرورة أنّه لو قلنا بصحّة الصلاة مستدبراً مطلقاً، لو التفت بعد خروج الوقت الاختياري، لا تكون ثمرة، و لكنّه غير تامّ؛ ضرورة أنّه تجب الإعادة بالنسبة إلى الجاهل بالحكم عن تقصير، أو الجاهل بالموضوع لا عن اجتهاد، و شبههما، كما ورد في معتبر الساباطي و غيره.

و أيضاً لو قلنا بعدم الضيق في الوقت الاضطراري، و إنّما الضيق لأجل نيّة الإتيان أداء، و إلّا فيجوز التأخير عنه، و الإتيان بها بعنوان القضاء، فإنّه لا ثمرة في البحث عن المسألة في المقام، و لكنّه أيضاً مفروغ عنه في كلامهم؛ لأنّ الوقت الاضطراري لو كان صحيحاً، فهو ليس إلّا للتضييق و إيجاب الإتيان فيه، و حرمة التأخير عنه، كما في الاختياري، و لا سيّما بعد ما تحرّر: أنّ الأدائيّة و القضائيّة ليستا من العناوين القصديّة، و لعلّه تأتي الإشارة إليه، إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 134

ذكر ما تقتضيه الأخبار على القول بالوقت الاضطراري

إذا عرفت ذلك، فإن قلنا بالوقت الاضطراري، علىٰ ما تحرّر في محلّه «1»، فالأخبار هنا بألسنتها مختلفة، ففي جملة منها: «إن كان قد مضى الوقت فلا إعادة عليه» «2».

و في رواية محمّد بن الحصين، فكتب (عليه السّلام): «يعيدها ما لم يفته الوقت» «3».

و في رواية يعقوب بن يقطين: «فإذا ذهب الوقت فلا إعادة عليه» «4».

و في «النهاية» وردت رواية أنّه «إذا صلّىٰ» إلىٰ أن قال: «ثمّ علم بعد خروج الوقت، وجب عليه إعادة الصلاة» «5»، و لا لسان لقاعدة «لا تعاد» إلّا

أنّه إذا أتى بها استدباراً، فمقتضىٰ إطلاقه الإعادة، سواء كانت في الوقت الاختياري أو الاضطراري أو غيرهما.

كما أنّ قضيّة الإطلاق عدم الضيق؛ إمّا لأنّ الأمر بالإعادة لا يدلّ على الفور، أو لأنّه فيما نحن فيه لا يكون الأمر إلّا إرشاداً إلى البطلان.

و أمّا الإعادة فوراً في جميع الوقت الاضطراري، أو هو في السعة، كما

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الصلاة: 39، نهاية التقرير 1: 28، مستمسك العروة الوثقىٰ 5: 28.

(2) وسائل الشيعة 4: 315، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11.

(3) تقدّم في الصفحة 109.

(4) تقدّم في الصفحة 106.

(5) النهاية، الشيخ الطوسي: 64، وسائل الشيعة 4: 318، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 10.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 135

هو كذلك بالنسبة إلى الاختياري، إذا التفت أوّل الوقت، فالقاعدة ساكتة، من هذه الجهة، فلا بدّ من دليل آخر.

و في صدر معتبر زرارة: «لا صلاة إلّا إلى القبلة» «1» فإنّ لازمه بطلان الصلاة المأتي بها استدباراً، و أمّا وجوب تداركها رأساً، أو فوراً و في الوقت الاضطراري، فهو أمر آخر.

فالأمر المهمّ هو: أنّ بعد وجود الوقت الثاني الإجزائي الاضطراري الذي لا يجوز التأخير عنه، فهل تكفيه الصلاة المأتي بها استدباراً؛ نظراً إلىٰ صدق المضي و الذهاب و الخروج، و أنّه قد فاته الوقت، فصرف الوجود كافٍ في الصدق فصحّت صلاته، أم لا، نظراً إلىٰ أنّه و إن صدق ذلك، و لكنّه يصدق بعدُ أنّه لم يمض الاضطراري، و إنّما مضى الاختياري، فلم يفُته مطلق الوقت، فليس خارجه على الإطلاق، بل هو من قبيل خارج وقت الفضيلة، نظير ما إذا قيل: «أكرم العالم يوم الجمعة، و إلّا فيوم السبت» ثمّ ورد: «إذا خرج وقت إكرام زيد فلا

شي ء عليك» فإنّ الظاهر هو خروج جميع الوقتين. فتجري قاعدة «من أدرك» أوّلًا بالنسبة إلى الوقت الأوّل، ثمّ بالنسبة إلى الوقت الثاني بالنسبة إلى المغربين، على الوجه الذي تحرّر بالنسبة إلىٰ سائر الأوقات.

و يؤيّد ذلك ما في «التهذيبين»، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام): «إذا صلّيت إلىٰ غير القبلة فاستبان لك، قبل أن تصبح، أنّك صلّيت علىٰ غير القبلة،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 92.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 136

فأعد صلاتك» «1».

الوقت ظرف للواجب و ليس مقوّماً له

بقي شي ء: تفصيله في الأوقات، و هو أمر غير مهمّ هنا، و هو: إنّ الوقت و لو كان مثل سائر الأُمور قيداً، و إنّ الأُمور الاعتباريّة لا تقبل القضايا الحينيّة؛ ضرورة دخالة الوقت في الملاك، و إلّا فلا وقت للواجب، إلّا أنّ مقايسة العرف أمثال هذه المسألة بمسائله، توجب فهم القضيّة الحينيّة الاعتباريّة، غير الجائز تأخير الواجب عنه.

و بعبارة اخرىٰ: ليست القضيّة المتشكّلة متقيّدة، بل الأوقات ظروف الواجبات، إلّا أنّه لا يجوز التأخير عن تلك الأحيان و الظروف، و أمّا الطبيعة فهي بعد تلك الظروف باقية علىٰ لزومها؛ لأنّ الوقت ليس من مشخّصات الأمر، و مقوّمات الطلب المتعلّق بنفس الطبيعة.

فإذا تبيّن له أنّ الطبيعة باطلة، لأجل الاستدبار أو تبيّن أنّه لم يأت بها حقيقة أو ادّعاءً؛ لقوله (عليه السّلام): «لا صلاة إلّا إلى القبلة» «2»، فلا حاجة إلى الأمر الآخر المتعلّق بعنوان القضاء، أو الكاشف لتعدّد المطلوب، أو بقاء الأمر الأوّل المتعلّق بالطبيعة، الفاني فيها التقيّد بالوقت؛ فإنّه لا يوجب تعدّد الطبيعة، و لا يضرّ بوحدتها.

و إطلاق الفقهاء الإعادة على الفرد الثاني في الوقت، و الاستئناف

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 48/ 156، الاستبصار 1: 297/ 1094.

(2) تقدّم في الصفحة 92.

الخلل في

الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 137

على العود من الأثناء، و القضاء على الفرد الخارج تفنّن في التعبير، و إلّا فالأداء و القضاء ليسا من العناوين القصديّة الشرعيّة، بخلاف الظهريّة و العصريّة، بل هما من قبيل الصلاة كاسياً و الصلاة عارياً، أو مع الطهور و بلا طهور، و هكذا.

نعم، لا منع من قيام الدليل علىٰ عدم الوجوب، و انتفاء الأمر، كما فيما نحن فيه، بالنسبة إلى الالتفات إلى الاستدبار خارج الوقت، في خصوص المجتهد المخطئ، أو الأعمّ منه و من سائر ذوي الأعذار.

تنبيه: في بيان تقدّم «لا تعاد» على «حديث الرفع»

ما كان وجه حسب ما عرفت لتقديم العقد الثاني لقاعدة «لا تعاد» علىٰ حديث الرفع، و كان تقدّمه عليها حكومة، واضحة؛ لأنّها به تتقيّد، من غير أن يلزم اللغويّة كما مرّ «1».

و لكن ربّما يخطر بالبال: أنّ المذكورات في العقد المستثنىٰ لها الامتياز بالنسبة إلىٰ سائر الأجزاء، فلو كانت الصلاة بالترك العمدي باطلة بالنسبة إلى المجموع، و اشتركت سائر الأجزاء و الخمسة في بطلانها بتركها مثلًا، و أيضاً كانت باطلة بالنسبة إلى النقيصة عن الجهل التقصيري، أو هو و القصوري كما قيل و كانت صحيحة في صورة النقصان بالنسبة إلىٰ سائر الأجزاء غير الخمسة، إمّا من جهة عقد المستثنىٰ منه، أو من أجل حديث الرفع، فلا يبقى امتياز لتلك الخمسة،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 61 و 114.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 138

بالضرورة.

و أمّا إيجاب الإعادة بالنسبة إلى الخمسة، حسب الأدلّة الخاصّة، فهو و لو كان تامّاً، إلّا أنّه لا بدّ في مقام ملاحظة الأدلّة، مراعاة النسبة في حدّ نفسها، و ربّما لا تكون تلك الأدلّة الخاصّة إلّا مترشّحة عن تلك القاعدة.

هذا مع أنّ المحرّر عندنا في الأُصول، اختصاص جريان حديث

الرفع بصور النسيان و الجهل بالحكم الوضعي أو التكليفي؛ لأنّه قابل للجعل، فإنّ الجزئيّة مجعولة، لا الجزء، فإنّه يعتبر فانياً في اعتبار الكلّ، و تقديره، لا بما أنّه جزء عنواناً، بل ذاته ممتنع أن تناله يد الجعل؛ فإنّها تنال محمول القضيّة، و هو أنّ السورة جزء، أو جزئيّة السورة المنتزعة من جعله جزء، دون موضوع القضيّة، و هي ذات الاستقبال و السورة، و التفصيل في محلّه إن شاء اللّٰه تعالىٰ «1».

تذنيب: الآية تبيّن ظرف الصلوات الخمس علىٰ نحو القضيّة الحينيّة

تفصيل الكلام في أنّ الوقت الاضطراري للعشائين، أو لخصوص العشاء، أو انقضاء الوقت كلّاً، بذهاب النصف أو الثلث، أو غير ذلك، يطلب من محلّه، و إنّما نشير هنا إجمالًا، إلىٰ أنّ الأظهر فيما بين محتملات الآية «2»، إنّها بصدد بيان ظرف الصلوات الخمس، علىٰ نعت القضيّة الحينيّة،

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 7: 109 110.

(2) أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ. الإسراء (17): 78.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 139

و غسق الليل هو اشتداد الظلمة، و هو وقت وسيع، فلا يكون هناك اعتبار بنصف الليل الحقيقي، و لا بطلوع الفجر، أو الثلث الأوّل، و لا سيّما في عصر الآية، حيث لا يتمكّنون من تشخيص النصف و الثلث؛ لفقد القرائن الواضحة و الأمارات الموجودة في هذه الأعصار.

فعلى هذا المنهاج، يجوز أن يقال: إنّ المراد من انتصاف الليل، مقدار من الوقت مسامحة، و أمّا الوقت الاضطراري فلا دليل عليه، بعد الشهرة غير الواضح وجودها، مع احتمال اتّكائهم إلى بعض الاجتهادات.

نعم، مقتضىٰ حديث عبيد السابق «1» اعتبار الوقت الثالث للعشائين، إلّا أنّه غير ثابت كونه مورداً للشهرة العمليّة، و قد حرّرنا في الأُصول: أنّ مجرّد التوافق في المضمون لا يكفي للجبران «2».

هذا، مع أنّ المحكي موافقته

لفتوى المشهور، بل المتّفق عليه من العامّة المخالفين، الذين الرشد في خلافهم، مع أنّ الرواية الواحدة لا تكفي لمثل هذه المسألة المبتلىٰ بها الشيعة، بل عامّة الناس دائماً.

و أيضاً، أنّ المتعارف يكون التأخير عن النصف، لأجل أحد الأعذار من النوم و النسيان، و حصول الطهارة، فلا يمكن استفادة الوقت الاضطراري، للمختار العاصي من هذه الأدلّة، فوجوب البدار بعد انتصاف

______________________________

(1) عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة، لا تفوت صلاة النهار حتّى تغيب الشمس، و لا صلاة اللّيل حتّى يطلع الفجر، و لا صلاة الفجر حتّى تطلع الشمس». تهذيب الأحكام 2: 256/ 1015، وسائل الشيعة 4: 159، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 9.

(2) لاحظ تحريرات في الأُصول 6: 393.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 140

الليل غير معلوم، و علىٰ خلاف الأصل.

و توهّم «1» عدم المعارضة، بين رواية عبيد و رواية اخرىٰ له، كي يؤخذ بالمخالف، في غير محلّه؛ لأنّه مضافاً إلىٰ أنّه خلاف مفهوم الغاية من الكتاب العزيز، خلاف مفهوم رواية عبيد الأُخرىٰ، حيث قال فيها:

«و منها صلاتان، أوّل وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل» «2».

و كان حديث عبيد السابق «لا تفوت الصلاة، من أراد الصلاة، لا يفوت صلاة النهار حتّى تغيب الشمس، و لا صلاة الليل حتّى يطلع الفجر» «3» فإنّه ربّما أُريد بصلاة الليل، صلاة الليل، لا العشاءان، و من صلاة النهار نوافله، هذا كلّه حكم نسخة «التهذيبين» «4» زيادة على «الفقيه» «5» و هو يوجب الركاكة، فليراجع كما مرّ ما ذكرناه من الخلل علىٰ فرض الوقت الثالث للعشائين.

و ممّا يؤيّدنا، في توسعة عنوان انتصاف الليل، اختلاف الأخبار،

حسب الربع و الثلث، و ذهاب الحمرة و غير ذلك، فإنّ حمل العناوين المشتملة على المقادير المتّصلة أو المنفصلة، الزمانيّة و غير الزمانيّة على التسامح، يحتاج إلى القرينة، و هي هنا نفس الروايات، و تفصيل المسألة في الوقت إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

______________________________

(1) الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 93.

(2) تقدّم في الصفحة 128.

(3) تقدّم في الصفحة 139.

(4) لاحظ تهذيب الأحكام 2: 256/ 1015.

(5) الفقيه 1: 232/ 1030.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 141

المسألة الثالثة في خلل الوقت

اشارة

و الكلام هنا تارة حول مقتضى القاعدة، و أُخرى حول الأدلّة الخاصّة.

المقام الأوّل: ما تقتضيه القواعد

اشارة

قضيّة القواعد ربّما تختلف؛ لأجل أنّ الصلاة قبل الوقت و بالنسبة إليه تحتمل أن تكون واجباً مشروطاً به، و أُخرى تكون واجباً معلّقاً، و ثالثة يكون الوقت قيداً لها، و الهيئة مطلقة، إلّا أنّه و إن كان عاجزاً قبل الوقت من القيد، بحسب أُفقه إلّا اقتداره علىٰ إتيانها في الأُفق الآخر، يكفي للإيجاب المذكور.

و نتيجة ذلك وجوب سيره بعد انقضاء الوقت إلىٰ أن يدرك الوقت بتمامه، و لا سيّما إذا أخّر صلاته متعمّداً، أو جواز ترك صلاته، حسب أُفقه

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 142

في مجموع الوقت؛ لتمكّنه من دركه في الأُفق الآخر، و تفصيله يطلب من المسائل المستحدثة، هذا بحسب التصوّر.

الأدلّة ظاهرة في الوجوب المعلّق

و أمّا الأدلّة فلا يبعد ظهورها و انصرافها إلى الوجوب المعلّق، فإنّ اللّٰه فرض في كلّ أُسبوع، خمس و ثلاثين صلاة «1»، كما في أخبار صلاة الجمعة، فبحسب كلّ أُسبوع يكون الوجوب فعليّاً، و الواجب استقباليّاً.

و يؤيّد ذلك كلمة «إذا» الواردة في الأخبار؛ حيث إنّها تدخل على الفعل المفروض مجيئه، فقوله (عليه السّلام): «إذا دخل الوقت فقد وجب الظهران» «2»، أو «الطهور و الصلاة» «3» فهو لأجل العلم بمجيئه حسب العادة.

و هذا هو الظاهر من الكتاب العزيز «4»؛ فإنّ الخطاب المشتمل على التكليف فعلي، و المكلّف به استقبالي، و قد حرّرنا في الأُصول: أنّ جميع

______________________________

(1) الكافي 3: 418/ 1، تهذيب الأحكام 3: 19/ 69، وسائل الشيعة 7: 295 و 299 كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة، الباب 1، الحديث 1 و 14.

(2) تهذيب الأحكام 2: 140/ 546، الفقيه 1: 22/ 67، وسائل الشيعة 1: 372، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 4، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 4: 127 و 130، كتاب

الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 8 و 9 و 10 و 11 و 21.

(4) أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ، الإسراء (17): 78.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 143

التكاليف لا يعقل إلّا و أن يكون معلّقاً أو منجزّاً، بحسب الثبوت «1» و إن كان يمكن التعبّد بالمشروط؛ نظراً إلىٰ آثاره، فكلمة «اللام» سواء كانت بمعنى عند، أو بمعنى بعد، أو العلّة، أو بمعنى من، نحو قوله تعالىٰ إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ «2» هكذا قيل؛ لا تفيد أكثر من أنّ الواجب متأخّر، و يترتّب عليه الآثار الكثيرة.

فما استبعده بعض الأعلام، من كونه من قبيل القسم الثالث، أو استظهره الوالد المحقّق- مدّ ظلّه أنّه من القسم الأوّل «3»، كي تكون الهيئة مشروطاً، غير جائز، بل الأشبه هو الفرض الثاني.

و أمّا توهّم امتناع القسم الثالث، فهو كتوهّم امتناع القسم الأوّل، كما عن الشيخ (رحمه اللّٰه) «4» أو كتوهّم امتناع الوجوب المعلّق، كما عن بعض الأعلام (رحمهم اللّٰه) «5»، غافلًا عن أنّ الحوادث المتعاقبة كلّ حسب الواجبات المعلّقة، كما حرّرناه في قواعدنا الحكميّة، في مسألة ربط الحادث بالقديم «6».

فعلى هذا، لو قدّم صلاته على الوقت، الذي هو من قبيل القضايا

______________________________

(1) لاحظ تحريرات في الأُصول 3: 118 119.

(2) البقرة (2): 156.

(3) الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 94 95.

(4) كفاية الأُصول: 127 128.

(5) نهاية الدراية 2: 76.

(6) القواعد الحكميّة، للمؤلف (قدّس سرّه) (مفقودة)، لاحظ تحريرات في الأُصول 3: 114 119.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 144

الحينيّة اعتباراً، اللازم تقيّد المكلّف به، به رعاية لذلك الحين، و هو مثلًا: من الدلوك إلىٰ غروب الشمس، تكون الصلاة باطلة؛ إمّا لعدم الأمر بها،

أو لخلوّها عن القيد، و هذا هو كذلك حتّى علىٰ مسلكنا؛ فإنّها و إن تكن مورد الأمر إلّا أنّ الواجب استقبالي، فلم يمتثل ذلك الأمر لما يلزم أن يأتي بها في ذلك الحين. هذا مقتضى القواعد الأوّليّة.

و ربّما يقال: بأنّ مقتضىٰ تلك القواعد بطلانها، إذا قدّمها عليه عمداً، و إلّا فمقتضىٰ حديث الرفع، رفع كون الوقت قيداً استقباليّاً، أو قيداً رأساً، فتصير النتيجة: صحّة الصلاة لوجود الأمر على الفرض الثاني و الثالث، بل و الأوّل؛ ضرورة أنّ رفع تقيّد الهيئة بالوقت، بعد كونها إنشائيّاً، ينتج صحّة الصلاة؛ إمّا لعدم الحاجة فيها إلى الأمر كما تحرّر «1»؛ أو لأنّه ليس من الأصل المثبت.

و أنت قد أحطت خبراً بما لا مزيد عليه، بأنّ حديث الرفع ليس بحاكم علىٰ عقد المستثنىٰ من قاعدة «لا تعاد»، بل هو مقدّم عليه لاختصاص الخمسة بالمزيّة.

نعم، إذا أدرك بعض الوقت، بحيث صحّت النسبة، بأن يقال: وقعت الطبيعة في الوقت، فالأشبه كفايته؛ لأنّ ما هو موضوع القاعدة عنوان وجداني عرفي، و لعلّ وجه صحّتها بالنسبة إلى الأوّل، و الآخر في الجملة، نظير وجه عدوله من العصر إلى الظهر، مع أنّ قصد الظهريّة مقوّم الطبيعة المأمور بها، فتسامح.

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 8: 43.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 145

أو يقال: قضيّة البراءة عدم وجوبها، بعد الإتيان بها قبل الوقت و لو بجزء منه.

و فيه: إنّه لا وجه له بعد إطلاق أدلّته، و إلّا يلزم الشكّ في صورة التصدّق، و غيرها ممّا لا ربط له بالصلاة.

أجزاء الأمر الظاهري عن الواقعي

و أمّا ما اشتهر من إجزاء الأمر الظاهري عن الواقعي، أو المأمور به الظاهري عن الواقعي، فلا بدّ من ضمّ أمر آخر إليه، و هو الإجماع علىٰ

عدم وجوب الأكثر من خمس صلوات في اليوم الواحد بالضرورة، و حيث إنّه لا يعقل تجويز اتّباع قول الثقة، و البيّنة و صياح الديك، إلّا في صورة رفع اليد عن المطلوب إلّا علىٰ حسب ما قيل في الجمع بين الأحكام الواقعيّة و الظاهريّة «1» فلازم ذلك هو عدم تنجّز التكليف، بعد مجي ء الوقت و بعد التوجّه و الالتفات، بل لازمه انتفاء الإرادة الجديّة بالنسبة إليها فيه، من غير فرق بين الإخلال بأوّل الوقت و آخره، أو الإخلال بتمام الوقت أو بعضه، كثيراً أو يسيراً.

و ما قيل: إنّ حديث الإجزاء لا معنىٰ له، لعدم الأمر بالنسبة إلى الصلاة «2»، كي يكون الظاهري مجزياً عن الواقعي، في غير محلّه؛ لأنّ

______________________________

(1) فرائد الأُصول 2: 750، كفاية الأُصول: 319.

(2) نهاية الأُصول: 126.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 146

المراد من الإجزاء ليس أكثر ممّا أشرنا إليه «1». و ربّما يكون ترك المأمور به مجزياً بالمعنى المذكور، لعدم نصّ على العنوان المذكور، بل هو عنوان في الأُصول، و لا سيّما فيما قامت البيّنة علىٰ ضيق وقت الصلاة، المنتهى إلىٰ وجوب اتّباعها تنجّزاً، ثمّ تبيّن عدم دخول الوقت.

بل، و ما ذكرنا يأتي في صورة العلم الوجداني، لما تحرّر من إمكان ردع «2» العمل به، و أنّ ما اشتهر من: أنّ حجيّته ذاتيّة، لٰا تنالها يد الجعل و التشريع و الردع، خال عن التحصيل، فليراجع.

كيفيّة التخلّص من مشكلة الجمع بين الأحكام الظاهريّة و الواقعيّة

هذا، و لكن عدلنا عن ذلك الذي حرّرناه «3» في مسألة الإجزاء الخاص و العام و الأعمّي، و أسّسنا حسب الخطابات القانونيّة، إمكان ترشّح الإرادة الجديّة، بالنسبة إلى الواجبات النفسيّة و الطريقيّة، علىٰ نعت الخطابات العامّة الكليّة القانونيّة، و بذلك تنحلّ مشكلة الجمع بين الأحكام

الظاهريّة و الواقعيّة، و إلّا فالقوم فيه صرعىٰ، فالأكثر لم يَصِلوا إلى المشكلة، و من وصل إليها فرّ من قَسْوَرة، بإنكار الإرادة الجديّة، في موارد وجود الأمر الظاهري، بالنسبة إلى الأمر الواقعي، أو إنكار الإرادة الجديّة، بالنسبة إلى الأمر الظاهري لأهمّيّة الواقع.

______________________________

(1) تهذيب الأُصول 1: 138.

(2) تحريرات في الأُصول 2: 301 و 6: 21 29.

(3) تحريرات في الأُصول 2: 307 308 و 328.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 147

و لو صحّ ما قيل من: أنّه لا واقع للأمر الواقعي قبل الوقت، كي يجزي عنه الظاهري، ليلزم ذلك حتّى في الوقت، في مورد قيام الدليل علىٰ عدم جزئيّة السورة، أو القيام، و كان هو في الحقيقة عاجزاً عنها أيضاً، ثمّ تبيّن خلافه.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، در يك جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)؛ ص: 147

و لو لا بعض المحاذير لكان القول بعدم الإجزاء، في موارد تخلّف الاجتهاد، منتفياً حسب القاعدة؛ لأنّ جريان حديث الرفع بالنسبة إلى الجاهل المركّب، محلّ إشكال، أو منع؛ لأنّه في ظرفه عالم، أو دليل الرفع منصرف عنه، و بعد تبيّن الخلاف يكون المرجع إطلاق الأدلّة الواقعيّة.

و ما ذكرناه تقريباً للإجزاء، يجري في مطلق الأوامر الظاهريّة الطريقيّة، العقلائيّة و التأسيسيّة، و في الأُصول، و ما هو محلّ منع أيضاً أعمّ، فافهم و اغتنم و اعلم.

المقام الثاني: حول مقتضى الأدلّة

اشارة

و الكلام هنا يقع في مرحلتين:

المرحلة الاولىٰ: في قاعدة «من أدرك»
اشارة

و قد مضى شطر من البحث حولها، و حيث لم يثبت جريانها بالنسبة إلىٰ أوّل الوقت، و الأدلّة المعتبرة المعمول بها، مخصوصة بآخره، فلا

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 148

وجه لإطالة الكلام حوله، مع أنّ ما هو المطلق، ربّما ينصرف إلىٰ تلك المقيّدات، المخصوصة بآخر الوقت، و لا سيّما في صدق الإدراك بالنسبة إلىٰ أوّل الوقت، كلام؛ فإنّه فرق بين ما إذا قيل: «من أدرك ركعة من الوقت». أو يقال: «من أدرك بعض وقت الصلاة». و لو قلنا بشموله لأوّل الوقت، فالنسبة بينه و بين الأدلّة الناهضة علىٰ صحّة الصلاة، بالنسبة إلىٰ «من أدرك من أوّل الوقت» و هو قد دخل بالظنّ المعتبر، عموم من وجه.

و لا تقدّم لأحدهما على الآخر، حسب الصناعة، و المرجع ما مرّ، من كفاية بعض الركعة في أوّل الوقت، بشرط صدق القضيّة الحينيّة، كما عرفت وجهه «1».

و ما قد يقال بالحكومة «2»، لأنّ قول «الذكرى» «3»: «من أدرك ركعة من الصلاة، فقد أدرك الصلاة»، يرجع إلىٰ أنّه قد أدرك الوقت، فيكون حاكماً علىٰ رواية إسماعيل بن أبي رياح الآتية، إن شاء اللّٰه تعالىٰ «4».

اللّهمّ إلّا أن يقال: لا فرق بين المعتبرين؛ فإنّ قوله «فقد أدرك الصلاة» في «الذكرى» و قوله (عليه السّلام): «فقد أجزأت عنك» «5» يرجع إلىٰ معنىٰ واحد، و ليس معنى الأوّل أنّه أدرك الوقت كلّه، بعد فساد أن يكون مراده أدرك

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 143 144.

(2) الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 95.

(3) ذكرى الشيعة: 122/ السطر 8.

(4) يأتي في الصفحة 150.

(5) نفس المصدر.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 149

ركعة من الجماعة، هذا تمام

الكلام حولها بالنسبة إلى أوّل الوقت.

و أمّا بالنسبة إلى آخر الوقت، فالإخلال بالوقت، مع إدراكه ركعة من الصلاة، فلا بأس به، إلّا أنّه في صورة تعمّد التأخير، يشكل جريانها، كما مرّ، و إن ذهب الأصحاب إلىٰ صحّة صلاته أداءً في صورة لزوم قصد الأدائيّة كما إذا كان عليه صلاة أُخرى، و قلنا بأنّه لا يقع في ذلك الوقت، الصلاة المخصوصة به إلّا بالقصد، و إلّا فلو كانت مثل صوم رمضان، فربّما يمكن القول بصحّتها، علىٰ كلّ تقدير، حتّى في صورة القصد المخالف، كما أوضحناه في كتاب الصوم «1»، مع قولنا ببطلان الترتّب.

و ما في «التهذيب» «2» «و إن طلعت الشمس قبل أن يصلّي ركعة فليقطع الصلاة، و لا يصلّي حتّى تطلع الشمس، و يذهب شعاعها» يعدّ من الأخبار الراجعة إلىٰ كراهة الأوقات الخاصّة، و سهولة قطع الصلاة في أمثال هذه المواقف، سواء كانت الصلاة واجبة أو مستحبّة، فعلى هذا، وجوب القطع ممنوع، فإذا قلنا بأنّ الأدائيّة و القضائيّة ليستا من العناوين القصديّة الشرعيّة، فلا يلزم إشكال، و تصحّ صلاته، و إلّا فالصحّة ممنوعة من جهة الإخلال بشرطها، كما لا يخفىٰ.

______________________________

(1) تحريرات في الفقه، كتاب الصوم، للمؤلّف (قدّس سرّه)، الجهة الرابعة من الفصل السابع.

(2) تهذيب الأحكام 2: 262/ 1044، وسائل الشيعة 4: 217، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 3، جامع أحاديث الشيعة 4: 289، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 28، الحديث 4.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 150

في عدم اعتبار إدراك ركعة واحدة

بقي شي ء: يمكن دعوى أنّ مقتضى القاعدة، إن كان صحّة الصلاة مشروطة بإدراكها بمقدار يصدق القضيّة الحينيّة، بالنسبة إلى الطبيعة، فلا يعتبر الركعة، بل هو شرط الطبيعة، و يصدق: أنّ الصلاة الفانية فيها الركعات

و الأجزاء، في الوقت، و تلك الأخبار لا توجب حصر الصحّة بتلك الصورة الخاصّة، إلّا من باب مفهوم اللقب.

هذا، مع أنّ كون المراد من الركعة هو معناها الخاصّ، دون الواحدة من الركوع، غير ثابت، فيلزم إجمال أخبار المسألة، فيرجع إلى القاعدة المحرّرة، و لا يقتضي عقد المستثنىٰ أكثر من ذلك، إلّا في صورة النصّ حتّى في الطهور، و لذلك اعتبروا قاطعيّة الحدث، و إلّا فما هو الشرط أي شرط طبيعة الصلاة حاصل بإيجادها و هو طاهر، فاغتنم.

المرحلة الثانية: في خصوص ما ورد في أوّل الوقت
اشارة

و هي رواية ابن أبي عمير، عن إسماعيل بن أبي رياح، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال: «إذا صلّيت و أنت ترى أنّك في وقت، و لم يدخل الوقت، فدخل الوقت، و أنت في الصلاة، فقد أجزأت عنك» «1».

______________________________

(1) الكافي 3: 286/ 11، الفقيه 1: 143/ 666، تهذيب الأحكام 2: 141/ 550، وسائل الشيعة 4: 206، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 25، الحديث 1.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 151

و هناك مسألة فيها مسائل
الأُولىٰ: قال في «العروة»: «إن تبيّن دخول الوقت في أثنائها و لو قبل السلام، صحّت،
اشارة

و لا فرق في الصحّة، بين أن يتبيّن دخول الوقت في الأثناء بعد الفراغ، أو في الأثناء، لكن بشرط أن يكون الوقت داخلًا حين التبيّن، و أمّا إذا تبيّن أنّ الوقت سيدخل قبل تمام الصلاة، فلا ينفع شيئاً» «1» انتهىٰ.

و غير خفيّ: أنّه ربّما يترشّح الخبر عن القاعدة التي أشرنا إليها، من غير أن يلزم تقييد في إطلاق عقد مستثنى «لا تعاد» ضرورة أنّ الطبيعة توصف بالوقت و لو بالنسبة إلىٰ بعض أجزائها.

و هذا الذي ذكرناه لا ينافي عدم جواز الدخول قبل الوقت عن علم و عمد، كما هو واضح، و عندئذٍ لا نحتاج إليه و إلى تنقيح خصوصيّاته، و تثبيت حجّيّته، و إلّا فربّما يشكل؛ لأنّه:

أوّلًا: ليس من المراسيل الاصطلاحيّة؛ لإسناد ابن أبي عمير إليه (عليه السّلام)، بواسطة إسماعيل المجهول، و ربّما يحكي عن الضعيف، مع أنّ المسألة غير إجماعيّة؛ لذهاب جمع إلى البطلان، كالعمانيّ و الإسكافيّ و الشريف المرتضىٰ، بل و «المختلف» و «الموجز» و تلميذه في «كشفه» و الأردبيلي و تلميذه «2».

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 531، فصل في أحكام الأوقات، المسألة 3.

(2) حكاه في مستمسك العروة الوثقىٰ 5: 156، لاحظ جواهر الكلام 7: 276، حكاه عن العمّاني و

الإسكافي في مختلف الشيعة 2: 49، رسائل الشريف المرتضىٰ 2: 350، الموجز و كشف الالتباس (غير موجود)، مجمع الفائدة و البرهان 2: 53، مدارك الأحكام 3: 101.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 152

و قد حكى الوالد المحقّق- مدّ ظلّه «1»، عن المرتضىٰ (رحمه اللّٰه) نسبة البطلان إلىٰ محقّقي الأصحاب و محصّليهم.

و لكن ما في خصوص ابن أبي عمير زائداً علىٰ أصحاب الإجماع، من أنّه لا يروي إلّا عن الثقة الثبت، ينافي ذلك، و كيف كان فلو اقتضت القاعدة بطلانها فلا يكفي لصحتها مثل الخبر الواحد المشار إليه، و لو كان في سنده الأعيان خصوصاً مثل أحمد بن محمّد بن عيسىٰ «2».

مع أنّه غير واضح، لما في بعض النسخ: «محمّد بن يحيىٰ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد» «3».

و في سند آخر ذكر «التهذيب»: عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن يعقوب بن يزيد «4» عنه، و هو و إن كان ثقة، إلّا أنّ هو أبو يوسف الكاتب من

______________________________

(1) الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 97.

(2) حيث كان شديد النكير على الضعفاء و من يروي عنهم، يظهر ذلك ممّا ورد في ترجمة عدة من الرواة ك «أحمد بن محمّد بن خالد البرقي» و «محمّد بن علي الصيرفي أبي سمينة» و «سهل بن زياد الآدمي الرازي» فإنّ أحمد بن محمّد بن عيسىٰ أخرجهم من قم لضعفهم أو لضعف من يروون عنه. لاحظ رجال النجاشي: 76/ 182 و 185/ 490 و 332/ 894.

(3) الكافي 3: 286/ 11.

(4) تهذيب الأحكام 2: 35/ 110.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 153

كتّاب المنتصر- لعنه اللّٰه «1».

فعلى كلّ، إنّ هناك زمان الاشتغال بالصلاة، و زمان

دخول الوقت، و زمان كشف الخلل و الخطأ، و المفروض أنّه ليس عامداً بالاشتغال قبل الوقت، و يكون الظاهر أنّه يعتقد، و إنّما جهله مركّب.

و احتمال كونه أعمّ أو أنّه الظنّ؛ لاستعماله فيه أحياناً، و لو كان ظنّاً غير معتبر، غير سديد، فقد ورد في كثير من الأخبار أنّه هو الرؤية الحاصلة من الحسّ البصري؛ فإنّ حقيقة صحّة استناده إليه، دون غيره، فلا يقال: رأى بأُذنه، أو بلمسه و ذوقه، بل هو رأى ببصره، كما ورد في الخبر: «و لا عين رأت، و لا اذن سمعت» «2» و دخول الوقت ممّا يراه في الظهر بالبصر، لأجل رؤية تمايل الشمس إلى الحاجب الأيمن، أو من ناحية الشاخص و الظلّ، و في المغرب و الصبح أوضح، و لأجله صحّ النقاش في صورة حصول العلم بالدخول، من جهة أُخرى غير الباصرة، فما في «الجواهر» «3» في محلّه من جهة دون اخرىٰ، فلا تخلط.

ففي نفس هذه المسألة مصحّح زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) «وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيت بعد ذلك و قد صلّيت، أعدت الصلاة، و مضىٰ صومك» «4» فإنّه لا يريد منه الظنّ، و لا الرؤية بمعنى الاعتقاد، بل

______________________________

(1) يعقوب بن يزيد بن حمّاد الأنباري السلمي، أبو يوسف من كتّاب المنتصر لعنه اللّٰه، روى عن أبي جعفر الثاني (عليه السّلام)، انتقل إلىٰ بغداد و كان ثقة صدوقاً. رجال النجاشي: 450/ 1215.

(2) وسائل الشيعة 10: 478، كتاب الصوم، أبواب صوم المندوب، الباب 26، الحديث 10.

(3) جواهر الكلام 7: 277.

(4) الكافي 3: 279/ 5، تهذيب الأحكام 4: 271/ 818، وسائل الشيعة 4: 178، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 16، الحديث 17.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)،

ص: 154

هو بالمعنى الحاصل من الإحساس.

فلو كان مقتضى القاعدة هو البطلان، فربّما يحتمل دخالة الكشف الخاصّ، لا مطلق الكشف، و لو كان معتبراً؛ فإنّ المحرّر في محلّه، قيام الطرق مقام القطع دون الرواية، و أيضاً قد تحرّر قيامها مقامه، في صورة عدم احتمال اعتبار طريقيّته الكاملة التامّة، غير المحتمل لاحتمال الخلاف تكويناً «1».

و حديث تتميم الكشف «2» من الأباطيل التي لا محلّ له ثبوتاً، و لا إثباتاً، كما نقّحناه في الأُصول «3»، فاحتمال كون الرواية مربوطة بالأيّام التي يعجز فيها عن القطع، لأجل الغيم و غيره، غير صحيح. و لا تشمل أيضاً صورة الغفلة؛ لقوله (عليه السّلام) «و أنت ترى» فإنّه ظاهر في الالتفات.

و بالجملة: لا بدّ و أن يكون مشتغلًا بالصلاة؛ لقوله (عليه السّلام) «و أنت في الصلاة» مع أنّ أداة الشرط الواردة على الماضي، تفيد الاستقبال أو الحال، كما في صدر الخبر- أي: «إذا كنت تصلّي و أنت ترى.».

و أمّا لزوم كون الوقت الثالث و هو وقت كشف الخلاف بعد دخول الوقت، أو بعد الصلاة، حتّى لا يكون الزمان الأوّل و هو زمان الاشتغال مقروناً بزمان كشف الخطأ، بأن صلّىٰ ركعة و هو يرىٰ أنّه دخل الوقت، ثمّ تبيّن أنّه في غير الوقت، و لكنّه يدخل الوقت لو أتمّ صلاته

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 6: 139 141.

(2) فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 106 108.

(3) تحريرات في الأُصول 6: 139 140.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 155

و أدام اشتغاله، فهو غير واضح؛ ضرورة أنّه يصدق أنّه كان يصلّي بالقياس إلى الركعة الأُولىٰ، و هو يرىٰ أنّه في الوقت، و لم يدخل الوقت بحسب الواقع، فدخل الوقت في الركعة الرابعة،

و هو في الصلاة، فإنّها أجزأت عنه؛ لاحتمال كفاية الإحراز الإثباتي، و الدخول الثبوتى لصحّة الصلاة، كما في آخر الوقت، إلّا أنّ إدراكه في آخر الوقت كافٍ للركعة الأُولىٰ، و لو كانت البقية خارجة من الوقت، و في أوّل الوقت إدراك مقدار منها واقعاً، مع إحراز الوقت إثباتاً، بالنسبة إلىٰ مقدار منها، أيضاً كاف، مع أنّه يرىٰ في الفرضين خروجها عن الوقت واقعاً، و يتدارك لزوم إدراك ركعة في آخر الوقت، مع جواز علمه بخروج بقية الصلاة خارجه، بلزوم إحرازه إثباتاً دخول الوقت في أوّل الوقت، مع كفاية أقلّ من الركعة في الوقت، فتوسعة و تضييق في الفرضين، كما لا يخفىٰ.

تنبيه: احتمال اعتبار إحراز خطأه بالنسبة إلى الوقت في الصلاة

يحتمل اعتبار إحراز خطأه، بالنسبة إلى الوقت في الصلاة، كي يأتي بها بقصد القربة المعتبرة في جميع القيود، و منها الوقت، و لا تصحّ لَوْ توجّه إلى الخطأ، بعد الصلاة و الفراغ عنها؛ و ذلك لأنّ المفروض في الرواية «إذا صلّيت و أنت ترى أنّك في وقت» و هذا يكفي لاستفادة الإحراز، و روية دخول الوقت، و هو في الصلاة؛ لكفاية ذلك القيد المذكور في الصدر عن الذيل، فقوله (عليه السّلام) «فدخل الوقت» ناظر إلىٰ أنّه رأى دخول الوقت واقعاً، لا تخيّلًا و جهلًا مركّباً، و بالجملة: معنى الرواية: فترى دخول

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 156

الوقت و أنت في الصلاة.

في اتّحاد زمان كشف الخلاف و زمان دخول الوقت و زمان الاشتغال و معنى الاتحاد هنا

و لو أبيت عن ذلك، و لا سيّما لقوله (عليه السّلام): «و لم يدخل الوقت» فلا أقلّ من صالحيّة الصدر لعدم انعقاد إطلاق الذيل، فيكون القدر المتيقّن: هو اتّحاد زمان كشف الخلاف، و زمان دخول الوقت، و زمان الاشتغال، و المراد من الاتّحاد ليس الوحدة الحدوثيّة، بل المراد أنّه مشتغل بالصلاة، و توجّه إلى الخطأ، و كان قد دخل الوقت و لو قبل كشف الخطأ.

و يستظهر عن بعض الأعلام عفي عنه أولويّة صحّة الصلاة لو كان الكشف بعد الصلاة، كما ترى بالنسبة إلى القبلة بعد انقضاء الوقت.

و فيه: أنّه غفلة عن احتمال اعتبار قصد القربة المتمكّن منه حال الصلاة، و في الأثناء، لا بعدها.

و بالجملة: حجّيّة الخبر المذكور غير بعيدة جدّاً، لاشتهار المسألة من قديم الأيّام، و إنّما الكلام حول دلالة الرواية، فلا يبعد اختصاصها بصورة دخول الوقت واقعاً، و هو في الصلاة، و قد التفت إليه في الأثناء، فإنّها قد أجزأت عنه، كما أنّ قوله (عليه السّلام): «و أنت في

الصلاة» يختصّ بصورة مقدار يعتدّ به من الصلاة، كالركعة الأخيرة، أو التشهّد و السجدتين، و أمّا لو كان الدخول حين السلام، و لا سيّما بين كلمة «السلام» و كلمة «عليك»

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 157

و بالأخص إذا كان في أثناء «و رحمة اللّٰه و بركاته» التي تعدّ من الأجزاء المستحبّة، فقد عرفت موافقة ذلك مع القاعدة حسب ما حرّرناه.

بقي فرع: في مَن دخل في الصلاة و التفت أنّه لا يدرك إلّا ركعة

و هو أنّه كما بحثنا عن مسألة الأداء و القضاء آخر الوقت، بناءً على اعتبارهما و كونهما من العناوين القصديّة اللازمة، و كان من المحتمل أن يدخل في الصلاة بقصد الأداء، ثمّ التفت أنّه لا يدرك من الصلاة إلّا ركعة، فتكون بقية الركعات أدائيّة؛ لأنّهما من أوصاف الطبيعة، لا الأجزاء. إذا اعتقد و رأىٰ دخول الوقت، ثمّ التفت بدخوله في الأثناء أو التفت بعد ذلك، فالأشبه كفاية الجهالة المركّبة بالنسبة إلىٰ دخول الوقت في حصول قصد الأداء.

و إذا دخل الوقت و التفت إليه فيقصد الأدائيّة، لترشّح قصدها بالنسبة إلىٰ مقدار من الصلاة؛ لأجل الجهل المركّب، و ترشّحه بالنسبة إلى المقدار الباقي، لتوجّهه إلى الصحّة التي أدرك مقداراً منها و هي في وقتها، فالبحث عن أنّ هذه الصلاة بين الأداء و اللّاأداء و اللاقضاء، أو أنّها ليست أداء مطلقاً فتكون الرواية دليلًا علىٰ عدم اعتبارهما أو تكون القسمة الخارجة لا أداء و لا قضاء و الباقي أداء، في غير محلّه، بل هي حجّة، علىٰ أنّهما صفتا الطبيعة دون الأجزاء، فيكفي اتّصاف بعضها بأحد العنوانين.

فمن الناحية الأُولىٰ أي: أوّل الوقت أداء، لوقوع مقدار منها فيه،

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 158

و من الناحية الثانية أيضاً أداء، لسبق صفة الأداء على الطبيعة علىٰ

صفة القضاء، و الصلاة الواحدة أمّا أداء أو قضاء، و تقسيمها إلى الركعات و الأجزاء ليس من تقسيم المأمور به بما هو مأمور به.

مسألة في بعض صور خلل الوقت و فيها فروع:
اشارة

لو أحرز الوقت فدخل في الصلاة، ثمّ انكشف أنّه كان علىٰ جهالة، و لكنّه بعد، إمّا شاكّ في دخوله، أو عالم بدخوله الآن، و لكنّه شاكّ في أنّ صلاته كانت في الوقت أو في خارجه.

و على الأخير تارة هو في الصلاة، و تبدّل إحرازه إلىٰ إحراز الدخول، و لكنّه شاكّ في أنّ صلاته كانت في الركعة الاولىٰ في الوقت أم في خارجه، و أُخرى هو بعد الفراغ.

و على الأخير إمّا أن يكون شاكّاً في وقوع الركعة الأخيرة في الوقت، أو يكون عالماً بوقوعها فيه، و لكنّه بالنسبة إلى الركعات الأُول شاكّ.

و غير خفيّ: أنّه تارة يتبدّل جهله المركّب إلى الشكّ، و هو حين التبدّل في الوقت، و أُخرى يتبدّل جهله المركّب إلى الشكّ، و هو بعد شاكّ، و لكنّه يعلم بدخول الوقت، و هو في الركعة الأخيرة مثلًا.

كما أنّه تارة يعلم تأريخ تبدّل جهالته بالوقت إلى الشكّ، و أُخرى لا يعلم ذلك، فلا تغفل و لا تخلط، و قد تعرّض في «العروة الوثقىٰ» «1»

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 532، فصل في أحكام الأوقات، المسألة 5 7.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 159

و «صلاة» شيخ مشايخنا «1» جدّ أولادي (قدّس سرّهما) لبعض ما أُشير إليه.

و غير خفيّ: أنّ مقتضى الاستصحاب عدم دخول الوقت، سواء كان الالتفات و التبدّل في الأثناء أو بعده، علم تأريخ التبدّل أو لم يعلم؛ لأنّه لا ينقض اليقين بالشكّ و لو تخلّل اليقين الآخر الزائل الذي هو جهل مركّب، بل في عدّه يقيناً عندي إشكال أو منع،

و لذلك تعبيرهم بالشكّ الساري أولىٰ من قاعدة اليقين.

فما هو السبب لصحّة الصلاة التي أدرك بعض وقتها بدخوله في أثنائها، إمّا منتف و غير محتاج إلى الاستصحاب، أو بالاستصحاب يثبت عدم الدخول، حتّى لو كان ذلك الالتفات بعد الفراغ، و قلنا بالوجوب المعلّق لا المشروط بالنسبة إلى الصلاة و الوقت؛ لأنّ قاعدة التجاوز و الفراغ تجري بالنسبة إلى الصلاة الواجبة بالوجوب المنجّز، فما ترى في الفروع التي ذكر السيّد و الشيخ المذكورين، لا يخلو عن نوع تعسّف.

و دعوىٰ: أنّه مثبت غير مسموعة؛ لأنّه مضافاً إلىٰ أنّه عندنا كالأمارة في الاعتبار، ليس إلّا نفي الحكم بنفي شرطه أو ظرفه، فلا حكم كي تتحقّق القضيّة الحينيّة، بل علىٰ ما ذكرنا من صحّة الصلاة إذا أدرك مقداراً منها في الوقت لا تصحّ الصلاة؛ لإلحاقها بصورة الدخول فيها، و هو علىٰ يقين بعدم دخول الوقت، و لو كان ذلك بعد الدخول فيها و الفراغ عنها، و لذلك لا تقاس صورة الشكّ في الوقت بصورة الجهالة و العلم التخيّلي، بدعوىٰ أنّها صحيحة حسب الرواية في

______________________________

(1) الصلاة، المحقّق الحائري: 26 27.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 160

الفرض الثاني، إذا علم بعدم دخول الوقت بعد الدخول، فكيف لا تصحّ في صورة الشكّ؟! و من الغريب: أنّه حين الشكّ يعلم إجمالًا بوجوب الإتمام أو وجوب الإعادة، و حيث إنّ إيجاب الإعادة في غير محلّه؛ لأنّه ليس حكماً شرعياً، بل يجب عليه أن لا يكتفي بما في يده، فيشكّ في حرمة قطعه، فتجري البراءة، مع أنّ قضيّة الاستصحاب انحلاله الحكمي.

اللّهمّ إلّا أن يعارض بالبراءة عن وجوب الإعادة، فحينئذٍ فالأمر كما عرفت.

القول: بجواز إتمام ما بيده برجاء كونه مأموراً به

و أمّا دعوى جواز إتمام ما بيده برجاء كونه مأموراً

به، فلو التفت، دخول الوقت بعد ذلك فلا تجب الإعادة «1»، فهو كدعوى الإتيان بها بعد قيام الحجّة علىٰ عدم دخول الوقت برجاء انكشاف الخلاف، و وقوع صلاته مجموعاً في الوقت، فإنّه غير تامّ حسب الارتكاز الشرعي، و إلّا فيسري ذلك إلىٰ كافّة الأُمور كما تحرّر.

بقي فرع: و هو ما إذا دخل الوقت، و زالت رؤيته و جهله المركّب، إلّا أنّه لا يدري تأريخ زواله.

فإنّه بمقتضىٰ خبر ابن أبي عمير «2» صحّت صلاته، إذا انكشف الخلاف

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقىٰ 5: 160، الهامش 4.

(2) تقدّم في الصفحة 150.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 161

في الوقت مثلًا، علىٰ تفصيل قد مضى.

و لو لم يعلم التأريخ فلا يعلم اندراجه في الخبر؛ لاشتراط اتّصال زمان زوال الجهل المركّب بزمان دخول الوقت، أو بإحراز دخول الوقت واقعاً، و قضيّة استصحاب عدم الاتّصال هو البطلان.

و فيه: إنّ مقتضى استصحاب بقاء الإحراز و الجهل المركّب إلىٰ زمان الدخول، صحّة الصلاة، و الاستصحاب الأوّل ليس له الحالة السابقة، بخلاف الثانية.

هذا، مع أنّه لو انكشف دخول الوقت بعد الصلاة، يكون الاستصحاب من القسم العدم الأزلي، و هو أنّه لم يكن إحرازه للوقت و الجهل المركب متّصلًا بدخول الوقت في الأثناء، مع أنّه ليس له الحالة السابقة إلّا بعدم الموضوع، و لا يقول بجريانه السيّد الوالد المحقّق- مدّ ظلّه «1» من جهة، و لا سيّدنا الأُستاذ الفقيه البروجرديّ «2»، من جهة انصراف دليله.

تذنيب: في الإخلال بالوقت من جهة الصلاة جهلًا أو نسياناً خارج الوقت

قد مرّ حكم الإخلال بالوقت من جهة الابتداء و قبل مجيئه، و أمّا لو أخلّ بالوقت، بأن صلّىٰ جهلًا أو نسياناً أو غير ذلك، فالمشهور هو البطلان،

______________________________

(1) تهذيب الأُصول 1: 480.

(2) نهاية الأُصول: 335 338.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى

الخميني)، ص: 162

بل هو المجمع عليه تحصيلًا و نقلًا «1»، و لو لم يعتبر بذلك فيكفيك ما ورد من الأخبار كصحيح زرارة «2» بالنسبة إلىٰ أوّل الوقت، و أيضاً صحيحه الآخر بالنسبة إلىٰ وقت المغرب إذا غاب القرص قال (عليه السّلام): «فإن رأيت القرص بعد ذلك، و قد صلّيت، أعدت الصلاة، و مضىٰ صومك» «3» و هنا يظهر التفكيك بينهما، إلّا أنّ الكلام في مقتضى الآية أوّلًا، ثمّ الأخبار.

و الذي ظهر لي و تحرّر: أنّ قوله تعالىٰ أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ. «4» إلىٰ آخره، لا يفيد إلّا تحديد أوقات الصلوات الخمس، و إنّ جميع الصلوات واجبة في هذه الأوقات، و أمّا بطلان الصلاة النهاريّة في الليل، مع قطع النظر عن أخبار القضاء، فهو غير معلوم، بل و صلاة الليل في النهار.

كما أنّ مذهبنا علىٰ أن يأتي بالعصر، بعد أربع ركعات من الدلوك، مع أنّه ليس بعصر لغة، و هكذا العشاء، فالمسألة في التوسعة حسب الكتاب، إلّا أنّ الجمع بين الأخبار المحدّدة و الآية الشريفة، يقتضي تعدّد

______________________________

(1) الحدائق الناظرة 6: 285 و 287، جواهر الكلام 7: 280، مستمسك العروة الوثقىٰ 5: 155.

(2) عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام)، في رجل صلّى الغداة بليل غرّه من ذلك القمر و نام حتّى طلعت الشمس فأخبر أنّه صلّىٰ بليل، قال: يعيد صلاته. الكافي 3: 285/ 4، تهذيب الأحكام 2: 254/ 1008، وسائل الشيعة 4: 281، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 59، الحديث 1.

(3) الكافي 3: 279/ 5، تهذيب الأحكام 2: 261/ 1039، وسائل الشيعة 4: 178، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 16، الحديث 17.

(4) الإسراء (17): 78.

الخلل في الصلاة (للسيد

مصطفى الخميني)، ص: 163

المطلوب، إلّا ما يدلّ على البطلان، و إلّا فقوله (عليه السّلام): «أعدت الصلاة» قابل للحمل على الاستحباب.

و عندئذٍ لا تنافي ذلك مع قاعدة «لا تعاد» فإنّ الإخلال بالوقت الموجب للإعادة، هو أن يصلّي الغداة بعد طلوع الشمس، أو الصلوات الأُخر قبل الدلوك، و نتيجة ذلك وجوب المبادرة إلى الظهرين بعد الغروب.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ الآية نزلت في موقع كان المسلمون واقفون علىٰ أوقات الصلوات اليوميّة، و يفهمون منها ما كان عليه سيرتهم المعلومة عندهم عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و تفصيل المسألة في الأوقات.

و علىٰ كلّ تقدير، بعد ورود الأخبار في القضاء، و بعد عدم كون الأدائيّة و القضائيّة من العناوين المنوّعة اللازمة رعايتها، لا يبقىٰ فرض الإخلال بالوقت من ناحية آخره، سواء قلنا بحكومة حديث الرفع على القاعدة أو العكس، و سواء قلنا بجريان الاستصحاب في متعلّقات الأحكام أو لم نقل؛ ضرورة أنّه علىٰ جميع التقادير تصحّ صلاة الظهرين في وقت المغرب و العشاء، و هكذا العشائين في وقت الصبح، و الصبح بعد طلوع الشمس.

نعم، بالنسبة إلىٰ إتيان المغرب و العشاء قبل الغروب، يمكن دعوى صحّتهما حتّى عمداً حسب الآية، إلّا أنّ الضرورة علىٰ خلافه، و الآية ناظرة إلىٰ ما كان معروفاً عند المسلمين، فتكون الآية ناظرة إلىٰ أوقات الفرائض المتعاقبة المتدرّجة المعلومة عند المسلمين، و لذلك ترى انطباقها عليها، فلا يلزم أن تكون بعض الأخبار خلاف الكتاب، و لا يبقىٰ

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 164

وجه لاحتمال صحّة الصلاة الليليّة الفرضيّة قبل الغروب، لا عمداً و لا جهلًا و نسياناً و غفلة علىٰ جميع التقادير، لتقدّم «لا تعاد» علىٰ حديث

الرفع، حسب ما تحرّر منّا أخيراً.

تذنيب آخر: في مدرك قاعدة «من أدرك» سنداً و دلالة

قد مرّ الكلام حول قاعدة «من أدرك» و محصّل البحث: أنّ هذه القاعدة لا مدرك لها إلّا مرسلة في «المدارك» و «مفتاح الكرامة»: «من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت» «1».

و مرسلة «الذكرى»: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة»، و مرسلتها الأُخرىٰ: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر» «2».

و مرسلة «كتاب الاستغاثة» لأبي القاسم عليّ بن أحمد الكوفيّ، أنّه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال: «من أدرك من صلاة العصر ركعة واحدة، قبل أن تغيب الشمس، أدرك العصر في وقتها» «3».

و خبر الأصبغ بن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): «من أدرك من الغداة ركعة، قبل طلوع الشمس، فقد أدرك الغداة تامّة» «4».

______________________________

(1) مدارك الأحكام 3: 92، مفتاح الكرامة 2: 44/ السطر 29.

(2) ذكرى الشيعة: 122/ السطر 8، مسند أحمد 2: 265، صحيح مسلم 1: 161 و 423.

(3) مستدرك الوسائل 3: 140، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 24، الحديث 1.

(4) تهذيب الأحكام 2: 38/ 119، وسائل الشيعة 4: 217، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 2.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 165

و هذه الأخبار غير حجّة ظاهراً، لعدم انجبار أسنادها بالشهرة العمليّة، بل و مجرّد التوافق لو كان يكفي للجبران، كما عليه الأُستاذ الفقيه البروجرديّ (رحمه اللّٰه) «1»، لكنّ كفايته هنا غير واضحة؛ لوجود معتبر الساباطيّ عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): «إذا غلبته عيناه [عينه] أو عاقه أمر أن يصلّي الفجر إلىٰ أن تطلع الشمس، و ذلك في المكتوبة خاصّة، فإن صلّىٰ ركعة من الغداة، ثمّ طلعت الشمس فليتمّ، فقد جازت صلاته، و

إن طلعت الشمس قبل أن يصلّي ركعة فليقطع الصلاة، و لا يصلّي حتّى تطلع الشمس، و يذهب شعاعها» «2».

فإنّ الشهرة ربّما تكون مستندة إليه بإلغاء الخصوصيّة أو وجود شي ء آخر عندهم غير واصل إلينا، فالإخلال بالوقت من ناحية آخره لا يضرّ في خصوص صلاة الغداة، مع مساعدة الاعتبار له، لابتلاء عموم الشباب بالنوم في الوقت المذكور، فإلغاء الخصوصيّة مشكل.

نعم، قد احتملنا حجّيّة كلّ ما كان مشهوراً بين الأصحاب، و أنّ قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «خذ بما اشتهر بين أصحابك» «3» ليس مخصوصاً بالمرجعيّة أو المرجّحيّة عند التعارض، بل هو قاعة كلّيّة، و أنّ المجمع عليه قانون إسلامي، للتمييز بين الحجّة و اللّاحجّة، إلّا أنّه يتمسّك بهما في مقام

______________________________

(1) نهاية التقرير 1: 42.

(2) تهذيب الأحكام 2: 262/ 81، جامع أحاديث الشيعة 4: 289، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 28، الحديث 4.

(3) روي عن الصادق (عليه السّلام) أنّه قال: «خذ بما اشتهر بين أصحابك و دع ما ندر». عوالي اللآلي 3: 129/ 12، المهذّب البارع 1: 561.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 166

الترجيح و التمييز، و تفصيله في الأُصول.

عدم ثبوت «إطلاق» يكون مرجعاً عند الشكّ في بعض الخصوصيّات

فقاعدة «من أدرك» لو كان لها سند، فهذا طريقه، مع موافقة فتوى الأصحاب لمضمونه، إلّا أنّه لا يثبت بالأخير إطلاق يكون مرجعاً عند الشكّ في بعض الخصوصيّات، مثل احتمال كونه مشتغلًا في الصلاة، و قد أدرك ركعة، كما هو ظاهر الموثّقة «1»، حيث أمر بالقطع في ذيلها، فمن أخّر الصلاة و لو لعذر، قد فاتته الصلاة و لو كان يتمكّن من إدراك الركعة.

فالاحتمالات كثيرة سعة و ضيقاً؛ من جواز التأخير عمداً من غير عقوبة، و من كفاية إدراك الركوع عند الاشتغال

بالصلاة، فطلعت الشمس فإنّ الركع مصدر، و واحدته الركعة، فلو طلعت الشمس بعدها، قبل الهوي إلى السجود صحّت، إلّا أنّه علىٰ وفق القاعدة؛ لأنّ الأصحاب فهموا منه وجوب المبادرة عند التمكّن من الإدراك، و لو أخّر عمداً أو غفلة و عن عذر، في مقابل احتمال كون النظر إلىٰ وجوب الإتمام، بعد مضي إدراك ركعة و انقضاء الوقت، من غير التفات و عن عذر.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ لفظة «من» تتضمّن الشرط، فتكون فيه فائدة الاستقبال، فلو قال: «من جاءك من العلماء فأكرمهم» فإنّه صحيح، كما إذا أتى بأداة الشرط، فاحتمال اختصاص القاعدة بصورة دخوله في الوقت، مع

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 165.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 167

اعتقاده سعة الوقت للصلاة «1»، قابل للرفع و إن يساعده الاعتبار، للخبر السابق المخصوص بأوّل الوقت، و أنّه يرى الوقت، فممّا مضى يظهر مواضع ضعف ترى في كلماتهم (رحمهم اللّٰه).

بقي شي ء: في تأخير صلاة الغداة أو العصر أو العشاء آخر الوقت

لو أخّر صلاة الغداة أو العشاء إلىٰ آخر الوقت، أو العصر إلىٰ أن بقي مقدار ركعة، فلا يلزم إشكال إلّا أنّ اختصاص الغداة بالنصّ «2» دونهما، و دون الظهر و المغرب، ربّما كان لأجل عدم لزوم إشكال، و هو إشغال وقت الصلاة الأُخرىٰ، و هذا يؤيّد الخصوصيّة، و يبعد إلغائها، و لا سيّما لو قلنا بالوقت الاختصاصي على الإطلاق بالنسبة إلى الشريكة و غيرها.

و لو أغمضنا بالنسبة إلى العصر و العشاء، بناء على الوقت الاضطراري، و كان المفروض عدم إتيانه العشائين، كما هو الأظهر الأشبه، و لكن يشكل الأمر بالنسبة إلىٰ من أخّر الظهرين إلىٰ خمس ركعات، أو العشائين إلىٰ أربع ركعات، فيمكن دعوى انصراف الأخبار عن هذه الصورة، و لو قلنا بالوقت الاختصاصي، و إلّا

فلا منع عن جريانها علىٰ جميع المباني في الوقت، بعد صراحتهم بشمولها للمتأخّر المتعمّد «3»، و أنّه تجب عليه

______________________________

(1) الصلاة، المحقق الحائري: 17، انظر مستمسك العروة الوثقىٰ 5: 101.

(2) وسائل الشيعة 4: 217، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 1 و 2 و 3.

(3) الصلاة، (تقريرات المحقّق الداماد) المؤمن 1: 63، الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 109، مهذّب الأحكام 5: 91.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 168

المبادرة؛ ضرورة أنّه بإدراك ركعة من الصلاة السابقة لا يتعذّر عن إدراك الركعة من اللاحقة، و ليس في ذلك تزاحم أوّلًا.

مع أنّه لا منع مع كون التزاحم بسوء الاختيار، أو مع الاعتذار عن شمولها له، من غير حاجة إلىٰ ما في «صلاة» جَدِّ أولادي (قدّس سرّه)، من فرض مجموع الصلاتين واحداً «1»، مع أنّه غير جائز عقلًا، و لا اعتباراً.

أمّا الأوّل فواضح؛ لتعدّد الأمر بخلاف النافلة.

و أمّا الثاني فللزوم كفاية إدراك ركعة لصحّتهما مجموعاً.

و لا إلىٰ ما أفاده الوالد المحقّق- مدّ ظلّه من حكومة «من أدرك» علىٰ أخبار تفيد الشأنيّة و الاقتضائيّة، بالنسبة إلى الوقت المضيّق «2»؛ ضرورة أنّ في رواية ابن فرقد: إنّ الشريكة في آخر الوقت توجب بطلانهما و فوتهما «3» و رواية «من أدرك» «4»: يتدارك الفوت، و تكون الصلاة تامّة فإنّه لو كان يتدارك و لا يفوت و تكون تامّة، فيلزم جواز التأخير العمدي، و أن لا يتدارك بعض المصلحة، و يفوت شي ء منها، و تكون تامّة بالنسبة إلىٰ غير المتعمّد، فلا حكومة فيشكل بالنسبة إلى الثانية؛ لفوت بعض المصلحة عمداً، و قد فات بعض المصلحة من الاولىٰ من غير إمكان التدارك، في صورة التأخير عمداً.

و غير خفيّ: أنّه

مع قطع النظر عن الانصراف المذكور إن قلنا

______________________________

(1) الصلاة، المحقّق الحائري: 18.

(2) الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 110.

(3) تقدّم في الصفحة 128.

(4) وسائل الشيعة 4: 218، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 4.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 169

بالاشتراك فلا حاجة إلىٰ «من أدرك» إلّا بالنسبة إلى الثانية، و إن قلنا بالاختصاص فنحتاج في صحّة كلّ منهما إليه، و إن قلنا بالاقتضاء و الشأنيّة، فلا حاجة إليه في الأُولىٰ دون الثانية.

اللّهمّ إلّا أن يقال: أنّ «من أدرك» منصرف إلىٰ مطلق الوقت، فإذا كان الثاني مزاحماً للأوّل، فبدون «من أدرك» لا يمكن تصحيح الاولىٰ، نعم لو كان التأخير بمثل هذه الأعذار جائزاً، فلا حاجة إليه إلّا في الثانية.

و لو قلنا: بأنّ «من أدرك» ظاهر في وقت الإجزاء، بحيث يكون لولاه عمله باطلًا، كما هو الأقرب الأشبه، فالثانية تحتاج إلىٰ «من أدرك» و ربّما تقع الأُولىٰ صحيحة؛ لكونها في وقتها، و لكنّه يعاقب على التأخير العمدي بالنسبة إلى الثانية، أو باطلة لصيرورتها مبغوضة، علىٰ تأمّل تحرّر في محلّه.

بقي شي ء ثانٍ: في حالات المصلّي و إدراك ركعة آخر الوقت

تختلف حالات المصلّي بالنسبة إلىٰ إدراك الركعة حسب الأعذار البدنيّة و الأمراض و الاتّفاقات الأحيانيّة كصلاة الغرقىٰ و هكذا، فعلى القول باعتبار سند القاعدة، فشمولها لمثلهم أولىٰ و إن كان الانصراف إلىٰ غيرهم أقرب، و الأمر سهل.

و علىٰ هذا لو كان التأخير لإحراز الشرائط الأُخر مخلّاً بإدراك الركعة، فهل تسقط الشرطيّة، نظراً إلىٰ أهميّة الوقت؟ أو أنّ موضوعها الركعة الجامعة للشرائط فهو خارج عن القاعدة؟

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 170

أو هناك تفصيل بين ما له البدل كالطهور الترابي، بالنسبة إلى المائي فيتيمّم، و يدرك الركعة «فإنّ الصلاة لا تترك بحال»

و الطهور الأعمّ لا يخلّ بالصلاة؛ لقوله (عليه السّلام): «لا صلاة إلّا بطهور» «1» و من هنا يلزم حسب الصناعة التفصيل بين ما اعتبر في الصلاة علىٰ وجه لا تعدّ الصلاة صلاة، و لا الركعة ركعة منها بدونه، كفاتحة الكتاب، علىٰ إشكال في صدور «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» لخلو الكتب المعتبرة منه، إلّا كتاب «المستدرك» «2».

و القيام عن صلب، و هكذا بعض الشرائط مثل ما في معتبر زرارة «لا صلاة إلّا إلى القبلة» «3»؛ و بين ما لا يكون كذلك؛ لأنّ المستفاد من أدلّة الوقت أهمّيّة الصلاة بالنسبة إليه، و الذي تجرّ الصلاة الناقصة القاصرة حتّى الإشارة حسب الصناعة، عن التامّة القضائيّة، بل نفس هذه القاعدة تكشف عن أهمّيّته، و أنّها ترشّحت عن ذلك الاهتمام الكثير.

بقي شي ء ثالث: في استفادة الشرطيّة و الجزئيّة من عبارات الأعلام

قد اشتهر عدم دلالة هذه التعابير علىٰ أكثر من الشرطيّة و الجزئيّة، و إنّما هو تفنّن في التعبير، فالوقت بعد انكشاف الاهتمام به في الشريعة بمثل ما مرّ، يقدّم علىٰ كافّة المزاحمات الأُخر بأجمعها، و عندئذٍ لو كان

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 73.

(2) مستدرك الوسائل 4: 158، كتاب الصلاة، أبواب القراءة، الباب 1، الحديث 5.

(3) تقدّم في الصفحة 92.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 171

تعلّمه فاتحة الكتاب و التكبيرة و غيرهما موجباً للإخلال بالوقت، بمقدار إدراك ركعة من الصلاة عرفاً، يقدّم الوقت الاضطراري و الإدراكي عليه، إذ تصدق الركعة على المأتي به لغة حتّى بالنسبة إلى الطهور، فضلًا عن غيره، و اللّٰه الموفّق العالم.

و علىٰ هذا لا فرق بين التعبير الوارد في «الذكرى» و غيرها «1»، و بين ما ورد في «المدارك»: «من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت» «2» و بين القول: «بأنّ من

أدرك الوقت بمقدار ركعة فكما أدرك الوقت كلّه» فإنّه علىٰ تقدير يقدّم الوقت علىٰ مطلق الشرائط.

و علىٰ تعبير و تحرير: لا بدّ و أن تكون الركعة جامعة لسائر الشرائط؛ كي يدرك الصلاة تامّة من جهة الإخلال بالوقت، لا الإخلال بسائر الشروط.

فما في «صلاة» جدّ أولادي «3» غير تامّ، مع أنّه يلزم أن تكون المسألة من قبيل الأخبار مع الواسطة، بناء علىٰ عدم لزوم الاشتغال الفعلي، و كفاية التقديري، و لزوم المبادرة، فإنّه إذا توسّع الوقت، و اعتبر خارج الوقت وقتاً، يجوز أن يصير هذا الخارج المعدود وقتاً أيضاً موسّعاً، و تكون الرواية عندئذٍ دليلًا على المضايقة، خلافاً لما حرّرناه من التوسعة، مع أنّه أداء لا قضاء و هكذا، فاغتنم.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 148.

(2) مدارك الأحكام 3: 93.

(3) الصلاة، المحقّق الحائري: 18 19.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 172

و إليك شي ء رابع: في اختصاص روايات المسألة بمدرك الركعة

للأخباريّ أو بعض الأُصوليين اختصاص مصبّ روايات المسألة بخصوص مدرك الركعة، دون الركعتين، أو الأكثر من ركعة، و الأُصولي لا يفهم ذلك، و لا تكون هذه الروايات من قبيل قوله تعالىٰ فَلٰا تَقُلْ لَهُمٰا أُفٍّ «1» و لا تغفل عن قصّة أبان و «لأنّ السنّة إذا قيست محق الدين» «2» و لا يكون مورد الروايات من قبيل تلك القصّة.

فرع: في شرطيّة الوقت

و فيه فروع:

لو لم يكن عالماً بشرطيّة الوقت فصلّى، ثمّ تبيّن أنّ صلاته في الوقت، أو كان عارفاً بالشرطيّة و الوقت، و غفل فصلّى، ثمّ التفت و تبيّن أنّها في الوقت، أو سها و نسي الشرطيّة فصلّى و كانت هي في الوقت المحدود لها تماماً، أو المضروب لها إدراكاً، لقاعدة الإدراك لو كان جاهلًا بالشرطيّة أو نسي الشرطيّة، أو لم يكن يعلم قاعدة الإدراك أو نسي، أو صلّىٰ غافلًا عن الوقت ابتداءً أو انتهاءً، فصلّى و لم يتبيّن له أنّ صلاته وقعت في الوقت أو لم تقع، أو أدرك من الوقت مقدار ركعة أم لم يدرك.

______________________________

(1) الإسراء (17): 23.

(2) الكافي 7: 299/ 6، تهذيب الأحكام 10: 184/ 719، وسائل الشيعة 29: 352، كتاب الدّيات، أبواب ديات الأعضاء، الباب 44، الحديث 1.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 173

فتارة يقال: بجريان قاعدة الفراغ، و قاعدة الإدراك، لإطلاقهما أو استصحاب بقاء الوقت بعد ما يعلم بعدم دركه تمام الوقت، و هو فعلًا خارج الوقت، و ذلك إمّا لأجل الاستصحاب، أو قاعدة الفراغ فتصحّ صلاته.

أو يقال: باختصاص القاعدة بالشكّ في التطبيق، و لا يعمّ الشكّ في الانطباق، فهي لا تجري، و الاستصحاب في الفرض الأخير مثبت.

و أمّا إذا علم بعد الفراغ بالشرطيّة و إدراك ركعة أو ارتفع نسيانه،

فجريان قاعدة «من أدرك» غير ممنوع.

اللّهمّ إلّا أن يستفاد من الموثّقة مفروغيّة المصبّ الخاصّ لها، بعد عدم تماميّة سند سائر الأخبار، كما هو الأشبه إلّا أنّ مقتضى القاعدة صحّة الصلاة إذا وقعت الطبيعة في الجملة في الوقت.

و هذا هو عندي المستند، كما أنّ الاستصحاب عندي كالأمارة، و تكون مثبتاته حجّة على الأظهر، بخلاف قاعدة الفراغ، فإنّ الأشبه مصبّها الشكّ في التطبيق، فلا يعمّ الجاهل، و لا الغافل أو الناسي للحكم.

نعم، يبقىٰ شي ء و هو لزوم قصد القربة بالنسبة إلىٰ جميع القيود و الشرائط، كما يلزم بالنسبة إلىٰ جميع الأجزاء و الأركان، إلّا أن يقال بكفاية القربة المجملة في هذه الصور، أو يقال: إنّ الوقت و إن كان قيداً لبّا إلّا أنّ الصلاة بالنسبة إليه من قبيل القضيّة الحينيّة، فلا يعتبر قصد القربة بالنسبة إلى الوقت.

نعم، في صورة العمد و الإخلال بالقربة بالرياء، بالنسبة إلى الوقت إذا سرىٰ إلى الصلاة تبطل.

و نتيجة بعض ما مرّ: إنّ مقتضى استصحاب عدم دخول الوقت، أو بقاء

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 174

الضحىٰ إلىٰ أن صلّىٰ قبل الوقت، بطلانها لحجّيّة المثبت، حسب ما حرّرناه في الأُصول، فليتأمّل.

فذلكة: في استصحاب بقاء الوقت عند الشكّ بمقدار الوقت الإدراكي

كثيراً ما لا يتمكّن المكلّف من الاطّلاع على المقدار الباقي من الوقت، مع احتمال بقائه بمقدار إدراك تمام الوقت، أو يعلم مضي الوقت، و لكن يكون علىٰ شكّ بمقدار الوقت الإدراكي؛ لعدم وجود الحجّة عنده، فربّما يستصحب بالاستصحاب الاستقبالي نفس الوقت، و ربّما يستصحب إدراكه الوقت، لكونه على اليقين بذلك، و ربّما يستصحب أنّه كان مدرك وقت الصلاة، أو الوقت الإدراكي، أو الوقت الاضطراري الجاري فيه الوقت الإدراكي، كما بالنسبة إلىٰ وقت العشائين، و شكّ في طلوع الفجر.

و لا منع

عندي من جريانه من ناحية المثبتيّة، و لكن حجّيّة الاستصحاب الاستقبالي مورد المناقشة.

نعم بالنسبة إلى الاستصحاب الحالي يكون الشكّ فعليّاً، و لا انصراف بالنسبة إليه في أدلّة الاستصحاب بالضرورة، فلو شكّ في آخر الوقت أنّه يدرك ركعة مثلًا، فلا بأس بالاستصحابات المذكورة.

اللّهمّ إلّا أن يقال: بأنّ ما هو الحالة السابقة، هو العلم بإدراك الصلاة، و لا أثر في هذا الحال لإدراك الركعة، و إذا كان مشتغلًا بالصلاة، و شكّ في أنّه يدرك ركعة لا بأس باستصحاب الوقت و جزءه، إلّا أنّه من الاستقبالي، و الشكّ و لو كان فعليّاً و القضيّة المشكوك فيها منطبقة على

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 175

الزمان المستقبل، إلّا أنّ إطلاق أدلّة الاستصحاب غير واضح، فليتدبّر جيّداً.

و يجوز الاستصحاب الحكمي الجزئي؛ ضرورة أنّ الصلاة واجبة بين الحدّين، و التأخير حرام مثلًا إلىٰ حدّ لا يدرك الركعة، فاغتنم و تدبّر.

مسألة: لو بقي من الوقت مقدار ثلاث ركعات و هو مسافر

فبالنسبة إلى الظهرين يأتي الاولىٰ ثمّ الثانية، و التأخير معذور فيه؛ لأجل إطلاق دليل الترتيب.

و أمّا بالنسبة إلى العشائين فالترتيب قيد لصحّة المتأخّر دون المتقدّم، فإن أتى بالمغرب يفوت العشاء الآخرة، و صحّت الاولىٰ للاشتراك، و لو عكس أدرك الصلاتين تامّتين مثلًا، إلّا أنّه أخلّ بالترتيب، و قد كان يتمكّن من إحرازه بالقضاء، فلا مرجّح لاختيار الاولىٰ على الصورة الثانية من هذه الجهة، بعد فوت أصل الصلاة، إلّا أنّ المستفاد من الآية «1» أنّ آخر الوقت حتّى على الاشتراك اعتبر وقت العشاء الآخرة، و هذا أمر بعيد عن الأذهان، و إلّا فبإتيان العشاء قبل المغرب يدرك ركعة من غير عصيان؛ لأنّه معذور.

و هنا احتمال ثالث و هو: الإتيان بالعشاء الآخرة دون المغرب، فيجوز له التأخير إلىٰ إدراك الركعتين، كما

لو نسي و أتى بالعشاء، ثمّ بعد مضي الوقت التفت إلىٰ بطلان المغرب، أو عدم الإتيان به، فليس عليه إلّا قضاء المغرب، و ذلك لما أُشير إليه من ارتكاز أذهان المتشرّعة علىٰ إتيان العشاء في آخر الوقت، و لذلك سمّيت بالآخرة، و أمّا الترتيب فهو

______________________________

(1) أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ. الإسراء (17): 78.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 176

معذور فيه، كما لو توجّه أنّه ما بقي من الوقت إلّا مقدار ركعتين مثلًا في هذه المسألة.

و إليك وجه رابع و هو: الاقتحام، كما ورد في اقتحام صلاة الفريضة في الآية «1»، و لو كان موافقاً للقاعدة، فيجوز، و يجب في صورة بقاء مقدار الركعتين أن يأتي بركعة من الاولىٰ ثمّ بركعة من الثانية في مطلق المسائل، مسافراً كان أو حاضراً، إلّا أنّ قضيّة أخبار العدول حسب الظاهر، اشتراط تقدّم الاولىٰ على الثانية في مطلق الأجزاء.

و قضيّة قوله (عليه السّلام): «إلّا أنّ هذه قبل هذه» «2» لزوم تقدّم الطبيعة على الطبيعة، بمعنى عدم تقدّم الثانية على الاولىٰ.

و حيث إنّ الاقتحام ممنوع، حتّى حكي: أنّ الشهيد (رحمه اللّٰه) استشكل «3» في مورد النصوص، فضلًا عن غيره و إن قيل بجوازه «4»، حسب القاعدة، و تفصيله في محلّه، يكون الوجه الثاني أقرب إلى القواعد، و لو شكّ فالاحتياط غير ممكن؛ لاحتمال بطلان المغرب كما يحتمل بطلان العشاء المتقدّمة، بل لبطلانها مع ترك المغرب في هذه الصورة حتّى لو أخّر إلىٰ درك الركعتين، فضلًا عن الركعة الواحدة، فليتأمّل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 7: 490 كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 5، الحديث 4.

(2) تقدّم في الصفحة 128.

(3) جواهر الكلام 11: 463، ذكرى الشيعة: 247/ السطر

6، مصباح الفقيه، الصلاة: 491/ السطر 3.

(4) الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 2: 176 و 177.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 177

المسألة الرابعة حول خلل الصلاة من جهة الطهارة الحدثيّة

اشارة

و الكلام يقع في جهات:

الجهة الاولىٰ: في بيان صور الإخلال بالطهارة الحدثيّة

في قضيّة القواعد في صورة العلم بعدم الطهور أو الحجّة علىٰ عدمه وضوء أو غسلًا أو تيمّماً، بعد الفراغ عن وجوب وجوده حين الصلاة، فلا بحث في فاقد الطهورين، فصور العلم بفقدانه كثيرة؛ لأنّها تارة يكون في الأثناء، و أُخرى بعد الصلاة و في الوقت، و الثالثة بعد الوقت.

و علىٰ كلّ تقدير تارة يكون دخوله لأجل الاتّكال على العلم، و أُخرى لأجل الاتّكال على الحجّة و الأمارة، و ثالثة على الأصل كالاستصحاب، و رابعة على التقيّة، و خامسة تبدّل الاجتهاد.

و علىٰ كلّ تقدير تارة يلتفت إلىٰ أنّه لم يأت بالوضوء أو الغسل

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 178

و غيرهما، و أُخرى إلىٰ أنّه كان باطلًا إلّا أنّه محكوم بالصحّة لقاعدة الفراغ و غيرها.

و علىٰ بعض التقادير تارة يشكّ في الطهور، و هو في الأثناء، و أُخرى يشكّ بعد الفراغ أو غير ذلك.

و أيضاً تارة يتوجّه إلى الخلل بأن يتذكّر، و قد نسي، و أُخرى يتعلّم بأن كان جاهلًا بالشرطيّة و بالنسبة إلىٰ أصل الطهور، أو خصوصيّة من خصوصيّاته جهلًا قصوراً أو تقصيراً، حكماً أو موضوعاً، بأن يتوجّه إلىٰ أنّه توضّأ بالمضاف أو المتنجّس أو غير ذلك، و هو كثير، و لا سيّما حسب الحكم.

و ثالثة يترك الطهور إكراهاً إلىٰ أن يضيق الوقت فيكره على الصلاة، أو نقول بوجوبها عندئذٍ.

و رابعة يضطرّ مثلًا إلىٰ ترك الطهور، و يكون هو باقياً في جميع الوقت على الصورتين الآنفتين.

و خامسة يغفل عنه فيأتي بها بلا طهور.

و على الصور الأخيرة ربّما يرتفع الاضطرار و الإكراه و الغفلة، في الوقت أو في الأثناء، بناء علىٰ إمكان الاضطرار إلى الترك، أو يضطرّ إلىٰ أمر

وجودي مزاحم ينتهي إلىٰ تركه، و ربّما يتخيل التقيّة فيلتفت إلىٰ سوء عقيدته و اشتباهه، و ثالثة يشكّ في ذلك علىٰ أقسام التقيّة المهاباتيّة و المراداتيّة و غيرهما.

و بالنتيجة: تبيّنت كثرة الصور، و إنّ منها ما لو التفت في أثناء الصلاة و كان قد أخلّ به، أو التفت أنّه أحدث في الأثناء إلّا أنّه فاقد الطهورين

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 179

إلىٰ آخر الوقت، أو فاقد الماء دون التراب و هكذا، هذه هي الجهة الاولىٰ في المسألة.

الجهة الثانية: في ذكر ما تقتضيه القواعد في المقام

ربّما يقدّم حديث الرفع علىٰ مستثنى «لا تعاد» في مطلق الفقرات؛ لحكومته عليه، كما عرفت وجهه، و يشمل «رفع ما لا يعلمون» صور تبدّل الاجتهاد، و صور الجهل المركّب بحسب الواقع، ففي جميع الفروض تنتفي الشرطيّة، و تقيّد دليلها كسائر الموارد.

هذا مع أنّ حديث الرفع يتقوّىٰ بقاعدة «كلّما غلب اللّٰه» «1» في بعض الموارد، مع أنّ في موارد التقيّة و تبدّل الاجتهاد يكون الأمر أوضح، حسب أدلّته و شهراته مع سعة الوقت.

و لا سيّما في موارد الاتّكال على الأُصول، و مثل الاستصحاب، بل و قاعدة التجاوز، و الفراغ، و أصالة الصحّة؛ فإنّه في جميع تلك الموارد إمّا نفس القواعد تقتضي الإجزاء أو حديث الرفع، حسب مختلف فقرأته، في مختلف الفروض، فربّما يتمسّك ب «رفع ما لا يعلمون»، و ربّما ب «رفع ما لا يطيقون و ما اضطرّوا إليه» كما لو قلنا بوجوب الإتمام في الأثناء، فإنّ الفقيه يحتال،

______________________________

(1) عن علي بن مهزيار، أنّه سأله يعني أبا الحسن الثالث (عليه السّلام) عن هذه المسألة؟ فقال: لا يقضي الصوم و لا يقضي الصلاة، و كلّ ما غلب اللّٰه عليه فاللّٰه أولىٰ بالعذر. الفقيه 1: 237/ 1042، وسائل

الشيعة 8: 259، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 3، الحديث 3.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 180

كما عرفت في بعض البحوث السابقة.

و لكن قد عرفت أخيراً تقدّم عقد المستثنىٰ علىٰ حديث الرفع أوّلًا، مع أنّ «رفع ما لا يعلمون» ظاهر في الجهالة الالتفاتيّة فلا يشمل الجهل المركّب، و موارد تبدّل الاجتهاد، و مسألة «كلّما غلب اللّٰه» بمناسبة كلمة «العذر» مخصوصة بموارد خارج الوقت لولا الدليل الآخر، الحاكم عليه أو المقيّد له خاصّاً، و قد تحرّر وجه بطلان التمسّك برفع الاضطرار في أمثال المقام في محلّه صناعة «1»، مع أنّ السيّد الوالد المحقّق- مدّ ظلّه قد صرّح بعدم عملهم به في أمثال المقام «2».

و من الممكن دعوى أنّ قوله (عليه السّلام): «لا صلاة إلّا بطهور» «3» مقدّم صناعة علىٰ جميع الأدلّة؛ لأنّ الفاقد ليس بصلاة، فيبقىٰ قوله تعالىٰ أَقِمِ الصَّلٰاةَ «4» و الأمر بها باقٍ ادّعاء.

و يؤيّده بعض الأخبار الخاصّة في خصوص العقوبة على الصلاة بلا طهور «5»، أو أنّ الصلاة إذا تمّ ركنه و سجوده و طهوره فالباقي لا يعتنىٰ به.

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 7: 115 و ما بعدها.

(2) الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 130.

(3) تقدّم في الصفحة 73.

(4) العنكبوت (29): 45.

(5) عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: اقعد رجل من الأحبار في قبره فقيل له: إنّا جالدوك مائة جلدة من عذاب اللّٰه «عزّ و جلّ» فقال: «لا أطيقها» فلم يزالوا به حتّى انتهوا إلىٰ جلدة واحدة، فقالوا: «ليس منها بدّ»، فقال: «فيما تجلدونيها»؟ قالوا: «نجلدك أنّك صلّيت يوماً بغير وضوء». الفقيه 1: 35/ 130، وسائل الشيعة 1: 368، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 2، الحديث 2.

الخلل في الصلاة

(للسيد مصطفى الخميني)، ص: 181

نعم في موارد التقيّة لا يبعد، و أمّا في موارد الاتّكال على القواعد و الإجزاء بالنظر إليها فلا يتمّ، علىٰ ما أسّسناه في وجه نفي الإجزاء في مسألة الجمع بين الأحكام الظاهريّة و الواقعيّة «1»، فليراجع.

و الذي هو مقتضى التحقيق: أنّ في كلّ مورد كان الاتّكال على الأمارات و ما بحكمها، و منها الاستصحاب و القواعد فالإجزاء و الصحّة الواقعيّة ممنوعة، و في كلّ مورد كان إطلاق دليل الواقع مقيّداً و لو بحديث رفع «النسيان، و العجز، و ما لا يطيقون» و غير ذلك، كانت الصحّة الواقعيّة متّبعة.

و أمّا مسألة «لا صلاة إلّا بطهور» فهو يردّ الدور في الأشباه و النظائر، و من التفنّن في التعبير، مع إمكان التقييد و التزامهم به في الخبثي، فإنّ الطهور عن الخبث هو القدر المتيقّن لوروده هناك في صحيحة زرارة و غيره، و قد ورد في «الخلاف» و غيره «2» «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» دون غيره من الكتب المعتبر، مع أنّه ورد «أنّ القراءة سنّة، و لا تنقض السنّة الفريضة» فلا تكن من الشاعرين.

نعم، في خصوص مستثنى «لا تعاد» تكون المزيّة للخمسة حسب القواعد، و المتّبع هي الأدلّة الخاصّة، و المسألة عند الأصحاب و المتشرّعة كأنّهما واضحة، و هو أنّ الصلاة بلا طهور، و لو كان ماء الطهور

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 2: 303 و 307 308.

(2) الخلاف 1: 327 328 و 342، المبسوط 1: 106، تذكرة الفقهاء 3: 130، التنقيح الرائع 1: 197، سنن ابن ماجه 1: 273/ 837، سنن الترمذي 1: 156/ 247.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 182

أو ترابه غير طاهر واقعاً، باطلة، و تعدّ هذه الصورة المذكورة

من الصلاة بلا طهور أيضاً، ففي خصوص الطهور اتّفقت القواعد و الاغتراس علىٰ بطلان الصلاة، في صورة الاختلال بالطهور الحدثي.

الجهة الثالثة: في ذكر بعض فروع خلل الطهور

اشارة

و التي ربّما يهمّ الكلام حولها، أو يبتلي بها المكلّف أمور:

منها: لو صلّىٰ و التفت في الأثناء إلىٰ فقد الطهور.

منها: لو صلّىٰ مع طهور، و أحدث في الأثناء، و الوقت واسع.

منها: لو صلّىٰ مع الطهور المائي و أحدث في الأثناء، و هو فاقد الماء، و الوقت واسع.

منها: لو صلّىٰ مع الطهور المائي، و أحدث في الأثناء و الوقت مضيّق، و الماء موجود.

منها: لو صلّىٰ مع المائي، و الوقت لا يدرك إلّا بقاعدة الإدراك، و الماء موجود.

منها: لو صلّىٰ مع الترابي و أحدث، و الوقت واسع أو مضيّق، فكان فاقد الطهورين، و هكذا أشباه هذه المسائل و الفروع.

فلنا أن نقول: إنّ ما هو مفاد عقد المستثنىٰ بالنسبة إلى الطهور ليس إلّا ما هو مفاده بالنسبة إلى القبلة و الوقت، و إنّ طبيعة الصلاة لا بدّ و أن تكون تدرك الوقت من الابتداء أو الآخر طبيعي الوقت، و هكذا بالنسبة إلى القبلة، فلو التفت في الأثناء إلىٰ خطائه فعاد نحو القبلة،

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 183

فحسبه اجتهاده مثلًا، و لا تزيد هذه الأخبار علىٰ مفاد عقد المستثنىٰ، و عندئذٍ لو كانت طبيعة صلاة الظهر أو العشاء واجدة للطهور فربّما هي داخلة في عقد المستثنىٰ، و لا تكون باطلة لكونها مع الطهور.

كما ترى ذلك في أخبار العدول «1»، فإنّه يعلم منها كفاية كون الركعات بطبعها متلوّنة بلون الظهريّة، بل يكفي عندهم جزء يسير منها، فلو صحّ ما ذكر حسب العقل و الشواهد النقليّة، صحّت الصلاة في جميع الفروض المذكورة، لعدم الإخلال بالطهارة الحدثيّة بالنسبة إلى

الطبيعة الفانية فيها الأجزاء.

و هذا التقريب يناسب قوله (عليه السّلام): «لا صلاة إلّا بطهور» أيضاً، و هكذا يناسب ما لو كان في بعض صلاته متطهّراً بالمائي، و بعضه بالترابي، أو كان بعضه ترابيّاً فقط.

ذكر ما تقتضيه الأخبار في المقام

هذا أيضاً بالنظر إلى القواعد، و لكن مقتضى الأخبار و إن كانت مخصوصة بالناسي اعتبار الطهور في مطلق الأجزاء؛ لأنّ الطائفة الآمرة بالإعادة على الإطلاق واردة في موارد الاختلال مطلقاً، و الطائفة الآمرة بالاستئناف، فهي في مورد نسيان جزء من الوضوء، أو نسيان مسح الرأس، و هو الأكثر إلّا أنّ الأمر بالإعادة يوجب الوثوق بعدم كفاية الوضوء بالنسبة إلىٰ بقيّة الطبيعة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 184

اللّهمّ إلّا أن يقال: أوّلًا: باختصاصه بالنسيان، فلا يشمل مورد الجهل، أو الاضطرار المرتفع في الأثناء، و غير ذلك.

و ثانياً: في رواية «التهذيب» بإسناده عن أبي بصير في رجل شكّ، ما يومئ إلىٰ كفاية كون الصلاة بطبيعتها مقطوعة الطهور في الجملة «1».

إلّا أنّ الإنصاف لا يساعدنا، و الاغتراس و الارتكاز علىٰ خلافنا.

و أمّا لو أحدث في الأثناء، فإن كان من الأحداث القاطعة للهيئة الاتّصاليّة، كما في بعض الأخبار من نسبة القطع إلىٰ مثل الريح و الصوت و غيرهما «2»، و قلنا أنّه يرجع في الاعتبار إلى الفصل، و حلّ الغزل و الحبالة و إفسادها و كسرها الاعتباري لوجود الطبيعة الخارجيّة.

و إن كان من نواقض الوضوء و الطهور، فالصلاة باطلة من ناحيتين، و منعدمة طبعاً في الاعتبار، فمع سعة الوقت يعيد الوضوء و الصلاة، و أمّا مع ضيق الوقت الحقيقي، بأن لو تيمّم يدرك الوقت الحقيقي، و إلّا فيدرك الوقت الإدراكي، فالأشبه هو التوضّؤ

و إدراك الوقت لما عرفت.

______________________________

(1) عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل نسي أن يمسح على رأسه فذكر و هو في الصلاة فقال: «إن كان قد استيقن ذلك انصرف فمسح علىٰ رأسه و على رجليه و استقبل الصلاة و إن شكّ فلم يدر مسح أو لم يمسح فليتناول من لحيته إن كانت مبتلّة و ليمسح علىٰ رأسه، و إن كان أمامه ماء فليتناول منه فليمسح به رأسه». تهذيب الأحكام 2: 201/ 787، وسائل الشيعة 1: 471، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 42، الحديث 8، جامع أحاديث الشيعة 2: 411، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 31، الحديث 13.

(2) وسائل الشيعة 1: 245، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 1 و 2.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 185

و أمّا لو لم يكن يدرك من الوقت حتّى الوقت الإدراكي، فتفوته الصلاة لو توضّأ فهل يتيمّم، و يدرك بقية الصلاة في الوقت الحقيقي أو يستأنف الصلاة بالتيمّم؟ وجهان.

و بعد القول بأنّ ضيق الوقت من المسوّغات، فلا يبعد صحّة التيمّم.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إطلاق دليل القطع يوجب اعتبار معدوميّة ما بيده، فعليه الاستئناف بالتيمّم و لو أدرك ركعة.

و الإنصاف: إنّ القواطع الطبيعيّة العرفيّة كالكلام الطويل، و القهقهة غير مثل الحدث، فإنّه لا يعدّ قاطعاً، و ربّما كان ذلك لأجل كون الحدث مبطلًا، و ناقضاً للطهور، و مبطلًا للصلاة ببطلان الطهور، فعند ذلك لو دلّ دليل علىٰ جواز التوضّؤ في الأثناء بعد الحدث، و تتميم الصلاة علىٰ وجه لا يلزم المنافاة العرفيّة، أو القواطع الواقعيّة فلا يبعد الأخذ به، و لا سيّما في ضيق الوقت، فإنّ الوقت ممّا يهمّ عند الشرع، و الصلاة بالنسبة إليه

تفوت، و تنقلب من الفرد الكامل قضاء إلى الفرد الناقص جدّاً أداءً في موارد كثيرة محرّرة في الفقه «1»، و لا سيّما مع احتمال كون التوضّؤ و الاشتغال به من الصلاة ممّا يقع في الأثناء، و هي عبادة.

فما في بعض الأخبار الصريحة التي كالصحيحة، مثل ما رواه محمّد بن مسلم، و زرارة في «الفقيه» و «التهذيبين» قال زرارة: فقلت له: دخلها و هو متيمّم فصلّى ركعة و أحدث، فأصاب ماءً، قال: «يخرج و يتوضّأ

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 233، فصل في شرائط الوضوء، الثامن، و 480، فصل في أحكام التيمم، السابع، و 536 و 538، فصل في أحكام الأوقات، المسألة 15 و 18 و 19.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 186

و يبني علىٰ ما مضى من صلاته التي صلّىٰ بالتيمّم» «1».

و هكذا الرواية الأُخرىٰ «2»، بل و ثالثة «3»، بل و رابعة في أبواب قواطع الصلاة من «الوسائل» حيث اعتبر نقض الصلاة بالتكلّم فقط «4».

و لو لا مخافة الاغتراس كان الإفتاء علىٰ طبقها متعيّناً؛ لصحّة السند، و أهمّيّة الوقت بحملها علىٰ صورة ضيق الوقت مثلًا إلّا أنّه مشكل، و يظهر أنّ المسألة ليست قطعيّة العدم، من حمل الشيخ بعض الأخبار علىٰ بعض فروع المتن «5».

بقيت فروع أُخر في مسألة خلل الطهور

و هي أن يحدث في التشهّد قبل السلام، أو قبل التشهّد، أو قبل

______________________________

(1) الفقيه 1: 58/ 214، وسائل الشيعة 7: 236، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 10.

(2) سمعت رجلًا يسأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل وجد غمزاً في بطنه أو أذى أو عصراً من البول و هو في صلاة المكتوبة في الركعة الأُولىٰ أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة. فقال: «إذا أصاب

شيئاً من ذلك فلا بأس بأن يخرج لحاجته تلك فيتوضّأ ثمّ ينصرف إلىٰ مصلّاه الّذي كان يصلّى فيه فيبنى علىٰ صلاته من الموضع الّذي خرج منه لحاجته ما لم ينقص الصلاة بالكلام». تهذيب الأحكام 2: 355/ 1468، وسائل الشيعة 7: 237، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 11.

(3) جامع أحاديث الشيعة 3: 120، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 12، الحديث 6.

(4) وسائل الشيعة 7: 236، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 9.

(5) الاستبصار 1: 401 ذيل حديث 4، وسائل الشيعة 7: 236 237، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، ذيل حديث 9 و 11.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 187

السلام و بعد التشهّد، فإنّ مقتضى القاعدة عندنا إنّ حديث «لا تعاد» ناظر إلىٰ مقام الامتثال حسب الظاهر، فلو كان الحدث من القواطع، فهو من السنّة و «السنّة لا تنقض الفريضة».

و أمّا التمسّك ب «لا تعاد» فهو أيضاً في محلّه؛ لأنّ الإعادة من قبل الخمسة لازمة دون غيرها، سواء كان من الأجزاء و الشرائط الراجعة إلىٰ مرحلة تقرّر الماهيّة، أو إلى الفروع الراجعة إلىٰ مرحلة الوجود.

فلو أحدث بعد السجدتين فإمّا يكون البطلان مستنداً إلى القاطع، فهو داخل في عقد المستثنىٰ منه، و في قوله (عليه السّلام): «إنّ السنّة لا تنقض الفريضة» و الحدث قاطع من السنّة بالمعنى الأعمّ.

و إمّا يكون البطلان مستنداً إلى الإخلال بشرط الصلاة على الإطلاق، فهو في غير محلّه؛ لأنّها واجدة للشرط المذكور، إلىٰ ما بعد السجدة، أو إلىٰ شرط التشهّد، لاشتراط دوام الطهور إلى السلام، فهو من جهة الشرط من عقد المستثنىٰ، و من جهة المشروط من عقد المستثنىٰ منه، و حيث يكون ترك التشهّد

رأساً غير مضرّ؛ لأنّه من السنّة، فكيف يمكن أن يكون من ناحية شرطه كالموالاة مثلًا مضرّاً، فهذا يؤيّد ما ذكرناه من كفاية كون الطبيعة لها الطهور، فبالحدث يخرج عن الصلاة، إن قلنا بقاطعيّته، إلّا أنّه لا يوجب الإعادة لما أُشير إليه.

و ما في جملة من الأخبار المختلفة لساناً، ربّما يكون ناظراً إلىٰ

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 188

هذه المقالة، و قد ذكرها «الوسائل» في أبواب قواطع الصلاة «1»، و يظهر من حمل الشيخ (رحمه اللّٰه) علىٰ حصول الحدث نسياناً، و خصّه بالتيمّم «2» أنّ ما مضى غير بعيد، كما يظهر من نفس هذه الأخبار الإشارة إلى التقيّة و فتواهم الشاهر الفجيع، و إن كان يمكن التقييد إلّا أنّه واضح الكذب عند صغار أبناء الإماميّة.

و هناك تقريب ينتهي إلى البطلان حسب القاعدة، لإمكان التفكيك في الاعتبار؛ ضرورة أنّ الحدث في الأثناء من الحدث في الصلاة، و عندئذٍ ينقض الطهور و هو داخل في عقد المستثنىٰ، فيلزم الإخلال بالركن الذي هو موجود في جميع الأحوال الصلاتيّة الركنيّة و غير الركنيّة، و ليس وضع الطهور مختلفاً باختلاف أوضاع الأحوال، و الأجزاء، و الأفعال الركنيّة، و غير الركنيّة.

و مقتضى عكس نقيض ذيل القاعدة: إنّ كلّ ما ينقض الفريضة ليس من السنّة، و الطهور لا ينقض الفريضة؛ لأنّه ممّا فرضه اللّٰه في الكتاب، فالصلاة تبطل من جهة شرط ركني قائم بالمصلّي، أو بالصلاة من الابتداء إلى الانتهاء، بناء علىٰ ما هو المعروف عندهم، و المركوز في أذهانهم، نعم يمكن التقييد بالقيد المعتبر، و هو غير موجود.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 7: 235 237، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 9 و 10 و 11.

(2) الاستبصار 1: 401.

الخلل

في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 189

المسألة الخامسة في بحوث خلل الصلاة من ناحية الطهارة الخبثيّة

اشارة

و تمام القول فيها في مباحث:

المبحث الأوّل: في مقتضى القواعد

و قبل الخوض فيها نشير إلىٰ أنّ صور المسألة بين من أخلّ عالماً عامداً، أو جاهلًا بقسميه، بالحكمين التكليفي و الوضعي علىٰ سبيل منع الخلو و الموضوع، أو لنسيان الحكم و الموضوع هكذا، أو الاضطرار إلى الموضوع مثلًا، أو ما يشبهه.

و علىٰ كلّ تقدير، إمّا يعلم و يتذكّر في الأثناء، أو بعد الصلاة، أو بعد الوقت، بعد الفراغ عن وحدة الحكم في النجاسات، و إلّا فلا منع من التفصيل من هذه الناحية، و غير ذلك ممّا يظهر حكمه خلال المباحث إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 190

ثمّ الأصحاب المحقّقون بين من يقول بالتفصيل حسب القواعد، و عليه الجلّ لولا الكلّ، إلّا أنّ هنا نظرين إلى القواعد، فبالنظر إلى القواعد الأوّليّة، بعد الفراغ عن إطلاق أدلّة الشرطيّة، يجوز تقريب ينتهي إلى اشتراك الصور فيه، نعم بالنسبة إلى القواعد الثانويّة فلا.

و أمّا بالنسبة إلى القواعد الأوّليّة فيمكن أن يقال بالبطلان نظراً إلىٰ أنّ الإطلاقات اشترك فيها جميع الناس.

و أمّا في الشبهة الموضوعيّة و نسيان الموضوع أو الجهل؛ فلأنّ الجعل العام المشترك لا يشهد إلّا باقتضاء البطلان، و بفقد المشروط بالاختلال بشرطه و إلّا فهو لغو، أو بأنّ الأمر بالصلاة في الطاهر، أو بأنّ النهي عن الصلاة في النجس، ليس إلّا في صورة العلم بهما، و لا تجري البراءة العقليّة في مطلق الشبهات الموضوعيّة؛ لأنّ وظيفة الشرع بيان الحكم لا الموضوع و غيره ذلك.

و أمّا البراءة النقليّة، و قواعد الحلّ و الطهارة لا تفيد أكثر من الصحّة الظاهريّة، و جواز الاكتفاء، و إلّا فالصلاة باطلة لو كانت في النجس واقعاً.

و لكنّ المحرّر في محلّه: أنّ أمثال هذه

البيانات غير تامّة و لو ضمّ بعضها إلىٰ بعض، فإنّ القوانين الكلّيّة العامّة بعد وجود العالم بها بين الناس في الجملة، يكفي لتصحيح ضربها القانوني الجدّي، و لو كان وجود العالم من باب الاتّفاق كما هو كذلك، و في صورة فرض الجهل العامّ لا

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 191

يعقل ضربه كي يكون له الامتثال «1»، و حديث عدم جريان البراءة العقليّة و لو كانت حينيّة كما نحن فيه، غير تامّ يطلب من الأُصول «2».

فعلى هذا لا تقريب صحيح عامّ لمطلق الصور إلّا ما ينتهي إلى اختلاف الصور، حسب القواعد الأوّليّة أو الثانويّة، و لأجل ذلك نتعرض له علىٰ حدة.

المبحث الثاني: الخلل العمدي في الطهارة الخبثيّة يوجب البطلان

اشارة

الإخلال العمدي بلا عذر يوجب عندنا البطلان، و قضيّة تعدّد المطلوب أو تعدّد الأمر الترتّبي، أو وجود الأمرين بالفعل، خروج عن الجهة المبحوث عنها، و هي كون متعلّق الأمر من الأقلّ و الأكثر الارتباطي، و إلّا فالأمر بالصلاة ينحلّ إلىٰ مراتبها المختلفة فيتعدّد الأمر، و بالتداخل من ناحية المسبّب للعلم بكفاية الواحدة كما في الأغسال يتمّ المطلوب، كما حرّرناه في الأُصول «3».

الخلل مع العذر في الطهارة الخبثيّة لا يوجب البطلان

و أمّا مع العذر كالاضطرار و الإكراه و التقيّة و غير ذلك، فالصحّة قويّة لو كان لبس الثوب النجس مورد الاضطرار، و يكون مانعاً، و إلّا لو

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 3: 451 455.

(2) تحريرات في الأُصول 7: 135 137.

(3) تحريرات في الأُصول 5: 74 و ما بعدها.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 192

كان الشرط معنىً عدميّاً أو يكون معنى المانع هو الشرط العدمي، فشمول دليل الاضطرار مشكل؛ لأنّ ترك الشرط ليس مورد الأمر و الأثر الشرعي، بخلاف إيجاد المانع.

و قد تحرّر: أنّ ما هو مصبّ العناوين التسعة لا بدّ و أن يكون مورد الأمر أو النهي «1»، مع أنّ الاضطرار إلى العدم يرجع إلى اللابدّية بالنسبة إلى الطبيعة الفاقدة، أو تركها بالمرّة، و الميسور لا يسقط بالمعسور، فلو لم يبق من الوقت إلّا دركها ناقصة فعليه ذلك، لما عرفت أنّ الفقيه يشرف علىٰ تقدّمه علىٰ سائر الأُمور الدخيلة في المأمور به، فمقتضى الحقّ أنّ اعتبار المانعيّة في الاعتباريّات غير ممكن، إلّا في فرض بعيد عن الأذهان، فعدّه إلىٰ شرطيّة العدم في مرحلة الاعتبار، و الجعل التشريعي أولىٰ، فجريان رفع الاضطرار و الإكراه غير ممكن، فالبطلان في سعة الوقت قويّة، لعدم صدق الاضطرار أيضاً.

نعم، في ضيق الوقت لا تبعد الصحّة علىٰ

جميع المباني، و لا سيّما لو قلنا أنّه اضطرّ إلىٰ أن يصلّي في الثوب الكذائي، أو اضطرّ إلىٰ أن يصلّي بلا سورة أو بدون الطهارة الخبثيّة.

إن قلت: مقتضىٰ قوله (عليه السّلام): «لا صلاة إلّا بطهور» «2» أو إطلاق عقد المستثنىٰ بعد كون الطهور أعمّ، و لا سيّما في الأُولىٰ، لوروده في مورد الطهارة الخبثيّة، هو البطلان على الإطلاق، و أنّه ليست الطبيعة

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 7: 115 118.

(2) تقدّم في الصفحة 73.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 193

الفاقدة صلاة، كي يكون مجزياً عن الأمر بالصلاة، فعليه القضاء.

قلت: أعمّيّة الطهور غير بعيدة، بل هو القدر المتيقّن في الأُولىٰ، و أمّا في الثانية فهو غير واضح للسياق، و سيمرّ عليك بعض البحث حوله، و لإنكار الإطلاق عن بعضهم «1»، و ليس هنا القدر المتيقّن إلّا المفروض في الكتاب، و هو الغسل و الوضوء و التيمّم.

هذا مع أنّ هذه الأساليب و التراكيب كثير الدور في الروايات، و ليس إمّا لإفادة الجزئيّة و الشرطيّة أو ادّعاء نفي الإثم بدونه، و حيث قد ترى تخصيص هذه الادّعاءات تجد أنّه لا معنىٰ لكونه الادّعاء بالضرورة، كي يقدّم علىٰ جميع الأدلّة العامّة، و يعارض الأدلّة الخاصّة؛ لعدم كونه من المطلق و المقيّد، كما عرفت فيما مرّ في القبلة أنّه «لا صلاة إلّا إلى القبلة» «2» فافهم و اغتنم.

و لو فرضنا جواز المعارضة أو التقيّد، فللفقيه دعوى أهمّيّة الوقت إلىٰ حدّ يترك المضطرّ ركوعه و سجوده، فيومئ إليها، فضلًا عن لبس النجس، فعليه تصحّ الصلاة، و لا قضاء عليه إلّا احتياطاً.

و أمّا التمسّك بالأخبار الخاصّة، فمضافاً إلىٰ بعده، غير تامّ؛ لأنّ الروايات المتمسّك بها أجنبيّة عن الإخلال العمدي العلمي.

______________________________

(1) الصلاة

(تقريرات المحقّق النائيني) الآملي 2: 412.

(2) تقدّم في الصفحة 92.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 194

المبحث الثالث: الخلل الجهلي في الطهارة الخبثيّة

اشارة

الإخلال الجهلي بالنسبة إلى الطهارة الخبثيّة، سواء كان عن جهالة حكم النجاسة أو عن جهالة نجاسة عرق الجنب من الحرام مثلًا، و سواء كان عن قصور أو تقصير، أو كان مركّباً غير ملتفت، أو بسيطاً أو غافلًا، للتساهل و اللامبالاة في الدين، و بعض الشطحيّات و الطرّهات السودائيّة، لا يوجب البطلان من جهة امتناع اختصاص الحكم بالعالم، لما تحرّر إمكانه «1»، بل هو واقع، و لا من الإجماعات و الشهرات المحكيّة و المنقولة، لاحتمال تخلّل الاجتهادات، لوجود بعض الروايات، أو اقتضاء بعض القواعد كقاعدة الاشتراك العامّ.

بيان ما يقتضيه إطلاق حديث «لا صلاة إلّا بطهور»

نعم مقتضىٰ إطلاق «لا صلاة إلّا بطهور» و عقد المستثنىٰ، هو البطلان، و لا حكومة لحديث الرفع عليه، لما عرفت أخيراً من امتياز الخمسة، و لو أُنكر الإطلاق أو أنكرنا إطلاقه في خصوص الطهور، لا وجه للإنكارين بالنسبة إلىٰ معتبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام): «لا صلاة إلّا بطهور» و «يجزئك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار، بذلك جرت السنّة من رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و أمّا البول، فإنّه لا بدّ من غسله» «2».

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 6: 118 و ما بعدها.

(2) تهذيب الأحكام 1: 49/ 144، وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 9، الحديث 1.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 195

مع أنّ حكومة حديث الرفع عليه أبعد.

نعم في خصوص المجتهد المجري حديث الرفع، الموجب للتقييد يلزم عدم الإعادة، و أمّا المجتهد الجاهل المركّب أو غيره، و هكذا المقصّر فمقتضىٰ دأب ضرب القوانين الكلّيّة لشمولها لهم، و بطلان أعمالهم إلّا بالتقييد، و دليل الرفع لا يقتضي الرفع عن الذي يجد نفسه عالماً و هو جاهل، كما لا يشمل المقصّر،

لامتناع العقاب إلّا علىٰ ترك الواجب النفسي أو المطلوب الذاتيّ.

و الإخلال بالأُمور الوضعيّة إن لم يستلزم البطلان لا يعقل العقاب عليها، و حديث تفويت المصلحة لا أساس له، إلّا برجوع المأمور به إلى الأقلّ و الأكثر الاستقلاليين.

فتحصّل: أنّ مقتضى الإطلاق الأوّلى هي أصالة الركنيّة، بالنسبة إلىٰ مطلق الشرائط و الأجزاء، و مقتضى «لا تعاد» اختصاص الخمسة، و منها الطهور.

و هكذا قضيّة «لا صلاة إلّا بطهور» بالركنيّة، و لازم ذلك هو البطلان بإخلاله بالطهور الخبثي، سواء كان ذلك بالنسبة إلى البدن أو الثوب.

تقريب آخر للقول بالبطلان

و هنا تقريب أشرنا إليه، و هو ينتهي أيضاً إلى البطلان، و هو: «أنّ السنّة لا تنقض الفريضة» «1» له عكس نقيض، و هو: «أنّ ما ينقض الفريضة

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 7.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 196

ليس بسنّة» و المراد هي الثابتة في الأخبار لا الكتاب.

و يكفي لإثبات الطهور الخبثي من الكتاب، قوله تعالىٰ وَ رَبَّكَ فَكَبِّرْ وَ ثِيٰابَكَ فَطَهِّرْ وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ «1» كما هو كذلك بالنسبة إلى الركوع و السجود، لما لا دليل عليه إلّا بعض الآيات المناسبة بضميمة بعض الأخبار.

و فيه: إنّ ماهيّة الصلاة التي هي مورد الأمر، يعلم أنّها هو الركوع و السجود، و هذان الفعلان تمام حقيقة الصلاة في قوله أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ و هما ثابتان بالكتاب بهذه الآيات دون تلك الآيات مثل قوله تعالىٰ وَ ارْكَعُوا مَعَ الرّٰاكِعِينَ «2» أو قوله تعالىٰ وَ اسْجُدْ. «3»، فإنّ ذلك يشبه استدلال العامّة، فإذا قال تعالىٰ إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا «4» و قال أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ «5».

فلا بدّ من تحرير الماهيّة و تقرّرها، فكان الركوع و السجود معظم الأجزاء الذي ذهب إليه المشهور في الأعم

و الأخصّ عند تصوير الجامع، فلا يتمّ ما أُفيد وجهاً لبطلان الصلاة للإخلال بالطهور الخبثي، من ناحية أنّ هذا الطهور أيضاً من الكتاب و الفريضة، مع أنّ في الذيل صدوراً

______________________________

(1) المدّثّر (74): 3 5.

(2) البقرة (2): 43.

(3) العلق (96): 19.

(4) المائدة (5): 6.

(5) الإسراء (17): 78.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 197

و ظهوراً، إشكالًا محرّراً في السابق.

في الأدلّة المقتضية لصحة الصلاة إذا أخلّ بالطهارة الخبثيّة

و أمّا الأدلّة المقتضية لصحّتها إذا أخلّ بالطهور الخبثي، و تكون حاكمة أو مقيّدة لما سلف، فهي إن كانت حديث الرفع، فهو مضافاً إلىٰ محكوميّته لعقد المستثنىٰ، بمعنى أنّه يتبيّن منهما المزيّة للخمسة دون غيرها؛ أنّها على الإطلاق ذات المزيّة مع قطع النظر عن الأدلّة الخاصّة، و إلّا يلزم تقوية المزيّة و الاستثناء؛ لأنّ البحث حول مقتضى القواعد، مع قطع النظر عن الأدلّة الخاصّة و الروايات فلا تخلط.

ضرورة أنّه يتقدّم عليه «كلّ شي ء نظيف» «1» و «كلّ شي ء حلال» «2» بناء علىٰ أنّ المراد أعمّ من الحلّيّة الوضعيّة و الحكميّة، بعد انصراف «لا تعاد» عن العمد، أو عدم شمولها له ذاتاً و عقلًا، فإنّه بحسب فقرأت حديث الرفع يكون محكوم كلّ فقرة منها.

فإذا كان الأمر كذلك يلزم المعارضة بالذات بين العقد المستثنىٰ

______________________________

(1) عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «كلّ شي ء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر فإذا علمت فقد قذر و ما لم تعلم فليس عليك». تهذيب الأحكام 1: 284/ 832، وسائل الشيعة 3: 467، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 4.

(2) عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: «كلّ شي ء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه». الكافي 5: 313/ 39 و 40، الفقيه 3: 216/ 1002، وسائل

الشيعة 17: 88 89 كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 1 و 4.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 198

و المجموع، و بالعرض بين الفقرات، و حلّ المعارضة تقدّم العقد المذكور عليها؛ لأنّ القاعدة حسب النظر البدوي بصدد إثبات المزيّة، حسب الحالات الطارئة لخصوص الخمسة فإطلاق «لا صلاة إلّا بطهور» محفوظ، و هكذا لو كان ثابتاً لعقد المستثنىٰ.

هذا مع أنّ ظاهر «رفع ما لا يعلمون» هو الرفع عن الجاهل المتلفت، لا الرفع عن الجاهل المركّب غير الملتفت؛ فإنّه امتنان بالنسبة إلىٰ هذه الطائفة، و حيث إنّه يمكن الجمع بين الأحكام الواقعيّة و الظاهريّة علىٰ أحسن ما يمكن كما تحرّر «1»، لا وجه للتصرّف في الإطلاقات و القوانين العامّة؛ كي يلزم التصرّف بالنسبة إلى المقصّر أيضاً كما عرفت، مع أنّ السبيل واحدة و هو باطل حسب الإجماع المدّعىٰ و حسب دأب المقنّين العرفيين في هذه المواقف، فإنّ في موارد النسيان و الجهل يكون الحكم الأوّلي محفوظاً، بل الاولىٰ في موارد سائر الفقرات أيضاً محفوظ كما حرّرناه.

بيان وجه ضعف التمسّك بأدلّة الحلّ و الطهارة و الإجزاء

و من هنا يظهر: وجه ضعف تمسّكهم بأدلة الحلّ، و الطهارة «2»، و الإجزاء في موارد الاستصحاب، و القواعد و غير ذلك؛ فإنّ الحكم الفعلي

______________________________

(1) لاحظ تحريرات في الأُصول 2: 307 309 و 328 329 و 6: 250 252.

(2) كلّ شي ء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر». المقنع: 15، مستدرك الوسائل 2: 583، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 30، الحديث 4.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 199

موجود مع هذه الترخيصات و الوضعيّات الثانويّة الثابتة بقواعد الحلّ و الطهارة و لو قلنا بشمولها للشبهة الحكميّة، فإنّ انحفاظ الحكم الواقعي في مرتبة الحكم الظاهري يقتضي الإعادة،

و القضاء طبعاً، و لو كانت الصلاة المأتي بها بقاعدة الحلّ و الطهارة جامعة للنظافة و حلال.

و إن شئت قلت: ما يأتي به صحيح، و الإعادة واجبة كما لو نذر الصلاة المعادة، فإنّه يجب أن يأتي بصلاة الظهر فرادى ثمّ يأتي بها معادة، و الأمر هنا كذلك، و لا بأس بالالتزام بتعدّد الظهر الصحيح عليه و وجوبه كراراً، كما هو المستحبّ عندنا، و ما يقتضي الضرورة هو في غير هذه الصورة.

و قد أفتىٰ جمع من الأصحاب في مورد إراقة الماء، و تضييق الوقت عمداً بالإعادة و القضاء، و في غيرهما استحباباً أو وجوباً، فإنّه غير ما هو الثابت حسب الجعل الأوّلي، فلا تخلط و لا تكن من الغافلين.

فلا يلزم الإجزاء المادامي، كي يقال بعدم صحّته، و لا بالتعذير و المعذّريّة، كي يقال أنّه خلاف الظاهر من أدلّة الأُصول.

فبالجملة: لو سلّمنا أنّ حديث الرفع، و قاعدة الطهارة، و الحلّ يشمل حتّى الجاهل المركّب، لأنّ «كلّ شي ء نظيف و حلال، حتّى تعرف الحرام و القذر» من غير تقييد في ناحية الصدر، لا يلزم منه الإجزاء المطلق؛ لأنّ الأمر الواقعي محفوظ، و ينحلّ إلى الأوامر في غير حال العمد، فيكون ما أتى به متجرّياً بالنسبة إلى المقدار المنحلّ إليه ظاهراً، و إذا تبيّن الخلاف فعليه الإعادة بالنسبة إلى المقدار المنحلّ إليه.

و توهّم: اندراج مسألتنا في عقد المستثنىٰ منه، بعد عدم ورودها في

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 200

عقد المستثنىٰ فلا يعيد، في غير محلّه؛ لأنّ الطهور في معتبر زرارة هو الخبثي، و هو القدر المتيقّن، فقوله (عليه السّلام): «لا صلاة إلّا بطهور» لا يحتمل التخصيص و التقييد مطلقاً أو يلزم لغويّته إذا قدم عليه.

و حديث

كفاية وجوب الإعادة بالأدلّة الخاصّة في مورد النسيان لانحفاظ قوله (عليه السّلام) «لا صلاة إلّا بطهور» غير تامّ للزوم أن تكون صالحة للاعتماد، فتأمّل جدّاً.

ثانياً و هكذا، و الانحلال يستتبع الالتفات إلى الاختلال بالواقع، و إلّا فلا انحلال واقعي، فليغتنم جيّداً.

المبحث الرابع: حول الأدلّة الخاصّة، من إطلاق معاقد الإجماعات، و الشهرات المنقولة و المحكيّة

و لعلّ نظرهم إلى الجهالة، لبعد العالم العامد عن المسألة طبعاً، نعم، يحتمل تخلّل الاجتهاد جدّاً، و من بعض الروايات المذكورة في الكتب الاستدلاليّة غلطاً، و في كتب الأخبار ما لا يدلّ على المسألة.

فعلى ما تحرّر في خصوص الجاهل بالنجاسة أو بالشرطيّة و المانعيّة أو بالكلّ علىٰ أصنافه إذا اطّلع على الحكم بعد الصلاة و الفراغ تجب الصلاة الأُخرىٰ جامعة، و هو الأحوط.

و أمّا القضاء فإن ثبت أنّه مقتضى الأصل كما هو القريب من التحقيق فهو، و إلّا فإن ثبت إطلاق لدليله و إلّا فلا، بعد صدق الفوت قطعاً.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 201

المبحث الخامس: في الجهل بالموضوع

اشارة

و قد كثرت فيه الأقوال من البطلان، و الصحّة، و من التفصيلات الأُخر، و أمّا إيجاب الإعادة في الوقت دون خارجه «1»، فهو يرجع إلى البطلان، و إنكار دليل القضاء إلّا إذا دلّ دليل بالخصوص، كما قد يتوهّم.

و الذي هو الحقّ: هو البطلان حسب إنكارنا الإجزاء أخيراً، أو وجوب الصلاة الأُخرىٰ في الوقت و خارجه، حسب ما هو الأشبه عندي عجالة، و قد ذهبنا إلى الإجزاء حتّى في القطع و الأمارات سالفاً، و لو لم يأت بالمأمور به رأساً في ظرفه، فإنّه هو الإجزاء بالمعنى الأعمّ.

و ربّما يدلّ عليه ما في «الجامع» عن «التهذيبين» عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، عن رجل صلّىٰ و في ثوبه بول أو جنابة، فقال: «علم به أو لم يعلم، فعليه إعادة الصلاة إذا علم» «2».

و في «الوسائل» «3» عن الشيخ، بإسناده عن سعد بن عبد اللّٰه، عن وهب بن عبد ربّه، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، في الجنابة تصيب الثوب، و لا يعلم به

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقىٰ

1: 530 531، الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 139 140.

(2) تهذيب الأحكام 2: 202/ 792، جامع أحاديث الشيعة 2: 172، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 24، الحديث 9، وسائل الشيعة 3: 476، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات و الأواني، الباب 40، الحديث 9.

(3) وسائل الشيعة 3: 476، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات و الأواني، الباب 40، الحديث 8.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 202

صاحبه، فيصلّي فيه، ثمّ يعلم بعد ذلك، قال: «لا يعيد إذا لم يكن علم» «1» و غيرهما، مع ما فيهما من المناقشة في الدلالة، مع قوّة إعراض المشهور، لوجود الأخبار الكثيرة المذكورة في الأبواب المتفرّقة المجتمعة في «الجامع» «2» و هي متظافرة صريحة في عدم وجوب الإعادة، بالنسبة إلى الشبهة الموضوعيّة.

فلا يصحّ ما يقال بوجود الروايات الكثيرة على البطلان، أو ما في بعض شروح «العروة الوثقىٰ» من عدم دليل عليه، و الأمر بعد ذلك سهل لا يهمّنا التعرّض له؛ لأنّ الأخبار الأوّليّة إن كان لها الإطلاق، فهذه الأخبار تقيّدها، و إن لم يكن إطلاق فالأصل يقتضي الصحّة رأساً، لعدم لزوم تخلّف العلم كما هو واضح.

بقي شي ء: فيما إذا اعتقد الطهارة و بان الخلاف

إذا اعتقد طهارة شي ء فصلّى ثمّ تبيّن خلافها، فبما أنّه عالم خارج عن الأخبار المقيّدة، كما هو خارج عن قاعدة الحلّ و الطهارة حسب الظاهر، و إن كان جاهلًا واقعاً.

و توهّم: أنّه يتخيّل العلم في محلّه، إلّا أنّ منصرف هذه الأخبار من لا يكون عارفاً بالنجاسة، حسب المتعارف في حصول العلم و عدمه، فإن كان يعتقد الطهارة فلا تشمله هذه الأخبار.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 360/ 23.

(2) جامع أحاديث الشيعة 2: 171، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 24.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 203

و

دعوىٰ: أنّ ترك الاستفصال دليل الإطلاق غير واضحة؛ لأنّ المتعارف جدّاً عدم العلم بالنجاسة.

نعم، ربّما يظهر من بعض الأخبار كصحيح العيص بن القاسم، قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل صلّىٰ في ثوب رجل أيّاماً، ثمّ إنّ صاحب الثوب أخبره أنّه لا يصلّي فيه، قال: «لا يعيد شيئاً من صلاته» «1» عدم وجوب الإعادة، مع أنّه يعلم الطهارة، فتأمّل.

و بالجملة: لي إنكار إطلاق الأخبار الدالّة على الصحّة، إلّا في صورة يصدق أنّه لم يعلم عرفاً، فمن دخل في الصلاة حسب القاعدة، ثمّ تبيّن أنّه كان نجساً واقعاً ليس ممّن لا يعلم، كما لو كان معتقد الطهارة.

بيان حال الغافل

نعم، الغافل إذا صلّىٰ ثمّ توجّه إلى الصلاة في النجس، يصدق عليه أنّه لم يعلم، أمّا في الفرض الأوّل، فإمّا لأجل أنّه عالم بالطهارة حسب الحكومة أو الورود، المحرّر للأدلّة الظاهريّة على الواقعيّة «2»، فكيف يصدق عليه أنّه لم يعلم، و إمّا لأجل انصراف الأخبار عنه.

______________________________

(1) الكافي 3: 404/ 1، تهذيب الأحكام 2: 360/ 1490، وسائل الشيعة 3: 475، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 6، جامع أحاديث الشيعة 2: 171 كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 24، الحديث 1.

(2) لاحظ تحريرات في الأُصول 2: 326 328.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 204

و أمّا في الفرض الثاني، فلأجل أنّ الجاهل المركّب عالم لغة، أو يشكّ في ذلك، فيكفي لعدم جواز التمسّك أو الانصراف، فنرجع إلى القواعد المقتضية لوجوب الصلاة الثانية المعادة بطريق أكمل الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ «1».

فما في كلمات أصحابنا من أنّ البطلان، حسب القاعدة «2» أو الصحّة «3» أو التفصيل في الأدلّة الظاهريّة «4»، غير تامّ، بل هناك صحّة و إيجاب للصلاة الثانية

المعادة، كما في موارد استحباب المعادة، و ربّما يقال هناك بوجوب قصد الوجوب؛ لأنّه يعيد الظهر الواجب، لأنّها معادة تلك الصلاة.

كما أنّ مقتضى الأخبار الناطقة علىٰ خلاف القاعدة ليس أكثر ممّا مرّ.

و أمّا معتبر «الفقيه» و «التهذيبين» عن حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّٰه، عن أبيه، عن عليّ (عليهم السّلام) قال: «ما أُبالي، أ بول أصابني أم ماء إذا لم أعلم» «5» فهو أيضاً كالأخبار السابقة، إلّا أنّه أعمّ من حيث الثوب

______________________________

(1) المائدة (5): 3.

(2) لاحظ جواهر الكلام 6: 211.

(3) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 540.

(4) لاحظ التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 2: 378 379.

(5) الفقيه 1: 42/ 166، تهذيب الأحكام 1: 253/ 735، وسائل الشيعة 3: 467، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 5 و 475، الباب 40، الحديث 4، جامع أحاديث الشيعة 2: 198، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 34، الحديث 1.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 205

و البدن، و حيث إنّ البول أنجس من المنيّ، و قد شدّد أمر المنيّ، فسائر النجاسات بحكمه، كما لم يفصّل أحد من هذه الجهة، و سيمرّ عليك بعض الكلام حوله.

بقي تذنيب: في تفاصيلٍ مُتوَهّمة

قد يتوهّم التفصيل في صورة الجهالة الموضوعيّة بين الوقت و خارجه «1»، و هو غير تامّ، و أمّا ما قد يقال بتماميّة التفصيل بين الفاحص و غير الفاحص «2»، فإنّ من لم يتفحّص فصلّى و انكشف نجاسة ثوبه يعيد، و إذا تفحّص فلا؛ و ذلك لا لأجل اقتضاء القاعدة خاصّاً في مورده، لعدم وجه تامّ له إلّا ما يقتضيه مطلقاً بمعنى لزوم الصلاة الأُخرىٰ في موارد الخلل، بالنسبة إلى النجاسة و الطهارة الخبثيّة، تفحّص أم لم يتفحّص، و إلّا فلا مرجع آخر

غير ما تحرّر منّا، إذ نقول:

قد وردت طائفة على التقييد كخبر الصيقل، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، المروي في «الكافي» و «التهذيبين» و أيضاً عن ميمون، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، و هما واحد حسب الظاهر القويّ، مع ضعف السند، قال: قلت له: رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل و صلّى، فلمّا أصبح نظر فأذن في ثوبه جنابة، فقال: «الحمد للّٰه الذي لم يدع شيئاً إلّا و قد جعل له حدّا، إن كان

______________________________

(1) المبسوط 1: 38، قواعد الأحكام: 8/ السطر 11، مدارك الأحكام 2: 348.

(2) ذكرى الشيعة: 17/ السطر 17، الحدائق الناضرة 5: 414 417، مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 532.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 206

حيث قام لم ينظر، فعليه الإعادة» «1».

و في جواز التمسّك بمفهوم الشرط إشكال.

نعم له مفهوم القيد و حجّيّته ممنوعة، و لا سيّما في روايته الأُخرىٰ قال: «إن كان حين قام إلى الصلاة نظر فلم ير شيئاً، فلا إعادة عليه.» «2».

و قد ذكروا في الاستصحاب: أنّ قوله (عليه السّلام) «فلم ير شيئاً» يساوق حصول العلم عادة، و علىٰ هذا يتأكّد ما ذكرناه سابقاً؛ لأنّ النظر و الفحص و الرؤية و العلم، كلّ ذلك لأجل الاطّلاع و عدمه، فرواية ميمون كأنّها ناظرة إلىٰ أنّ الطائفة الأُولىٰ لا تشمل صورة العلم الخطابي، فأفادت عدم وجوب الإعادة حتّى في صورة العلم التعبّدي أو التكويني بالطهارة و لو تبيّن خلافه.

فعلى هذا تكون الجملة المقيّدة لإيجاب الإعادة عند الجهل، و عدم النظر بمفهومها موجباً للتوسعة، و عدم الإعادة حتّى في صورة الجهل المركّب، و بمنطوقها غير معمول بها؛ لأنّ الطائفة الناطقة بعدم الإعادة عند ما لا يعلم، لا إطلاق لها كي يقيّد،

لأنّ من تفحّص يعلم، فيكون خارجاً عن

______________________________

(1) جامع أحاديث الشيعة 2: 172، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 24، الحديث 6.

(2) عن ميمون الصيقل، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: رجل أصابته جنابة باللّيل فاغتسل، فلمّا أصبح نظر فأذن في ثوبه جنابة؟ فقال: الحمد للّٰه الّذي لم يدع شيئاً إلّا و له حدّ، إن كان حين قام نظر فلم ير شيئاً فلا إعادة عليه، و إن كان حين قام لم ينظر فعليه الإعادة. الكافي 3: 406/ 7، تهذيب الأحكام 2: 202/ 92، وسائل الشيعة 3: 478، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 41، الحديث 3، جامع أحاديث الشيعة 2: 172، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 24، الحديث 5.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 207

تلك الطائفة، و حيث لا يمكن طرح المنطوق و الأخذ بالمفهوم يسقط الخبر دلالة.

نعم، بناء علىٰ أنّهما روايتان تسقط الجملة الثانية، و يؤخذ بالأُولىٰ، و تصير النتيجة توسعة الجاهل، كما هو ظاهر فتوى المشهور، إلّا أنّ التفكيك عندنا مشكل، لعدم الدليل اللفظي علىٰ حجّيّة الخبر الواحد علىٰ إطلاقه، مع ما عرفت من الإشكال في سنده، فعلى ما تحرّر لا دليل على التفصيل المذكور.

نعم قضيّة معتبر محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: ذكر المنيّ فشدّده، و جعله أشد من البول ثمّ قال: «إن رأيت المنيّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة، فعليك إعادة الصلاة، و إن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه، ثمّ صلّيت فيه، ثمّ رأيته بعد، فلا إعادة عليك، و كذلك البول» «1».

و غير خفيّ: إنّ الشرطيّة الأُولىٰ مربوطة بحال النسيان أو التذكّر أي: الاطّلاع و العلم بعد الدخول و في الأثناء

و الشرطيّة الثانية مربوطة بالفراغ من الصلاة، و حيث قد عرفت قصور الأدلّة الأوّليّة عن شمول صورة العلم بالطهارة، ثمّ تبيّن له خلافه يكون عمله صحيحاً.

و لكن مقتضىٰ مفهوم القضيّة الثانية وجوب الإعادة بدون الفحص، و لكن لا يقيّد إطلاق تلك الأخبار؛ لأنّها ظاهرة بصورة الغفلة، و عدم الالتفات، و هذه الرواية ناظرة إلىٰ صورة الالتفات إلى الإصابة، و لكن لم ينظر

______________________________

(1) الفقيه 1: 161/ 758، تهذيب الأحكام 1: 252/ 730، وسائل الشيعة 3: 478، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 41، الحديث 2، جامع أحاديث الشيعة 2: 178.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 208

فصلّى، ثمّ بعد الفراغ توجّه إلى الإصابة، فلا معارضة بين الأخبار، فضلًا عن التباين أو التقييد، كما ترى في كلماتهم «1».

و تصير النتيجة على الشرطيّة-: وجوب الإعادة إذا ترك النظر و الفحص، و لا سيّما في مثل هذه الأُمور التي يكون الاطّلاع عليها ميسوراً جدّاً، و يعدّ العلم بها في ميسور المصلّي، فيساعد الاعتبار إيجاب الإعادة.

و لكنّ الرواية لأجل ظهورها في اختصاص المسألة بمثل المنيّ و البول، و لذلك شدّد أمر المنيّ، و قال: «و كذلك البول» و لم يذكر سائر النجاسات، يكون مقتضياً لتفصيل جديد في المسألة بين النجاسات، فعندئذٍ مع ظهورها في ذلك تعدّ ممّا أعرض عنها الأصحاب (رحمهم اللّٰه)، مع مخالفتها لمضمرة زرارة الطويلة «2»، الصريحة في عدم وجوب النظر، المشتملة علىٰ دم رعاف أو شي ء من المنيّ، فالتفصيل المذكور عندئذٍ غير جائز لصراحتها اللفظية، و هي مقدّمة علىٰ مفهوم الشرط، مع الإشكال في تحقّق

______________________________

(1) لاحظ الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 126 و 144.

(2) عن حريز عن زرارة قال: قلت له: أصاب ثوبي

دم رعاف أو غيره أو شي ء من منيّ (إلى أن قال) فإن ظننت أنّه قد أصابه و لم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئاً ثمّ صلّيت فرأيت فيه، قال: تغسل و لا تعيد الصلاة، قلت: لم ذلك؟ قال: لأنّك كنت علىٰ يقين من طهارتك ثمّ شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً، قلت: فهل عليّ إن شككت في أنّه أصابه شي ء أن أنظر فيه؟ فقال: لا و لكنّك إنّما تريد أن تذهب الشكّ الّذي وقع في نفسك.

تهذيب الأحكام 1: 421/ 8، وسائل الشيعة 3: 466، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 1، و ب 477، الباب 41، الحديث 1، جامع أحاديث الشيعة 2: 165، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 23، الحديث 6.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 209

المفهوم؛ لبعد احتمال التفصيل بين الشرطيّة الأُولىٰ و الثانية بحسب الفحص، و أنّه ترك (عليه السّلام) قيد الفحص في الشرطيّة الأُولىٰ للزوم الإعادة، مع أنّه ربّما لو تفحّص لا يصلّي، كي يبتلىٰ بالإعادة، فليتدبّر.

و لو لا حديث الإجماعات المحكيّة مع ظهور استنادهم إلىٰ أخبار المسألة، كان لنا أن نقول: إنّ هناك رواية عن «الفقيه» «1»، و هي غير رواية «التهذيبين» «2» و هي، قال: قال محمّد بن مسلم لأبي جعفر (عليه السّلام): الدم يكون في الثوب ثمّ ذكر مثله، و زاد: «و ليس ذلك بمنزلة المنيّ و البول» ثمّ ذكر (عليه السّلام) المنيّ فشدّد فيه، و جعله أشدّ من البول، ثمّ قال (عليه السّلام): «إن رأيت المنيّ قبل أو بعد فعليك الإعادة إعادة الصلاة و إن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه و صلّيت فيه، فلا إعادة عليك، و كذلك البول».

و معناه: أنّه

إن رأيت المنيّ قبل فنسيت فصلّيت أو بعد الصلاة، و لا

______________________________

(1) قال محمّد بن مسلم لأبي جعفر (عليه السّلام) الدم يكون في الثوب عليّ و أنا في الصلاة فقال: إن رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و صلّ في غيره و إن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك ما لم يزد على مقدار درهم فإن كان أقلّ من درهم فليس بشي ء رأيته أو لم تره، و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيّعت غسله و صلّيت فيه صلوات كثيرة فأعد ما صلّيت فيه و ليس ذلك بمنزلة المنيّ و البول، ثمّ ذكر (عليه السّلام) المنيّ فشدّد فيه و جعله أشدّ من البول، ثمّ قال (عليه السّلام) إن رأيت المنيّ قبل أو بعد فعليك الإعادة إعادة الصلاة و إن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه و صلّيت فيه فلا إعادة عليك و كذا البول.

الفقيه 1: 161/ 758، وسائل الشيعة 3: 431، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 2، الحديث 6، جامع أحاديث الشيعة 2: 178، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 28، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 1: 421/ 1335، الاستبصار 1: 183/ 641.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 210

مفهوم للقضيّة الأُولىٰ؛ لأنّه إن لم ير مطلقاً فلا معنىٰ لإيجاب الإعادة.

و أمّا القضيّة الثانية، فالشرط مقيّد بالفحص، و المقصود أنّه إذا تفحّص و لم يصب، ثمّ رأى ذلك، فلا إعادة عليه.

و لا يتقدّم عليه معتبر زرارة أي مضمرته المسندة في «العلل» «1» لأنّه في موقف آخر، و هو في الأثناء، و لا منع من اختصاص المنيّ و البول من هذه الجهة بحكم، و هو وجوب الإعادة عند ترك الفحص، و

يساعدنا الاعتبار في موردهما، مع غلظة شديدة فيهما، و لعلّ تشديده (عليه السّلام) لأجل ذلك، و إلّا فالبول أنجس من المنيّ، و المنيّ أرجس من البول.

هذا إذا كان المعتبر في مقام بيان حكم الدم، لبعد إصابة المنيّ من الخارج جدّاً، و يؤيّد ذلك صدر الرواية حيث قال «فنظرت فلم أر شيئاً.»، فإنّه يؤكّد أنّ الفحص متعارف، أو كان مثل زرارة يعتقد ذلك.

في احتمال عدم لزوم الفحص

نعم، ربّما ينفى بالصراحة لزوم الفحص عند سؤال زرارة، فهل عليّ إن شككت في أنّه أصابه شي ء أن أنظر فيه؟ قال: «لا و لكنّك إنّما تريد أن تذهب الشكّ.» إلىٰ آخره، إلّا أنّ الذي ذكرناه في تحريراتنا الأُصوليّة «2» اشتمال الرواية على المناقضة الظاهريّة بعد الإضمار، و عدم كفاية سند

______________________________

(1) علل الشرائع: 361/ 1.

(2) تحريرات في الأُصول 8: 339 344.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 211

«العلل» مع أنّ المشهور علىٰ ما قيل أعرضوا عنها «1».

و توهّم التفكيك بين الجمل في غير محلّه.

فيبقىٰ معتبر محمّد بن مسلم «2» سليماً عن المعارض، و ظاهراً في أنّ المنيّ و البول يختصّان بحكم، و هو الفحص، و البطلان عند تركه.

و أمّا توهّم: كون النظر قيداً غالبيّاً «3»، أو أنّ مضمرة زرارة قويّة، و تقابل معتبر ابن مسلم من ناحية أنّ الحصر يفيد الصحّة، أو أنّ السؤال عن الفحص لا موضوعيّة له، بل هو للصحّة و البطلان، فكلّها غير تامّة؛ لما تحرّر أنّ كلمة «إنّما» لا تفيد أكثر من التأكيد «4»، و حمل القيد على الغلبة خلاف الأصل.

و احتمال الموضوعيّة لمثل زرارة جائز كما ترى في الصلاة بلا طهور، فإنّها حسب طائفة من الأخبار محرّمة ذاتاً «5».

المبحث السادس: فيما لو التفت إلى النجاسة في الأثناء

اشارة

فمقتضىٰ إطلاق الأدلّة هو البطلان بالنسبة إلى الالتفات إلى الحكم، لبطلان ما مضى حسب ما تحرّر «6»، و هو أيضاً قضيّة الأدلّة

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 8: 370.

(2) تقدّم في الصفحة 207.

(3) التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 2: 355، مدارك الأحكام 2: 350.

(4) تحريرات في الأُصول 5: 182 183.

(5) وسائل الشيعة 1: 367، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 2.

(6) تقدّم في الصفحة 66.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 212

الثانويّة، بعد قصور ما يتوهّم معارضاً لها.

و أمّا بالنسبة إلى الالتفات إلى الموضوع، فربّما يقال بإمكان تصحيح هذه الصلاة في مطلق الصور، و لا سيّما في ضيق الوقت حسب القواعد؛ ضرورة أنّها إلىٰ حين العلم صحيحة حتّى إذا التفت إلىٰ وقوعها فيها من الأوّل، أو في الأثناء، فضلًا عن صورة تقارن العلم بوقوعها و تنجّس الثوب، أو الشكّ في القضيّة؛ و ذلك إمّا لأجل اقتضاء إطلاق عقد المستثنىٰ منه بتوهّم كونه مندرجاً في عقد المستثنىٰ منه.

و فيه: ما لا يخفىٰ، من عدم ثبوت الاندراج، و عدم اقتضاء الإطلاق، و إلّا فهو لازم إطلاق قاعدة الطهارة عرفاً، بناء علىٰ شمولها للجاهل المركّب، فتأمّل.

و قد مرّ فساد شمول «لا تعاد» للعالم العامد، كي يقال بانصرافها عنه بالنسبة إلىٰ غير ما نحن فيه، كما هو مقتضىٰ مبنى التقي الشيرازيّ (رحمه اللّٰه)، في رسالته، و السيّد المحقّق الوالد مدّ ظلّه في بحثه «1».

و إمّا لأجل إطلاق الأدلّة في المسألة السابقة أو الأولويّة، و فساد الثاني عندنا واضح، و الأوّل غير ثابت، بل هي ظاهرة في الفراغ.

أو لأجل أنّ مقتضى القواعد صحّتها إلىٰ حال الالتفات، فإذا تمكّن من تتميمها بلا فعل مناف يتعيّن عليه.

و فيه: مضافاً إلىٰ ما عرفت من عدم الإجزاء حسب القواعد المحرّرة عندنا، أنّه يبتلىٰ نوعاً بما ينافي الصورة عرفاً، و يعدّ من الفعل

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 8.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 213

الكثير أو الماحي عادة، مع أنّه أخصّ من المدّعىٰ، فلا بدّ من النظر إلى الجهتين في المسألة.

الجهة الأُولىٰ: الطهارة شرط في الصلاة إجمالًا

إنّ لنا إنكار اشتراط الطهارة في جميع الأجزاء، و كفاية أن لا تكون الصلاة بلا طهور في الجملة، كما عرفت في القبلة و الوقت

و العدول، و لا يقتضي قوله (عليه السّلام) «لا صلاة إلّا بطهور» أزيد من ذلك حسب الصناعة.

و علىٰ هذا، فإن كان متطهّراً حسب الأدلّة الخاصّة أو العامّة إلىٰ حال الالتفات، فلا شي ء عليه بالنسبة إلىٰ ما بقي عليه، و إن كانت هي بلا ظهور إلىٰ حال الالتفات، فإن تمكّن من التلبّس به بالنسبة لبقيّة الأجزاء، بشرط كونها ممّا يعتني بها كركعة أو ركعتين، و يعدّ صلاة عرفاً، فيتعيّن عليه إمّا مطلقاً، أو في ضيق الوقت، إلّا في موارد الأدلّة الخاصّة الآتية إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ عكس نقيض «لا صلاة إلّا بطهور» هو ما لا طهور له ليس بصلاة، أو يقال: مقتضى ذلك هي الصحّة؛ لأنّها يكون له الطهور و ليس ممّا لا طهور له، فليتأمّل جيّداً.

الجهة الثانية: حول مقتضى الأدلّة الخاصّة
اشارة

فعن جماعة من المتأخّرين: «بطلان الصلاة في صورة التوجّه إلى

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 214

الصلاة في النجس» «1».

و عن المشهور: «أنّه إن أمكنه التطهير، أو التبديل و النزع، مع عدم لزوم المنافيات و القواطع فهو، و إلّا فيستأنف» «2».

و أمّا في صورة التقارن و الجهالة بالواقعة، فالحكم وجوب الإتمام مع التمكّن من الإزالة، بل و النزع من غير خلاف يعرف «3»، بل في «التذكرة» ادّعى الإجماع، و هكذا في «المنتهىٰ» «4». و المهمّ في المسألة أخبارها قبل الإجماع.

و يحتمل صحّة الصلاة لو كانت الثياب غير المستتر بها بخسة مطلقاً.

كما يحتمل التفصيل بين النجاسات، كما تمايل إليه هنا الوالد المحقّق- مدّ ظلّه بين الدم و غيره «5».

و نسب إلى «المعتبر» بطلان صلاة من التفت إليها بعد الإزالة اتّفاقاً «6».

______________________________

(1) جواهر الكلام 6: 223، العروة الوثقىٰ 1: 94، في أحكام النجاسات، مستمسك العروة

الوثقىٰ 2: 532، تحرير الوسيلة 1: 120، المسألة 6، التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 2: 366.

(2) جواهر الكلام 6: 223، مستمسك العروة الوثقى 1: 533، التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 2: 357.

(3) لاحظ جواهر الكلام 6: 224، التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 2: 359.

(4) تذكرة الفقهاء 1: 133/ السطر 41، منتهى المطلب 1: 315/ السطر 25، جواهر الكلام 6: 228.

(5) الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 148 149.

(6) لاحظ مدارك الأحكام 2: 354.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 215

كما نسب إلى المشهور صحّة الصلاة في صورة ضيق الوقت و إن لم يتمكّن «1»، و ظاهر بعضهم مطلقاً «2»، و لا يصلّي عارياً.

و ذهب بعضهم إلىٰ أن يتمّ عارياً «3»، و كان شأن الوقت ما لا يزاحمه شي ء، و لا يكون الرجل في المسألة فاقد الطهور كي يتوهّم أنّ ما لا طهور له الأعمّ ليس عليه صلاة رأساً، فيكون عكس النقيض حاكماً على الأدلّة، فأمّا تجب عليه الصلاة عارياً أو لا تجب أصلًا، و حيث إنّ المسألة روائيّة فإليك نبذة منها في طيّ طوائف:

ذكر طوائف الروايات الواردة في المسألة
الأُولىٰ: ما يدلّ على البطلان في الجملة

كمعتبر زرارة على إشكال فيه و معتبر محمّد بن مسلم السابق «4»، و معتبر أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل صلّىٰ في ثوب فيه جنابة، ركعتين، ثمّ علم به، قال: «عليه أن يبتدأ بالصلاة» قال: و سألته عن رجل صلّىٰ.» «5».

______________________________

(1) لاحظ جواهر الكلام 6: 228 229.

(2) العروة الوثقىٰ 1: 95، في أحكام النجاسات.

(3) تحرير الوسيلة 1: 121، المسألة 6.

(4) تقدّم في الصفحة 207.

(5) الكافي 3: 405/ 6، تهذيب الأحكام 2: 360/ 1489، وسائل الشيعة 3: 474، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 2،

جامع أحاديث الشيعة 2: 173 كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 24، الحديث 11.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 216

الثانية: ما ورد في خصوص الدم الملتفت إليه في الأثناء

المذكورة في «الجامع» كمعتبر محمّد بن مسلم، قال: قلت له: الدم يكون في الثوب عليّ و أنا في الصلاة، قال: «إن رأيت و عليك ثوب غيره فاطرحه و صلّ في غيره، و إن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك، و لا إعادة عليك (و يب) ما لم تزد علىٰ مقدار الدرهم (و ما كان أقل كا) من ذلك، فليس بشي ء رأيته (قبل كا) أو لم تره، و إذا كنت قد رأيته، و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيّعت غسله.» «1».

و حيث إنّ النسخ مختلفة يشكل، و لو صحّ ما قيل لا يتمّ في مثل كلمة و حرف، مثل «الواو» هنا، و الحكم يناسب إيجاب الإعادة لمتعارف سعة الوقت.

و لعمري إنّ بذيل الرواية تنحلّ المشكلة، حيث قال (عليه السّلام): «و إذا كنت.» إلىٰ آخره، فإنّه من تقييد الحكم بجملة «و هو أكثر من مقدار الدرهم» تبيّن فساد نسخة «التهذيب».

هذا مع أنّ الجملة الثانية معرض عنها، و التفكيك في الحجّيّة غير مساعد لبناء العقلاء الذي هو سند حجّيّة خبر الواحد.

و منها: ما مرّ عن محمّد بن مسلم معتبراً، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في المنيّ و تشديده، و كذلك البول «2»، فإنّه صريح في خصوص الأثناء، و إيجاب الإعادة

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 209.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، در يك جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)؛ ص: 216

(2) نفس المصدر.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)،

ص: 217

موافقاً للأُولىٰ.

و منها: معتبر داود بن سرحان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل يصلّي، فأبصر في ثوبه دماً، قال: «يتمّ» «1».

و منها: معتبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، قال: قال (عليه السّلام): «لا تعاد الصلاة من دم لم تبصره إلّا دم الحيض.» «2».

و منها: الأخبار الكثيرة الواردة في الرعاف في الأثناء، الآمرة بالغسل و الإتمام، بشرط عدم التكلّم و الالتفات، و هي مذكورة في «قواطع الصلاة» «3» و لا أنّها لا تدلّ علىٰ وجوب الإتمام، حسب الأخبار الواردة في الاستخلاف، فتأمّل.

مع أنّ الالتزام بإطلاقها المنتهى إلى الخروج عن الهيئة الاتّصاليّة عرفاً، مشكل، كما أنّ احتمال اختصاص نجاسة البدن بالدم، لما في الدم من بعض الخصوصيّات كالعفو فيها، يمنع عن التجاوز، مع أنّ الطائفة الأُولىٰ مخصوصة بالجنابة و البول المشتدّ فيهما الأمر في الشريعة.

نعم، هناك طائفة ثالثة ظاهرة في الالتفات في الأثناء، كمعتبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه، قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يصلّي،

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 423/ 1344، وسائل الشيعة 3: 430، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20، الحديث 3، و 483، الباب 44، الحديث 2، جامع أحاديث الشيعة 2: 180، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 28، الحديث 9.

(2) الكافي 3: 405/ 3، تهذيب الأحكام 1: 257/ 745، وسائل الشيعة 3: 432، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 21، الحديث 1.

(3) جامع أحاديث الشيعة 6: 199، كتاب الصلاة، أبواب ما يقطع الصلاة، الباب 3.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 218

و في ثوبه عذرة من إنسان أو سنّور أو كلب، أ يعيد صلاته؟ قال: «إن كان لم يعلم فلا يعيد» «1».

حيث إنّه من

الأزكياء و أهل العلم، و افترض المسألة طرحت علىٰ وجه يشمل حين الصلاة و بعدها، و لا ينافيه ما ورد من الغسل أحياناً أو التبديل و الطرح؛ لأنّ المفروض في الجواب: أنّه لا إعادة، سواء فيه سعة الوقت أو ضيقه.

و أمّا تلك الأُمور فهي موكولة إلى الأدلّة الأُخر، و حملها علىٰ ما بعد الفراغ لكلمة «الإعادة» واضح الفساد، فلا بأس بالتقييد لو ثبت المقيّد، بل هو أظهر فيما نحن فيه.

و أمّا معتبر «ما أُبالي البول أصابني.» «2» إلىٰ آخره، فهو أيضاً أعمّ، فيمكن التقييد.

و بالجملة: مقتضىٰ هذه الطائفة كفاية كون الصلاة في الطاهر الظاهري في الجملة، إلّا أنّه مع ذلك يبقىٰ أنّ مسألة المنيّ و البول كانت معروفة، و إلّا ففرض وجود البول أو المنيّ أقرب من عذرة كلب أو سنّور.

______________________________

(1) الكافي 3: 404/ 2 و 406/ 11، تهذيب الأحكام 2: 359/ 1487، وسائل الشيعة 3: 475، كتاب الصلاة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 5، جامع أحاديث الشيعة 2: 171، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 24، الحديث 3.

(2) عن حفص بن غياث، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ (عليه السّلام) قال: ما أُبالي أبول أصابني أو ماء، إذا لم أعلم. الفقيه 1: 42/ 166، تهذيب الأحكام 1: 253/ 735، وسائل الشيعة 3: 467، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 5، و 475، الباب 40، الحديث 4.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 219

القول بالتفصيل بين المنيّ و البول و بين غيرهما

فبالجملة: بعد سقوط معتبر زرارة من جهات شتّىٰ ذكرناها في الأُصول «1»، يكون التفصيل قويّاً بين المنيّ و البول و غيرهما.

و لا سيّما أنّه بعد تشديد المنيّ، و تنزيل البول منزلته من هذه الجهة، ذكر وجوب الإعادة في هذه المسألة،

و حيث لا إجماع و لا شهرة خاصّة في المسألة يكون باب الاجتهاد مفتوحاً على المتأخّرين.

و يؤيّدنا في ما مرّ أيضاً من تأسيس الأصل، رواية السرائر، عن عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): «إن رأيت في ثوبك دماً و أنت تصلّي، و لم تكن رأيته قبل ذلك، فأتمّ صلاتك، فإذا انصرفت فاغسله» قال (عليه السّلام): «و إن كنت رأيته قبل أن تصلّي فلم تغسله، ثمّ رأيته بعد و أنت في صلاتك، فانصرف و اغسله و أعد صلاتك» «2».

و يؤيّد ما مرّ موثّق ابن سرحان «3».

فيلزم لولا اختصاص الحكم بالدم التفصيل بين صورة تلبّسه حال الصلاة بالنجاسة ناسياً، و بين صورة الجهالة.

و ربّما يناقش في إطلاق يقتضي اشتراط طهارة الثوب، لاختصاص

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 8: 339 344.

(2) مستطرفات السرائر: 81/ 13، وسائل الشيعة 3: 483، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 44، الحديث 3.

(3) تقدّم في الصفحة 217.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 220

«لا صلاة إلّا بطهور» «1» بالبدن، و عدم كون الطهور الخبثي في عقد مستثنى «لا تعاد» فيقتضي إطلاق «لا تعاد» صحّة الصلاة إلّا في مثل المنيّ و البول، و أمّا في غيرهما فيحتمل قويّاً جواز الصلاة، مع الدم إذا كان ثوبه متنجّساً به دون بدنه.

و بذلك يرتفع اختلاف الأخبار الموجودة، من غير لزوم اشتراك النجاسات في الحكم، كما ليس كذلك في كثير، كما لا يخفىٰ، و مع ذلك كلّه، العمل بروايات الدم و الإعادة حسن جدّاً.

بقي شي ء: حكم ما لو التفت إلى النجاسة في الصلاة و هو عالم عامد

أنّ الفترة التي يتوجّه إلى النجاسة في الصلاة و هو عالم عامد بوجه، فإن لوحظت بالقياس إلى الأدلّة العامّة، تكون الصلاة باطلة، إلّا علىٰ وجه عرفته في تأسيس الأصل، و إن

لوحظت بالأدلّة الخاصّة، فهي مغتفرة للابتلاء بها عادة، من غير حاجة إلى التشبّث بكونها ليست من الصلاة، و هكذا إلىٰ أنّ الصلاة إلىٰ حال الالتفات صحيحة، للجهل بالموضوع.

و في تلك الفترة إمّا نقول بمانعيّة النجاسة، فهي قابلة للرفع لاحتمال عدمها بعد عدم إطلاق في البين أو الشرطيّة، فيشكل لإطلاق أدلّته، إلّا أن يقال بعدم دليل على اعتبار الشرطيّة بهذه المثابة، و يتمّ مع الطهارة بالغسل أو التبديل أو النزع و غير ذلك، كرفع الاضطرار بعد وجوب

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 73.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 221

الإتمام، مع أنّه ربّما يلزم الدور، فتدبّر.

و بالجملة: تحصل إلى الآن: أنّ التفصيل بين صورة العلم بالنجاسة في الأثناء، مع كونها سابقاً عليه، سواء كان من الأوّل أو في الأثناء أو التفصيل بينهما أيضاً، لمساعدة الاعتبار، كما في الطهارة الحدثيّة، و بين صورة تقارن العلم و حدوث النجاسة، و هكذا صورة الشكّ أو صورة العلم بها بعد زوالها، فكلّه ناشئ عن رواية زرارة، و هي عندنا غير حجّة.

فيكون الأظهر بطلان الصلاة إذا توجّه إلىٰ إصابة المنيّ أو البول في الأثناء، و لا يبعد أن يكون البطلان مخصوصاً بصورة خاصّة متعارفة أو الصورتان الأوّليّتان، لمعتبر محمّد بن مسلم «1».

و أمّا الصور الأُخر فلا تبعد الصحّة إذا كان الطرح لا يشغل زماناً يعتدّ به، و إلّا فمقتضى الشرطيّة بطلانها إلّا في مثل الدم، فإنّه مخصوص في تلوّث البدن و الثوب بالصحّة، و لا تسري إلىٰ غيره، بشرط عدم الخروج عن الصلاة عرفاً.

و أمّا معتبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه «2»، فظاهره جواز الإتمام مع الثوب المتنجّس، إلّا أنّه من روايات الدم يتبيّن حكم سائر النجاسات، فيقيّد الإطلاق، أو

يكون معرضاً عنه.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 209.

(2) تقدّم في الصفحة 218.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 222

جواز إتمام الصلاة في صورة ضيق الوقت

و يحتمل هنا جواز الإتمام في صورة ضيق الوقت أو السعة مع العذر المستوعب، أن يتمّ صلاته عارياً، فإنّه يتمكّن من ذلك، و حيث إنّ الصلاة عارياً قد رخّصت في الجملة علىٰ إشكال، فلا يبعد جوازها هنا، في صورة تنجّس الستر، و هو مقتضىٰ جملة من الأخبار في غير هذه الصورة، إلّا أنّ في «تحرير الوسيلة» قال: «فإن أمكن طرح الثوب و الصلاة عرياناً يصلّي كذلك على الأقوىٰ» «1» انتهىٰ.

إلّا أنّ الالتزام بذلك مشكل حتّى في محلّه، لكونه بعيداً عن مذاق الشرع، مع عدم معارضة أخبارها لما ورد في مقابلها، مع أنّها في فرض خاصّ، و هو ابتلاؤه بالجنابة و التيمّم، فتكون من مختصّات المنيّ المشدّد فيه الأمر، فيؤيّد ما ذكرناه.

مع أنّ الصلاة عارياً على الكيفيّة الخاصّة، فيسلتزم الإخلال بعدّة أُمور أُخر مع أنّ بدنه نجس طبعاً، و التقليل بطرح الثوب و الصلاة جالساً، بترك الركوع الذي ليس إلّا عن صلب، بعيد غايته، فما هو المحرّر في محلّه لو صحّ، مخصوص بغير هذه المسألة على الأشبه جدّاً.

و إلّا فهناك صور أُخر من إمكان الإتمام عارياً في السعة و عدمه، و في الضيق و عدمه، و اللّٰه الهادي إلى الصواب.

______________________________

(1) تحرير الوسيلة 1: 120، المسألة 6.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 223

المبحث السابع: فيما لو صلّىٰ في النجس، أو كان بدنه نجساً نسياناً ثمّ التفت في الأثناء، أو بعد الفراغ

اشارة

و على الأوّل كان الوقت في السعة أو ضيقاً، فهل تجب الإعادة أو لا، أو يفصّل في الصور، أو حسب النجاسات، أو بين الثوب و البدن، بين الحكم و الموضوع، و على الأوّل يفصّل بين نسيان الشرطيّة أو النجاسة، أو يفصل بين خصوص نسيان الاستنجاء و غيره، فلا يعيد في الأوّل، و يعيد في الثاني، أو العكس؟ وجوه و أقوال.

فعن القدماء، و

هو المشهور عنهم «1»، بل و عن «الغنية»: «عليه الإجماع» هو البطلان «2»، فتجب الإعادة و القضاء، بل في «شرح الجمل» للقاضي أيضاً: «هو المجمع عليه» «3» و يكفي لاشتهار المسألة، نسبة الخلاف إلىٰ مثل «الاستبصار» «4»، بل و المحقّق في «المعتبر» «5» و هو كتاب فيه الفتاوى الشاذّة. و الأشبه أنّه ليس له أمر ما هو بين أيدينا، و كذلك

______________________________

(1) مفتاح الكرامة 1: 180/ السطر 15، جواهر الكلام 6: 215، مستمسك العروة الوثقى 1: 537، التنقيح في شرح العروة الوثقى 2: 367.

(2) جواهر الكلام 6: 216، مستمسك العروة الوثقى 1: 537، لاحظ الغنية، ضمن جوامع الفقهيّة: 493/ السطر 26.

(3) جواهر الكلام 6: 216، مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 537.

(4) الاستبصار 1: 184/ 14، السرائر 1: 183، مدارك الأحكام 2: 345، مستمسك العروة الوثقى 1: 537.

(5) المعتبر: 122/ السطر 20.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 224

ذهاب «المدارك» (قدّس سرّهم) إلى الصحّة جازماً بها «1».

كما أنّ المتأخّرين فصّلوا بين الوقت و خارجه «2»، و بين أصحابنا المعاصرين، و من عاصرناهم من وافق القدماء «3»، و يظهر من خلال البحث وجوه المحتملات، و بعض الأقوال الأُخر.

القول بالبطلان هو مقتضى القاعدة

و بالجملة: في المسألة روايات كثيرة يظهر منها البطلان، إلّا أنّه ما وجدنا بعد، ما يدلّ علىٰ عموم المدّعىٰ، نعم هو مقتضى القاعدة، بعد ثبوت اعتبار الطهور على الإطلاق؛ و ذلك لأنّ مقتضىٰ إطلاق عقد المستثنىٰ منه، و حديث الرفع، و خصوص «رفع ما نسوا» في بعض الأخبار المذكورة في البراءة «4»، و إن كان الصحّة إلّا أنّ قوّة اشتمال عقد المستثنىٰ للأعمّ من

______________________________

(1) مدارك الأحكام 2: 348.

(2) مجمع الفائدة و البرهان، 1: 345، مفاتيح الشرائع 1: 106،

الحدائق الناظرة 5: 418.

(3) جواهر الكلام 6: 215، العروة الوثقىٰ 1: 95، في أحكام النجاسات، وسيلة النجاة 1: 60، مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 537، التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 2: 367.

(4) عن عمرو بن مروان الخرّاز قال سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: «قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): رفعت عن أُمّتي أربع خصال: ما اضطرّوا إليه، و ما نسوا، و ما اكرهوا عليه، و ما لم يطيقوا.». تفسير العيّاشي 1: 160/ 534، وسائل الشيعة 16: 218، كتاب الأمر و النهي، الباب 25، الحديث 10.

عن جعفر بن محمّد (عليه السّلام) أنّه قال: «رفع اللّٰه عن هذه الأُمّة أربعاً: ما لا يستطيعون و ما استكرهوا عليه و ما نسوا و ما جهلوا حتّى يعلموا». دعائم الإسلام 2: 95/ 99 مستدرك الوسائل 16: 51، كتاب الأيمان، الباب 12، الحديث 2.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 225

الطهور الحدثي، مع أنّ الخبثي هو القدر المتيقّن من معتبر زرارة في الاستنجاء، و هو قوله (عليه السّلام) «لا صلاة إلّا بطهور» «1» تمنع عن كون الصحّة مقتضى القاعدة، بل لو قلنا بإجمال عقد المستثنىٰ، و إطلاق عقد المستثنىٰ منه، لا يمكن الأخذ بإطلاقه هنا للإجمال المتّصل، مع أنّ معتبر زرارة حاكم علىٰ قاعدة «لا تعاد».

و لو سلّمنا عدم حكومته كما أُشير إليه، لأنّ أمثال هذه التراكيب سيقت لإفادة الشرطيّة، يكفينا سقوط عقد المستثنىٰ منه لأجل ما مرّ و تحرّر، و ثبوت الشرطيّة.

اللّهمّ إلّا أن يقال: بحكومة حديث الرفع العامّ و الخاصّ «2».

و فيه: إنّه لو سلّمنا ذلك يلزم ما مرّ؛ فإنّ أدلّة الشرطيّة تقتضي الإطلاق، و حديث الرفع يهدمها، حسب فقرأته الشاملة للحكم و

الموضوع.

اللّهمّ إلّا أن يقال: بعدم صحّته في نسيان الحكم و الجهل به، إمّا ثبوتاً أو إثباتاً، للإجماع و الضرورة، ففي موارد نسيان الموضوع يلزم الصحّة.

سقوط مرجعيّة حديث الرفع في المقام

و لكنّ المحرّر عندنا: عدم جريان حديث الرفع، إلّا في نسيان الجزئيّة

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 73.

(2) الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 160.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 226

و الشرطيّة «1»؛ لأنّهما قابلتان للجعل فقابلتان للرفع دون الموضوع، فمرجعيّة حديث الرفع هنا ساقطة بالمرّة.

نعم، لو قلنا بأنّ المجعول أن لا تكون الصلاة في كلّ نجس، على العامّ الأُصولي يمكن التمسّك، و لكنّه غير تامّ، كما حرّرناه في الشبهة الموضوعيّة للأقل و الأكثر «2».

في عدم صلاحيّة قاعدة «لا تعاد» للمرجعيّة في المقام

و غير خفيّ: أنّه لا تصلح قاعدة «لا تعاد» للمرجعيّة هنا، كي يقال بأنّ مقتضىٰ عقد المستثنىٰ منه هي الصحّة حتّى في ضيق الوقت؛ لأنّ الإعادة و عدمها كناية عن البطلان و عدمه، و ذلك لأنّ تقييد «لا تعاد» بالنسبة إلىٰ عقد المستثنىٰ منه، غير جائز لإبائها عنه، فإنّ العرف في موارد الحصر لا يساعدهم، و يكفي الشكّ، و لأجل ذلك ترى أنّ في سائر الأُمور الأُخرى التي مثل «الخمسة» في الحكم وردت ألسنة الروايات علىٰ نعت الحكومة مثل «لا صلاة بغير افتتاح» «3» أو «لا صلاة لمن لم يقم صلبه» «4» أو «لا صلاة إلّا بطهور» بناء على الحكومة.

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 8: 148 150.

(2) تحريرات في الأُصول 8: 78 و ما بعدها.

(3) تهذيب الأحكام 2: 353/ 1466 وسائل الشيعة 6: 14، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 7.

(4) الكافي 3: 320/ 4، وسائل الشيعة 6: 321، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 15، الحديث 1.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 227

و هكذا، و إن لم تكن بصدد نفي الاسم ادّعاء، إلّا أنّها بصدد إفادة الشرطيّة حكومة.

و أمّا في موارد ترك القربة و النيّة

المنوّعة، فلا تشمل القاعدة لها؛ لأنّها ناظرة إلىٰ أنّه «لا تعاد صلاة ظهر أو عصر» و هكذا إلّا من الخمسة فاغتنم، و يلحق به الرياء، فليتأمّل جيّداً.

فتحصّل أنّ مقتضىٰ هذه المجموعة المذكورة هو البطلان، نعم لأحد دعوى أنّه كما لو نسي و شرب، و هو صائم، يعدّ أنّه رزق رزقه اللّٰه، و لا ينسب إلى الشيطان، كذلك لو نسي فصلّى في ثوب نجس يكون هو أولىٰ بالعذر.

و كما أنّه ورد في روايات الصلاة فيما لا تحلّه الحياة «أنّها في كلّ شي ء منه حلال» فيجوز التمسّك بقاعدة الحل، إلّا أنّه يتوجّه إلى الأوّل، بعدم دلالة في الرواية علىٰ كونها قاعدة كلّيّة، و إلى الثاني، بعدم شموله لحال النسيان، كما مرّ عدم شمول الأدلّة الظاهريّة لحال عدم الالتفات، علىٰ وجه لا يكون في نفسه الشكّ، و إن كان كافياً وجوده في خزانة النفس، كما حرّرناه في الاستصحاب «1».

مع أنّه لم يروِ رواية مستقلّة تدلّ علىٰ قاعدة الحلّ، إلّا ما في صدر خبر مسعدة «2»، و فيه ما فيه المحرّر في محلّه «3».

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 8: 439 445.

(2) مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: «كلّ شي ء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك». الكافي 5: 313/ 40، تهذيب الأحكام 7: 226/ 989. وسائل الشيعة 17: 89، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 4.

(3) تحريرات في الأُصول 7: 26 30.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 228

في ذكر ما أفاده الوالد المحقّق

و ما أفاده الوالد المحقّق في بعض بحوثه: «بأنّ كلّ شي ء نظيف حتّى تعلم.» «1» لم يؤخذ الشكّ في الصدر «2»، و لعلّه لأجل إفادة ذلك

خالف ما ذهب إليه في الأُصول، من امتناع استفادة القواعد الثلاث من أمثاله «3»، مع أنّه يكفي الذيل للصالحيّة على القرينة لتقييد الصدر، أو عدم انعقاد إطلاقه، فتبصّر.

إذا تبيّنت هذه الوجيزة فإليك نبذة من الأخبار الخاصّة، و هي طوائف.

ذكر طوائف الأخبار الخاصّة
الطائفة الأُولىٰ: الأخبار الخاصّة الواردة في الدم

كمعتبر محمّد بن مسلم السابق، على اختلاف نسخ «التهذيب»

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 285/ 119، وسائل الشيعة 3: 467، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 4.

(2) الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 136.

(3) أنوار الهداية 2: 72 74، تهذيب الأُصول 2: 175 188.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 229

و «الكافي» المخصوص بالأثناء، و في ذيله: «و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيّعت غسله، و صلّيت فيه صلاة كثيرة، فأعد ما صلّيت فيه» «1».

و في كونه مرتبطاً بنسيان الغسل إشكال، لقوّة تضييعه الغسل، و عدم غسله صحيحاً بالعصر أو غيره، فيكون راجعاً إلى الجهالة، هذا مع أنّ الرواية مشتملة علىٰ ما أعرض عنه المشهور، مع اختلاف النسخ.

و كمعتبر إسماعيل الجعفيّ على الأشبه، لاحتمال كونه ابن عبد الرحمن، لا ابن جار، مع احتمال كونه الخثعميّ، لا الجعفيّ الثقة الكثير الرواية، الذي يروي عنه أصحاب الإجماع و الأجلّاء جدّاً؛ فإنّه يمكن أن يكون عبد الرحمن جدّه، أو جابر، مع قوّة احتمال تصحيف الجعفيّ و الخثعميّ، أو كونه هما معاً.

و بالجملة: هذه الرواية عن الجعفيّ الذي يروي عنه جعفر بن بشير، عن أبي جعفر (عليه السّلام)، قال في الدم يكون في الثوب، «إن كان أقلّ من قدر الدرهم، فلا يعيد الصلاة، و إن كان أكثر من قدر الدرهم، و قد كان رآه، فلم يغسله حتّى صلّىٰ، فليعد صلاته، و إن لم

يكن رآه حتّى صلّىٰ، فلا يعيد الصلاة» «2».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 216.

(2) تهذيب الأحكام 1: 255/ 739، وسائل الشيعة 3: 430، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20، الحديث 2، جامع أحاديث الشيعة 2: 179، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 28، الحديث 4.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 230

و هكذا خبر جميل عن بعض أصحابنا «1».

و كمعتبر سماعة، قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يرىٰ بثوبه الدم، فينسىٰ أن يغسله حتّى يصلّي، قال: «يعيد صلاته، كي يهتمّ بالشي ء إذا كان في ثوبه عقوبة لنسيانه.» «2».

و كخبر قرب الإسناد، عن عليّ بن جعفر، عن أخيه، قال: و سألته عن رجل احتجم فأصاب ثوبه دم، فلم يعلم به حتّى إذا كان من الغد كيف يصنع؟ قال: «إذا كان قد رآه فلم يغسله، فليقض جميع ما فاته، علىٰ قدر ما كان يصلّي و لا ينقص منها شي ء، و إن كان قد رآه و قد صلّىٰ، فليعتدّ بتلك الصلاة، ثمّ يغسله» «3».

و غير ذلك المذكور في الباب المزبور «4» و غيره «5».

______________________________

(1) جميل بن درّاج، عن بعض أصحابنا، عن أبي جعفر (عليه السّلام) و أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّهما قالا: «لا بأس بأن يصلّي الرجل في الثوب و فيه الدم متفرّقاً شبه النضح، و إن كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس به ما لم يكن مجتمعاً قدر الدرهم». وسائل الشيعة 3: 430، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20، الحديث 4.

(2) تهذيب الأحكام 1: 254/ 738، وسائل الشيعة 3: 480، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 42، الحديث 5، جامع أحاديث الشيعة 2: 166، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 23، الحديث 7.

(3) قرب الإسناد:

208/ 810، وسائل الشيعة 3: 477، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 10.

(4) أبو بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إن أصاب ثوب الرجل الدم، فصلّى فيه و هو لا يعلم فلا إعادة عليه، و إن هو علم قبل أن يصلّي فنسي و صلّى فيه فعليه الإعادة». وسائل الشيعة 3: 476، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 7.

(5) وسائل الشيعة 3: 479، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 42.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 231

و هذه الأخبار يؤيّدها الصناعة و القواعد حسب ما تحرّر «1»، و تكون صالحة ليعتدّ بطائفة أُخرى كمعتبر العلاء، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشي ء ينجّسه، فينسىٰ أن يغسله، فيصلّي فيه، ثمّ يذكر أنّه لم يكن غسله، أ يعيد الصلاة؟ قال: «لا يعيد الصلاة، و قد مضت الصلاة، و كتبت له» «2».

و تصير النتيجة: عدم وجوب الإعادة، إلّا من باب نسيان الدم، فإنّه ربّما كان لأجل كثرة الابتلاء به، و لأجله وردت رواية سماعة «3»، علىٰ أنّ الإعادة عقوبة، فما هو الأصل هو خبر العلاء.

و توهّم إعراضهم «4» ممنوع، لجمعهم و حملهم، و لتوهّمهم اتّحاد أحكام النجاسات، مع اختلافها في كثير منها في الفقه كما لا يخفىٰ.

فبالجملة: مقتضى الصناعة هي الإعادة حتّى لو تذكّر في الأثناء، و علىٰ خلافها معتبرة العلاء بإطلاقها، و هو المتّبع إلّا في مثل الدم.

نعم، خبر الجعفريّات، عن عليّ (عليه السّلام) «5» يعارض رواية العلاء، إلّا أنّه

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 224 و ما بعدها.

(2) تهذيب الأحكام 1: 423/ 1345، و 2: 360/ 1429، وسائل الشيعة 3: 480، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 42، الحديث

3.

(3) تقدّم في الصفحة 230.

(4) جواهر الكلام 6: 218.

(5) حدّثنا أبي عن أبيه عن جدّه جعفر بن محمّد (عليه السّلام) عن أبيه «أنّ عليّاً (عليه السّلام) كان يقول: «من صلّىٰ حتّى يفرغ من صلاته و هو في ثوب نجس، فلم يذكره إلّا بعد فراغه ليعيد الصلاة». الجعفريات: 50، مستدرك الوسائل 2: 586، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 33، الحديث 1.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 232

غير ثابت اعتباره.

الطائفة الثانية: في الأخبار الواردة في الاستنجاء

فهي مع كثرتها المتعارضة و اختلافها، تكون أيضاً مقيّدة لمعتبر العلاء، و لنعم ما أفاد «الحدائق» «1» من التمايل إلى اختلاف الأنجاس في الأحكام، و هذا منه مترقّب لاتّباعه الأخبار.

فبالجملة: في كثير منها ما يدلّ علىٰ وجوب الإعادة، و لا سيّما في البول الذي عرفت اشتداد الحكم في حقّه حتّى في الاستنجاء، فإنّه لا يطهر موضعه إلّا بالماء، و هذا أيضاً من موارد اختلاف أحكامها.

و من الغريب: أنّهم اتّبعوا القدماء، في وحدة الحكم و اختلافه، دون الأخبار و الروايات، مع اختلافها في غير موارد ذهابهم إلى الاختلاف، كما عرفت في باب الجهالة، و تعرف في هذه المسألة.

و من هنا يظهر حلّ الطائفة الأُخرىٰ كمعتبر عليّ بن جعفر، قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير، فلم يغسله، فذكر ذلك و هو في صلاته، كيف يصنع به؟ قال: «إن كان دخل في صلاته فليمض، و إن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه، إلّا أن يكون فيه أثر فيغسله».

قال: و سألته عن خنزير شرب من إناء كيف يصنع به؟ قال: «يغسل سبع

______________________________

(1) لاحظ الحدائق الناظرة 2: 22 25 و 5: 418 426.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 233

مرّات» «1».

فإن قلنا: إنّ

الإمضاء على النجاسة خلاف الإجماعات و الشهرات القطعيّة، فلا بدّ من تفسيره على وجه، بأن تكون الإصابة بقرينة الذيل بلا رطوبة، و لا ينافيه قوله: «و لم يغسله» لأنّ من الممكن صدق الغسل على النضح، أو فرض الغسل عند عدم وجود الأثر، و أنت ترى كيف فرّق بين أحكام النجاسات.

و بالجملة: يظهر أنّ في موارد كثرة الابتلاء الموجبة للاهتمام ك «باب الاستنجاء» و «الابتلاء بالدم»، تكون الصلاة باطلة، في صورة النسيان، و هو مقتضى القاعدة، و أمّا مقتضىٰ معتبر العلاء «2»، عدم وجوب الإعادة، و لا يبعد إطلاقه للشمول إلّا بعد الفراغ، أو في الأثناء جدّاً.

و أمّا القول بالتفصيل بين الإعادة في الوقت و اللاإعادة خارجه، فهو ضعيف، بعد ما عرفت من عدم المعارضة في هذه المسألة.

نعم، في أخبار الاستنجاء معارضة، إلّا أنّ الواجب هو اتّباع ما يدلّ علىٰ وجوب الإعادة، و تقييد معتبر العلاء به، و لا حاجة إلى الجمع بين الأخبار؛ لعدم التنافي بعد ذلك بينها، و اللّٰه العالم.

______________________________

(1) مسائل علي بن جعفر: 348/ 858، الكافي 3: 61/ 6، تهذيب الأحكام 1: 261/ 760، وسائل الشيعة 3: 417، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 13، الحديث 1.

(2) تقدّم في الصفحة 231.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 234

الطائفة الثالثة: في الأخبار الآمرة بالإعادة في نجاسة البدن بالبول

ثمّ إنّ هناك طائفة أُخرى آمرة بالإعادة في نجاسة البدن بالبول، كمعتبر ابن مسكان «1»، و رواية الحسن بن زياد «2»، و هو موافق للقاعدة، و لا ربط له بمعتبر العلاء؛ لأنّ مورده الثوب، فإنّ الثوب خلاف الجسد، كما في معتبر عليّ بن مهزيار، إلّا أنّه مضمر، قال: كتب إليه سليمان بن رشيد يخبره أنّه بال في ظلمة الليل، و أنّه أصاب كفّه بردّ نقطة

من البول، لم يشكّ أنّه أصابه، و لم يره و أنّه مسحه بخرقة، ثمّ نسي أن يغسله، و تمسّح بدهن، فمسح به كفّيه و وجهه و رأسه، ثمّ توضّأ وضوء الصلاة فصلّى، فأجابه الجواب، قرأته بخطّه: «أمّا ما توهّمته، ممّا أصاب يدك ليس بشي ء إلّا ما تحقّق، فإن حقّقت ذلك كنت حقيقاً أن تعيد الصلوات التي كنت صلّيتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهنّ في وقتها» أي: ما كنت أتيت

______________________________

(1) ابن مسكان قال: بعثت إلىٰ أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) مع إبراهيم بن ميمون، قلت: تسأله عن الرجل يبول فيصيب فخذه قدر نكتة من بوله فيصلّي و يذكر بعد ذلك أنّه لم يغسلها؟ قال: «يغسلها و يعيد صلاته». الكافي 3: 406/ 10، تهذيب الأحكام 2: 359/ 1486، وسائل الشيعة 3: 480، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 42، الحديث 4، جامع أحاديث الشيعة 2: 164، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 23، الحديث 4.

(2) الحسن بن زياد قال: سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يبول فيصيب فخذه قدر نكتة من بوله فيصلّي ثمّ يذكر بعد أنّه لم يغسله؟ قال: «يغسله و يعيد صلاته». الكافي 3: 18/ 10، تهذيب الأحكام 1: 268/ 789، وسائل الشيعة 3: 429، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 19، الحديث 2 و 481 الباب 42، الحديث 6، جامع أحاديث الشيعة 2: 164، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 23، الحديث 3.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 235

بها في وقتها، و هي صلوات النوافل و الفرائض «و ما فات وقتها، فلا إعادة عليك لها من قبل أنّ الرجل إذا كان ثوبه نجساً، لم يعد الصلاة ما كان في وقت، فضلًا عمّا

فات وقتها، و إذا كان جنباً أو صلّىٰ علىٰ غير وضوء، فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته، لأنّ الثوب خلاف الجسد، فاعمل علىٰ ذلك إن شاء اللّٰه» «1».

و كأنّه (عليه السّلام) يريد التفكيك بين الثوب و الجسد، بحسب الحكم الذاتي، و لكن في مثل المقام لمكان الملازمة العاديّة بين نجاسة البدن و الثوب، أراد أفاده أنّه تجب، لتنجّس البدن الملازم لبطلان الوضوء، إعادة الصلوات على الإطلاق.

و أمّا في صورة كون الثوب نجساً، دون البدن على الإطلاق لمكان التعليل، فلا بدّ من إعادة ما في الوقت، دون ما فات وقتها، فعلى هذا مقتضىٰ هذه الرواية، وجوب الإعادة بالنسبة إلى الاختلال من ناحية طهارة البدن، كما تجب لو صلّىٰ جنباً، أو علىٰ غير وضوء، و لو كان من جهة نجاسة موضع الغسل و الوضوء، إلّا أنّ الإنصاف اضطرابه جدّاً.

و قد كانت الأخبار السابقة راجعة إلى الصلاة في الثوب النجس، و أخبار الاستنجاء ظاهرة في البدن، فلا تعارض، ففي غير هذه الصورة يشكل صحّة الصلاة إذا أخلّ بطهارة البدن، بعد ما عرفت أنّ مقتضى القاعدة، وجوب الصلاة الثانية؛ و لعلّها لكونها عقوبة و تعذيباً و كفّارة.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 426/ 1355، وسائل الشيعة 3: 479، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 42، الحديث 1.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 236

و أمّا في خصوص الدم، فطائفة من الأخبار الماضية نطقت بعفوه، بالنسبة إلى الرعاف أو مطلقاً، إلّا في خصوص النسيان.

إمكان التفكيك بين النجاسات و بين نسيان نجاسة الثوب و البدن

فتحصّل لحدّ الآن إمكان التفكيك بين النجاسات و بين نسيان نجاسة الثوب و البدن، و عند ذلك تنحلّ مشكلة المعارضات الظاهرة في الأخبار، من غير الحاجة إلى الجموع التبرعيّة أو غير العرفيّة.

نعم ما سلكناه خلاف الشهرة، بل و

الإجماع إلّا أنّ قوّة كون المستند نفس هذه الأخبار، مع عدم إمكان تحصيل الشهرة، بعد اختلاف في الجملة، تمنع عن وجوب اتّباعهم عمياناً، و المهمّ أنّه يكون في الأخبار معتبر العلاء، مرجعاً عند الشك بالنسبة إلى الثوب.

و لا دليل في خصوص البدن، كي يكون مرجعاً إلّا معتبر محمّد بن مسلم السابق «1»، إلّا أنّ إطلاقه غير واضح، بل ممنوع، لما في ذيله «و إن أنت نظرت في ثوبك.» إلىٰ آخره، و في صدره: «الدم يكون في الثوب.».

فعلى هذا تسوية الثوب و البدن، في غير محلّه، كما أنّ تسوية الساتر و مطلق الثوب، أيضاً في غير محلّه، فعلى هذا في نسيان البدن في غير موضع الاستنجاء، يكون المرجع قواعدنا الكلّيّة الماضية، و في صورة النسيان، و أمّا في الثوب، فالمرجع معتبر العلاء، و قد خرج عنه نجاسة المنيّ و البول.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 216.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 237

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ الأخبار المخصوصة بالجهل بالموضوع، تشمل صورة النسيان لصدق عدم العلم حين الصلاة، و إن كان بعد التذكّر يصدق عليه أنّه ناس، و كان عالماً، فتأمّل.

أو يقال بعدم الخصوصيّة في موارد نسيان الاستنجاء، و لا سيّما في مثل البول، و فيه ما فيه.

أو يقال: بأنّ المرجع، هي الشهرة و الإجماعات المحكيّة، بعد الأدلّة الناهضة على الشرطيّة أو المانعيّة، المعتضد بالقواعد التي عرفت منّا، المنتهية إلى البطلان، و قد ثبت عدم البطلان على الإطلاق في نسيان الثوب، حسب معتبر العلاء، إلّا في خصوص البول و المنيّ، فإنّهما شديدان في الشرع.

و يؤيّد المعتبر بعض الأخبار في النجاسات الأُخر، مثل الدم و غيره كما عرفت.

عدم صحّة التفصيل بين الوقت و خارجه إلّا في نسيان الاستنجاء

و لا وجه للتفصيل بين الوقت و خارجه، و

أمّا نجاسة البدن، فهي تنتهي إلى البطلان، إلّا في مورد نسيان الاستنجاء، فإنّ مقتضىٰ أخبارها التفصيل بين الوقت و خارجه، و بين التذكّر في الأثناء و بعد الفراغ.

ففي معتبر عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهم السّلام)، قال: سألته عن رجل ذكر و هو في صلاته، أنّه لم يستنج من الخلاء. قال: «ينصرف

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 238

و يستنجي من الخلاء، و يعيد الصلاة» «1».

و في خبر هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، في الرجل يتوضّأ، و ينسىٰ أن يغسل ذكره، و قد بال، فقال: «يغسل ذكره، و لا يعيد الصلاة» «2» و هو مخصوص بما بعد الصلاة، و أعمّ من ناحية الوقت و إن كان الأشبه ظهوره فيه.

و يكفينا معتبر عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهم السّلام)، و هو ما مرّ إلّا أنّ في ذيله: «و إن ذكر، و قد فرغ من صلاته، فقد أجزأه ذلك» و هذا يقتضي الإجزاء بعد مضي الوقت بالضرورة.

و يؤيّده بعض الأخبار المضطربة كمعتبر الساباطيّ «3»، و أمّا خبر سماعة «4»، فلا يعتدّ به فليراجع، و لو لا مخافة الإجماع كان بين الأخبار جمع ظاهر، فليتأمّل جيّداً.

نعم، في سند خبر هشام، أحمد بن هلال المتوفّىٰ سنة 267، الموثوق عندنا «5».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 50/ 145، وسائل الشيعة 1: 318، كتاب الطهارة، أحكام الخلوة، الباب 10، الحديث 4.

(2) تهذيب الأحكام 1: 48/ 140، وسائل الشيعة 1: 317، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 10، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 1: 317، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 10، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 1: 319، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة،

الباب 10، الحديث 5.

(5) محمّد بن الحسن بإسناده عن سعد بن عبد اللّٰه عن موسى بن الحسن عن حسن بن عليّ عن أحمد بن هلال عن محمّد بن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أمير المؤمنين (عليه السّلام).

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 239

مع أنّ هناك معتبر عمّار بن موسى، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: «لو أنّ رجلًا نسي أن يستنجي من الغائط حتّى يصلّي، لم يعد الصلاة» «1» و قضيّة ذلك صحّتها على الإطلاق، و عدم وجوب الانصراف في الأثناء، إلّا أنّه يقيّد بما مرّ من هذه الجهة، و يوافقه الاعتبار جدّاً.

نعم، هذا مخصوص بالغائط، و ذاك بالبول المشدّد فيه الأمر، إلّا أنّه قابل لكونه مخصّصاً، لما ورد في خصوص إيجاب الإعادة عند نسيان التنجّس بالبول الوارد في «الجامع» «2» و قد مرّ الإيماء إليه.

فالحكم في تنجّس البدن و الثوب بالبول، و نسيان التطهير شديد دون غيره، إلّا في الدم، مع احتمال اختصاص الاستنجاء بحكم، فلا يشمل خبر ابن مسكان و غيره المذكورين المشار إليهما آنفاً «3»، مورد الاستنجاء، فيلزم التفكيك في البدن، كما اختاره المشهور طهارة غسالة البول، في موضع من البدن، و هو رأس الحشفة و نجاستها في غيره، و قد تبيّن حكم التذكّر في الأثناء، مع سعة الوقت و ضيقه على الفرضين.

فرع: في الردّ علىٰ ما ذكره السيّد اليزدي (قدّس سرّه) في ناسي الحكم و الموضوع

قال في «العروة» بتسوية ناسي الحكم و الوضع، و الجاهل في

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 201/ 789، وسائل الشيعة 1: 318، كتاب الطهارة، أحكام الخلوة، الباب 10، الحديث 3.

(2) جامع أحاديث الشيعة 2: 164 165، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 23، الحديث 3 و 4 و 5.

(3) تقدّم في الصفحة 234 و ما

بعدها.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 240

وجوب الإعادة و القضاء «1»، و قد ذكروا وجهه، أنّه يصير في الحقيقة جاهلًا، فيندرج في إطلاق تلك الأدلّة، و معاقد الإجماعات.

و ليس الأمر عندنا كذلك؛ لأنّه مضافاً إلىٰ عدم مساعدة العرف، كما يشهد به حديث الرفع، و عدم مساعدة اللغة بعد التذكّر، فإنّه في موارد النسيان جاهل، إلّا أنّه يكفي للاختلاف صدق الذكر في مورد النسيان دون الجهل، أنّ ما يتبيّن للمتفحّص في أخبار التعلّم، و المتدبّر في قوانين كلّ شريعة، أنّه يشترك العالم و الجاهل في الحكم.

و لو كان الجاهل مقصّراً كان أو قاصراً كما هو الأكثر خارجاً عن الأدلّة علىٰ تقدير إمكانه، كما هو كذلك، أو كان الشرع مخرجاً للجاهل على الإطلاق، كان يلزم لغويّة أساس التشريعات و الإسلام، فالأوامر الكثيرة، و الأدلّة الناهضة في مختلف موارد الفقه، عبادة كان أو معاملة، ليست إلّا طرقاً إلىٰ توجيه الأُمم إلىٰ فساد أعمالهم المقرونة بالجهالة.

و لأجل ذلك أنكرنا الإجزاء في موارد حديث الرفع و قاعدة «لا تعاد» و غير ذلك دونها، مثل المجتهد المخطئ أو المقلّد المخطئ في تقليده، أو المقلّد المخطئ مقلّده في وصوله إلى الواقع؛ لأنّه تعلّم و إن لم يصب، و تفصيله في بحوث الاجتهاد و التقليد، و قد مرّ: أنّ مقتضى الصناعة عدم الإجزاء على الإطلاق، و لو كان ما أتى به صحيحاً بالنظر الثانوي، فليلاحظ.

فعلى هذا ناسي الحكم و الوضع، لمكان بذل جهده في التعلّم،

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 96، فصل إذا صلّىٰ في النجس، المسألة 1.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 241

مشمول الأدلّة الثانوية كقاعدة «لا تعاد» و حديث الرفع، فلو تذكّر بعد ذلك فالإعادة و إن كانت واجبة،

بحسب النظر الأوّلي إلى الواقعيّات الأوّليّة المحفوظة، و لكنّها بالقياس إلى الأدلّة الثانويّة غير صالحة لاقتضاء الإعادة، حسب هذا النظر المشار إليه، و كانت المسألة من قبيل «من تعمّد في الاضطرار، و الإكراه، و السهو، و النسيان، و الجهل بالموضوع» و هكذا، و إلّا فمقتضى الصناعة البسيطة، لزوم الإعادة و لو قلنا بصحّة ما أتىٰ به، حسب حكومة الأدلّة الظاهريّة، فافهم و اغتنم.

و أمّا توهّم امتناع تعلّق الخطاب بالناسي كالجاهل، فهو فاسد في التكليفيّات، فضلًا عمّا نحن فيه، و هي الاعتبارات الوضعيّة، و تفصيل البهبهانيّ فاسد، قد تحرّر في الأُصول «1».

تنبيه: في أنّ البحث في الخلل أعمّ من خلل الشرط أو الجزء جهلًا أو نسياناً

الكلام في بحوث الخلل أعمّ من الاختلال بالشرط أو الجزء، جهلًا أو نسياناً، و غفلة أو اضطراراً و إكراهاً، فعلى هذا لو انحصر الثوب في النجس، و الوقت واسع، و لكنّه يعلم بعدم تمكّنه، فلا يضطرّ فعلًا إلى الصلاة، و لكنّه لا بدّ من الإخلال بأحد الأمرين، إمّا الستر أو الطهارة.

و من هنا يعلم ما لو ضاق الوقت، و اضطرّ إلى الصلاة لأهمّيّة الوقت عن سائر الأُمور، لانتهائه إلىٰ ترك المأمور به، كما لا يخفىٰ، و لو

______________________________

(1) لاحظ تحريرات في الأُصول 8: 136 137.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 242

قلنا بجريان الاستصحاب بعد الوقت، كما حرّرناه في الأُصول «1».

و لا يخفىٰ: أنّ مباحث الخلل، بعد الفراغ عن إطلاق أدلّة الشرط و الجزء، و إلّا فالمرجع هي البراءة، من غير حاجة إلى قاعدة «لا تعاد» و «من زاد» و أمثالهما، فالبحث هنا عن الإطلاق غير جائز.

و ربّما يستفاد إطلاق دليل الشرط و الجزء، من إطلاق «لا تعاد» و إلّا فلا تمسّ الحاجة إلى ضرب قاعدة علىٰ خلاف الإطلاقات.

فما في كلام جمع من

فرض ضيق الوقت، كما في «صلاة» جدّ أولادي (قدّس سرّه) «2» و غيره، غير تامّ.

ثمّ إنّ الجهة المفروضة في المقام، صورة عدم الاضطرار إلىٰ لبس الثوب، أو كون العريان حرجاً حسب شأنه، لكونه بين الناس، أو غير ذلك كوجود الناظر المحترم فافهم، فإنّه ربّما ينتهي البحث إلى الصلاة جالساً، مخلّاً بشرائط الركوع و السجود أو مخلّاً بهما، لأنّ الإيماء ليس من الركوع و السجود، بل و القيام برأسه؛ و لذا رخّص الشرع على الإطلاق الإيماء في المندوبات، مع أنّ «لا تعاد» أعمّ من الفرائض، و «لا صلاة لمن لم يقم صلبه» «3» مثله.

بل هو أوضح في أنّ الإيماء ليس من الركوع موضوعاً، و إنّما الشرع توسعة على العباد أمر بالإيماء في موارد الاضطرار، و في مطلق الصلوات

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 4: 68 71.

(2) الصلاة، المحقّق الحائري: 333.

(3) تقدّم في الصفحة 226.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 243

المندوبة «1»، و إلّا يلزم التقييد المستهجن، أو الادّعاء المبتذل في قوله «لا صلاة لمن لم يقم صلبه» فليلاحظ و اغتنم.

في دوران الأمر بين الإخلال بالستر أو الطهور

فعلى هذا لو دار الأمر بين الإخلال بالستر، أو الطهور بأن يصلّي في النجس الساتر لعورته، فهل يتخيّر، أو يتعيّن أحدهما، أو يكرّر الصلاة حسب القواعد؟ وجوه، و لا فرق في الجهة المبحوث عنها، حسب القواعد بين ما لم يدخل في الصلاة أو التفت في أثنائها.

و غير خفيّ: أنّ محطّ البحث ما لو تمكّن من النزع، علىٰ وجه لا يلزم الإخلال بأمر آخر، كالابتلاء بالمنافي و القاطع.

و بالجملة، وجوه بل و أقوال، و المهمّ عندنا النظر إلى المسألة حسب المختار، و أمّا تفصيلها بذكر وجوهها و أدلّتها و نقلها و نقدها، فهو موكول إلىٰ أهلها.

و

قبل الخوض فيها فربّما يقال: بأنّه فيما هو محطّ النزاع، لا تصل النوبة إلى الصلاة عارياً، بحسب الفرض لإمكان القيام و الستر باليد، و هكذا الركوع.

نعم، حال السجدة ربّما يلزم الإخلال بموضع اليدين، أو اليد الواحدة، فهو يتمكّن من الصلاة ساتراً، و يدور الأمر بين الإخلال بشرط السجدة، و الطهور بالصلاة في الثوب النجس، فلا يدور الأمر، حسب

______________________________

(1) وسائل الشيعة 5: 481، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 244

القواعد إلى الصلاة عارياً أو في الثوب النجس، بل يدور الأمر حسب الطبع، و في صلاة المختار بين الإخلال بشرط السجدة و بين الإخلال بشرط الستر، و هي الطهارة.

و ممّا ذكرنا يظهر: أنّ هذه المسألة من بحوث الخلل بالطهور، و لو رخّصنا جوازه فكيفيّة الصلاة، هي صلاة المختار، و لو لم نرخّص ذلك، فيندرج في مسألة كيفيّة صلاة العاري المذكورة في مباحث الستر، عند عدم التمكّن من الستر الجامع للشرائط، و تفصيله يطلب هناك.

و الذي هو المهمّ هنا هو الإشارة إلىٰ أنّ وجوب الستر في الصلاة قابل للمنع، لتعارف الصلاة في المساجد فرادى و جماعة، و في مواقف معرضيّة المكان للناظر المحترم، و عند ذلك لَوْ ورد في الأخبار ما يدلّ على الستر، فربّما كان ذلك ناظراً إلىٰ هذه الجهة، و لا يرتبط بتقيّد الصلاة بالستر كتقيّدها بالقبلة و الطهور و غير ذلك.

و من نظر في مختلف أخبار تلك المسألة، ربّما يجوز له الشكّ في التقييد، فيكون المرجع عندئذٍ هي البراءة، فإنّ هناك شواهد كثيرة في طيّ الأخبار المذكورة، و لا سيّما التأكيد في ستر المرأة، و غير ذلك، فاغتنم.

دوران الأمر بين الإخلال بشرط الطهارة و بين الإخلال بالستر

فلو فرضنا اعتبار الستر، و دار الأمر بين الإخلال

باشتراط الطهور لوحدة الثوب النجس أو الإخلال بالستر، فالأشبه أنّ الطهور شرط الستر، و الستر شرط الصلاة، كما في غير شرائط اللباس، من الإباحة،

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 245

و كونه ممّا ذكّي، و لم يكن من الميتة، و غير ذلك كالذهب و الإبريسم.

و هناك احتمالات كثيرة أُخر، إلّا أنّها واهية، و هكذا احتمال كونه شرط المصلّي بما هو مكلّف، بل هو شرط الصلاة أو المصلّي بما هو مصلّي، الراجع إلى الصلاة عرفاً.

و حديث «مانعيّة النجس و النجاسة» غير معقول عندنا، و ما هو المعقول غير مساعد له الأدلّة، و تفصيله في الأُصول «1»، فالطهارة شرط الستر و اللباس، و في موارد النهي عن الصلاة في النجس، تكون الأخبار إرشاداً إلى اعتبار طهارة الثوب.

و توهّم: أنّ قوله (عليه السّلام): «لا صلاة إلّا بطهور» له الإطلاق حتّى بالنسبة إلى الثوب؛ كي يستفاد منه أهمّيّة الطهور بالنسبة إلى الستر «2»، في غير محلّه؛ لأنّ ذيله يرتبط بالاستنجاء، و يمكن أهمّيّة طهارة البدن، فإنّ الثوب خلاف الجسد، كما في معتبر عليّ بن مهزيار الماضي، فإطلاقه بالنسبة إلى الثوب، قابل للمنع، فضلًا عن الساتر للعورة.

فيدور الأمر بين أمرين، يكون لهما الإطلاق فرضاً، و هما الأمر بالستر، و الأمر بكونه طاهراً، فلو انحصر الثوب في النجس، يدور الأمر بين الإخلال بشرط الستر، فيصلّي عرياناً أو بشرط الطهارة، فيصلّي في النجس، بعد كون محطّ البحث صورة فقد الجهات الأُخر كالضرورة و الحرج و غيرهما.

______________________________

(1) لاحظ تحريرات في الأُصول 8: 56 57 و 86 88.

(2) الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 173 و 174.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 246

و غير خفيّ: أنّه لو كان لقوله (عليه

السّلام) في معتبر زرارة «1» شي ء حسب الصناعة، فلازمه أنّه عند فقد الطهور ليس عليه صلاة؛ لأنّ ما يأتي به ليس بصلاة، حسب عكس النقيض، فليتأمّل.

هذا، مع أنّ الطهور حسب الذيل، هو المطهّر، و هي الأحجار، لا الطهارة المعتبرة في البدن أو الثوب و الساتر، و حيث لا سبيل إلى الجمع بين الأمرين المذكورين عرفاً، و إن ذكروا وجوهاً بين ما هي صناعيّة غير عقلائيّة، و ما لا يتمّ فيمكن الأخذ بإطلاقهما، بتكرار الصلاة وجوباً، كما في جملة من الأخبار في أشباه المسألة، و هو مورد العلم الإجمالي بنجاسة أحد الثوبين اللذين يستر بهما، و تكونان صحيحتين.

و لكنّه لمكان مفروغيّة الأصحاب عن وجوب التعدّد مثلًا، فالجمع هو اختيار العريان؛ لأنّ الطهارة شرطه، و لا دليل علىٰ تعدّد المطلوب بعد الإطلاقين المذكورين، الراجع أحدهما إلى الإرشاد إلىٰ كون الستر طاهراً.

و يؤيّدنا فهم المشهور الأقدمين، و ذهابهم إلىٰ تعيّن العريان «2»، و إنّما المتأخّرون غفلة عن بعض ما سلف احتملوا التخيير «3» أو تعيّن الصلاة في النجس، «4» أو يقال بوجوب الجمع شرعاً أو عقلًا «5».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 73.

(2) الخلاف 1: 474، المسألة 218، السرائر 1: 186، شرائع الإسلام 1: 46، تذكرة الفقهاء 1: 94.

(3) جامع المقاصد 1: 177 178، الحدائق الناظرة 5: 353، مستند الشيعة 4: 276.

(4) العروة الوثقىٰ 1: 97، المسألة 4، مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 546.

(5) وسيلة النجاة: 60.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 247

بقي شي ء: في مقتضى القواعد و الأخبار في المسألة المذكورة

قضيّة القواعد تعيّن الصلاة عرياناً، و لو قلنا باعتبار الستر، و هذا من غير فرق بين كونه في الأثناء، أو قبل الصلاة أو في سعة الوقت أو ضيقه.

نعم في الأخبار ما يدلّ علىٰ تعيّن الصلاة في

النجس، صريحاً أو ظاهراً، فمن الأوّل معتبر عليّ بن جعفر، عن أخيه، قال: سألته عن رجل عريان، و حضرت الصلاة، فأصاب ثوباً نصفه دم أو كلّه، أ يصلّي فيه أو يصلّي عرياناً؟ فقال: «إن وجد ماء غسله، و إن لم يجد ماء يصلّي فيه، و لا يصلّي عرياناً» «1».

و من الثاني: جملة من الأخبار، الأمر بالصلاة فيه، في مفروض المسألة، و ظاهره التعيّن حسب ما تحرّر «2» كمعتبر الحلبيّ «3» و غيره «4»، و حيث إنّ في الأخبار لم يفرق بين الدم و غيره، و لا سيّما المنيّ و البول،

______________________________

(1) قرب الإسناد: 89، الفقيه 1: 160/ 756، تهذيب الأحكام 2: 224/ 884، وسائل الشيعة 3: 484، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 5.

(2) تحريرات في الأُصول 2: 188 و ما بعدها.

(3) سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل أجنب في ثوبه و ليس معه ثوب غيره. قال: «يصلّي فيه، فإذا وجد الماء غسله». الفقيه 1: 40/ 155، وسائل الشيعة 3: 484، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 1.

(4) سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يجنب في ثوب ليس معه غيره و لا يقدر علىٰ غسله. قال: «يصلّي فيه». الفقيه 1: 160/ 754، وسائل الشيعة 3: 484، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 4.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 248

لا يمكن الجمع بينها من هذه الجهة.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ ظهور الأخبار في التعيّن تعليقي، و ليس بوضعي، حسب ما تقرّر، فعند مقايستها مع الأخبار الآمرة بالصلاة عرياناً كمعتبر عمّار الساباطيّ، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه سئل عن رجل ليس معه إلّا ثوب واحد، و لا

تحلّ له الصلاة فيه، و ليس يجد ماء يغسله، كيف يصنع؟ قال: «يتيمّم و يصلّي، فإذا أصاب ماء غسله، و أعاد الصلاة» «1».

و دلالته موقوفة علىٰ أن يحمل علىٰ أنّه يصلّي عرياناً، كما في معتبر منصور بن حازم، عن الحلبيّ، في الرجل الذي أصاب ثوبه منيّ، قال (عليه السّلام): «يتيمّم و يطرح ثوبه و يجلس.» «2».

و هكذا معتبر سماعة في مفروض المسألة، قال (عليه السّلام): «يتيمّم و يصلّي عرياناً قاعداً» «3».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 407/ 1279 و 2: 224/ 886، وسائل الشيعة 3: 485، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 8.

(2) عن منصور بن حازم عن محمّد بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل أصابته جنابة و هو بالفلاة و ليس عليه إلّا ثوب واحد و أصاب ثوبه مني. قال: «يتيمّم و يطرح ثوبه و يجلس مجتمعاً فيصلّي فيومئ ايماءً». تهذيب الأحكام 1: 406/ 1278 و 2: 223/ 882، وسائل الشيعة 3: 486، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 46، الحديث 4.

(3) سماعة قال: سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض و ليس عليه إلّا ثوب واحد و أجنب فيه و ليس عنده ماء، كيف يصنع؟ قال: «يتيمّم و يصلّي عرياناً قاعداً يومي إيماء». الكافي 3: 396/ 15، تهذيب الأحكام 2: 223/ 881، وسائل الشيعة 3: 486، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 46، الحديث 1.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 249

و في معتبر آخر منه، عنه (عليه السّلام)، في الرجل في الفلاة، و انحصر ثوبه بما أجنب فيه، و لا يجد الماء، قال (عليه السّلام): «يتيمّم و يصلّي عرياناً قائماً يومي إيماء» «1» و هكذا غيره.

و لا معارضة

بينهما إلّا بالعرض، و هو معناه التعارض المجازي، لا الحقيقي، فلنعم ما كان يصنع الشيخ الطوسيّ (رحمه اللّٰه) بالجمع بين الأمر و النهي، باختيار التخيير «2»، بعد معلوميّة وجوب الصلاة مرّة واحدة من الصلوات الخمس المفروضة، و لا بينها و بين معتبر أخ موسى بن جعفر (عليهم السّلام) «3»، لاختصاصها بالدم، فإنّ نجاستها ليست فيها الغلظة، و التشديد، و لا يكون مثل المنيّ و البول، كما في معتبر محمّد بن مسلم السابق «4»، و قد جُمعت هذه الأخبار «5».

و يمكن الجمع الآخر البديع، و هو: إنّ الأمر بالصلاة في الدم و المتنجّس به مخصوص به، و لا إعادة عليه، و أمّا في مثل البول و المنيّ المذكورين في مجموع هذه الأخبار، المشدّد أمرهما في المعتبر المزبور آنفاً، فبعد فرض عدم التمكّن من الصلاة إلّا في المتنجّس بهما، يدور الأمر بين الأخبار المرخّصة بالصلاة فيه، الظاهرة في الصحّة، و معتبر ابن

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 405/ 1271، وسائل الشيعة 3: 486 كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 46، الحديث 3.

(2) الاستبصار 1: 169.

(3) تقدّم في الصفحة 232.

(4) تقدّم في الصفحة 207.

(5) لاحظ جامع أحاديث الشيعة 2: 175، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 27.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 250

مسلم الصريح عرفاً، في وجوب الإعادة لقوله (عليه السّلام): «فعليك الإعادة» إعادة الصلاة، و هذا معناه البطلان؛ ضرورة أنّه يستفاد منه شدّة أمرهما، سواء كان جاهلًا أو عالماً و مضطرّاً شرعاً.

و يؤيّد الأمر بالإعادة، بعد الترخيص في الصلاة فيه، ما في روايات «الفقيه» «1» الآمرة بالغسل، بعد وجدان الماء و الإعادة، فإنّه لا تنافي بين الترخيص في الصلاة، لقاعدة الميسور، و إيجاب الإعادة، لعدم وفائها بما فات

عنه، و إن صلّىٰ، فالصلاة لا تترك بحال، و القضاء واجب أحياناً.

و يؤيّدنا أيضاً الترخيص، و الأمر مثلًا مقيّداً بصورة الاضطرار العرفي، في معتبر أبان عن الحلبيّ قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام)، عن الرجل يجنب في الثوب، أو يصيبه بول، و ليس له ثوب غيره، قال: «يصلّي فيه إذا اضطرّ إليه» «2».

و توهّم الاضطرار الشرعي «3» غلط؛ لأنّ المفروض وحدة الثوب، فكأنّه لا يصلّي إلّا عرياناً، إلّا في صورة الاضطرار العرفي، و هذا هو مقتضى القاعدة، فاغتنم.

فبالجملة: يصلّي عرياناً إلّا في المتنجّس بالدم، و في مورد الاضطرار العرفي، يصلّي فيه، و لا شي ء عليه على الأشبه، و في مورد التنجّس بهما،

______________________________

(1) الفقيه 1: 40/ 156، و 160/ 755.

(2) تهذيب الأحكام 2: 224/ 883، وسائل الشيعة 3: 485، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 7.

(3) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 546، مهذّب الأحكام 1: 510، التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 2: 388.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 251

لا بأس بالصلاة فيه إلّا أنّه لا يكتفي بها إلّا إذا صلّىٰ عرياناً.

و بذلك يقيّد إطلاق معتبر الساباطيّ «1» من حيث النجاسة في صورة أنّه غير حلال فيه الصلاة، من جهة النجاسة حتّى الدم، بناء علىٰ دلالته على الصلاة في النجس، كما هو الظاهر من قوله (عليه السّلام) في ذيله «فإذا أصاب ماء غسله، و أعاد الصلاة» ضرورة أنّه في موارد الصلاة عارياً لم يأمر (عليه السّلام) بالإعادة، بخلاف موارد الأمر بالصلاة فيه، فإنّه (عليه السّلام) كثيراً ما أمر بالإعادة، حسب الظاهر، فلا تغفل.

و لو قيل: أنّه أيضاً مربوط بنجاسة المنيّ، لقوله (عليه السّلام): «يتيمّم» فلا حاجة إلىٰ تقييده.

قلنا: نعم إلّا أنّه يحتمل إرادة إزالة

النجاسة بالتراب، فإنّه تيمّم أيضاً.

بقي شي ء ثان: في توجيه وجوب إعادة الصلاة

و هو أنّه، و إن لم يكن الواجب في يوم و ليلة إلّا خمس فرائض، إلّا أنّه لا بأس بالالتزام بالتعدّد استحباباً، كما في موارد المعادة، أو وجوباً، كما لو نذر الصلاة جماعة فغفل فصلّى فرادى، فإنّه يسقط الأمر و لكن تجب المعادة، أو كما لو نذر المعادة.

و قد مرّ في الأخبار إيجاب إعادة الصلاة عقوبة «2»، و هو مقتضى

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 392، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 30، الحديث 1.

(2) تقدّم في الصفحة 230.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 252

الجمع بين الحكم الظاهري و الواقعي عندنا، مع كونهما صحيحين، و يكون الأوّل إمّا واجباً على احتمال، أو مندوباً علىٰ آخر، و تفصيله في محلّه «1».

و بالجملة: في هذه الأخبار تأمر طائفة بالصلاة، و بالإعادة- أي القضاء و عندئذٍ تحمل الأخبار الآمرة بالصلاة عارياً على الصحّة و الكفاية، و الآمرة بالصلاة في النجس على الصحّة و وجوب القضاء، إلّا في الدم، لما عرفت من اختصاصه ببعض الأحكام الخاصّة، فلا يصلّي عارياً، و لا يكون عليه القضاء.

و يشهد لذلك ما أُشير إليه آنفاً، من اشتمال جملة من الأخبار الآمرة بالصلاة في النجس على الأمر بالإعادة، دون ما يأمر بالصلاة عارياً، و علىٰ هذا يتبيّن وجه التخيير أيضاً.

بقي شي ء ثالث: دلالة العقل و النقل على وجوب الصلاة عارياً

العدول عمّا نسب و استبان للمشهور، بعد كون المسألة مضطربة المأثور، و لا سيّما اشتهاره حسب المحكي عن «مفتاح الكرامة» «2» إلىٰ عصر ابن إدريس التارك لشواذّ الأخبار، و للواحد من الآثار، غير صحيح؛ فإنّه لو كان هناك اجتهاد لاختلفت الآراء و الأقوال، كما في سائر المواضع، فتطابق العقل و النقل على الصلاة عارياً في المفروض من البحث، و يظهر سقوط مناقشة جمع باحتمال تخلّل

الاجتهاد.

______________________________

(1) راجع تحريرات في الأُصول 2: 211 214.

(2) مفتاح الكرامة 1: 182/ 25.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 253

بقي شي ء رابع: اختيار المشهور لوجوب الصلاة عارياً مع الأمن من الناظر المحترم

و هو أنّ في مفروض المسألة اختار المشهور تعيّن الصلاة عارياً، عند الأمن من الناظر المحترم؛ و ذلك لأنّ أصل الستر ربّما لم يكن عندهم في الصلاة أمر يهتمّ به، و إنّما كان ذلك لأجل ذاك.

أو أنّ المستفاد من أخبار «كيفيّة الصلاة عارياً» لزوم التحفّظ حدّ المقدور، بعد ما كان في منطقة الأخبار غير مأمون عن الناظر، لعدم وجود الموانع و الحواجز عن ورود الناظر، و علىٰ كلٍّ، هذه المسألة خارجة عن الجهة المبحوث عنها هنا، كما أنّ البحث عن كيفيّة صلاة العراة خارج، كما لا يخفىٰ.

بقي شي ء خامس: في بيان بعض مواضع الضعف في كلمات الأعلام (قدّس سرّهم)

في كلماتهم رضوان اللّٰه تعالىٰ عليهم مواضع للضعف و الانتقادات كثيرة، و العثور عليها لا يحتاج إلى التأمّل و التعمّق، مثلًا حمل أخبار «الفلاة» علىٰ فقد الناظر، غير جائز؛ لقلّة اتّفاق السفر وحيداً إلىٰ فلاة ليس فيها ماء، أو حمل أخبار «الصلاة في النجس» «1» على الاضطرار بشهادة رواية واحدة، بعد ما عرفت أنّه اضطرار عرفي و ثانوي، و طرح الأخبار الآمرة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 484، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 254

بالصلاة في النجس، أو عرياناً بعد ما فيهما من المعتبرات بلا دليل، غير وجيه.

و لو وصلت النوبة إلى المعارضة فالمرجع تمييز الحجّة عن اللاحجّة بالشهرة القديمة مع أنّ لنا بياناً في مسألة الترجيح بالحجّة، بل و حجّيّة الخبر الواحد المشهور و لو بشهرة حديثه، و هكذا حمل الأخبار الآمرة بالصلاة في النجس علىٰ صورة عدم التمكّن من النزع فيما لو توجّه في الأثناء أو قبله.

و بالجملة: ظهر حكم المسألة فيما لو التفت في الأثناء إلىٰ نجاسة ثوبه الوحيد، و أمّا حكم سائر الفروع، فيطلب من محلّه؛ لأنّ الجهة

المبحوث عنها هنا، صورة ورود الخلل في الصلاة.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 255

المسألة السادسة حول الإخلال بشرائط الساتر

اشارة

بعد الفراغ عن شرطيّتها الإجماليّة، مثلًا: إذا كان جاهلًا أو ناسياً للحكم أو الموضوع أو غافلًا أو مضطرّاً، مقتضى الأدلّة الأوّليّة هو البطلان، سواء التفت بعد الفراغ في الوقت الموسّع أو المضيّق، أو بعد مضي الوقت، أو في الأثناء، تمكّن من التبديل بغير فعل المنافي أو لم يتمكّن رأساً أو يتمكّن مع المنافي، و كلّ ذلك حسب مقتضى الشرطيّة حسب ما تحرّر.

و لا فرق بين الشروط كالإباحة و التذكية، و كونه غير حرير، و لا ذهب بالنسبة إلى الرجال.

و من الفعل المنافي كشف العورة في الأثناء، رجلًا أو امرأة، فهناك وجوه من الكلام، و إليك تفصيلها:

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 256

فمنها: صحّة الصلاة على الإطلاق

نظراً إلىٰ قاعدة «لا تعاد» الحاكمة على الإطلاقات حتّى في صورة الالتفات في الأثناء، لأنّها لا تجري في صورة العمد، دون ما نحن فيه، الذي يتشبّث المصلّي بتصحيح صلاته، بالنسبة إلى الأجزاء الآتية؛ ضرورة أنّه ليس من ذاك العمد المنصرفة عنه القاعدة، و نظراً إلىٰ حديث الرفع الحاكم، بالنسبة إلىٰ مطلق الأحوال، و منها حال الاضطرار، فإنّه بعد وقوع الأجزاء السابقة صحيحة، فلا يجوز إبطالها، فيضطرّ إلى التبديل، كما في ضيق الوقت.

فالصلاة أحياناً تصحّ بالنسبة إلى الأجزاء المأتي بها، لرفع الجهالة و النسيان، و بالنسبة إلىٰ طائفة من حال الصلاة، بناء علىٰ كون الأكوان غير الشاغلة بالذكر منها، لرفع الاضطرار، و بالنسبة إلى الباقي لواجديّة الشرائط.

و لو لم يتمكّن من التبديل، لعدم وجود البدل أو غيره، يدور الأمر بين الصلاة عارياً أو فاقدة لبعض الشروط، و فيه وجهان، و قد مرّ قوّة الإتيان بها فاقدة لبعض الشروط كشروط الستر «1».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 244.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 257

ظاهر بعض الأخبار الحكم بالصحّة

هذا مع أنّ في بعض الروايات، كمعتبر عليّ بن جعفر، عن أخيه (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل صلّىٰ و فرجه خارج لا يعلم به، هل عليه إعادة أو ما حاله؟ قال (عليه السّلام): «لا إعادة عليه، و قد تمّت صلاته» «1». فإنّه إمّا بإطلاقه أو بالأولويّة، يقتضي الصحّة و لو التفت في الأثناء.

و حملها علىٰ خصوص مضيّ الوقت، أو الفراغ، أو حال الجهالة، أو النسيان و الغفلة، بلا وجه، و لا سيّما بعد ملاحظة قوله: «و ما حاله؟».

هذا مع أنّ الظاهر من كلام ابن إدريس: «و كذلك أي صحّت صلاة الأمة إذا أُعتقت في أثناء الصلاة» «2» مع أنّ الملازمة العرفيّة، تقتضي فقد الشرط أحياناً، فلا بدّ من الالتزام بالصحّة و لو كان الوقت واسعاً.

و مقتضى هذا الوجه جواز الإتيان بأجزاء الصلاة حال التبديل، لعدم الفرق بين الأكوان و الأجزاء.

بقي شي ء: فيما ذكره صاحب «المدارك» من صحّة الصلاة حتّى مع الإخلال بستر العورة

حكي عن «المدارك» صحّة الصلاة و لو أخلّ بستر العورة و غيره،

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 216/ 851، وسائل الشيعة 4: 404، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 27، الحديث 1.

(2) السرائر 1: 261.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 258

بالنسبة إلىٰ بقية الأجزاء، و ذلك لقوله: «و إنّما ثبت وجوب التستّر إذا توجّه التكليف، قبل الشروع في الصلاة» «1». انتهىٰ.

و مقتضى تعليله، أنّه لا يضرّ الإخلال العمدي، بالنسبة إلىٰ شروط الستر أيضاً، فليراجع.

و فيه ما لا يخفىٰ، إلّا إذا كان نظره إلىٰ قصور أدلّة الستر في الصلاة، و يستتبعه قصور أدلّة شروط الستر طبعاً، كما لا يخفىٰ.

و منها: البطلان على الإطلاق

و هذا بلا وجه، إلّا بدعوىٰ عدم الإطلاق لعقد المستثنىٰ منه من القاعدة، مع أنّه غير كاف لإطلاق قوله (عليه السّلام): «السنّة لا تنقض الفريضة» «2».

اللّهمّ إلّا أن يناقش، من جهة صدوره، و هي ممنوعة، مع أنّ معتبر ابن جعفر السابق «3» يكفي لعدم إمكان الالتزام بإطلاق البطلان.

و منها: التفصيل بالنسبة إلى الحالات

و هكذا بالنسبة إلى الصور الراجعة إلى الصلاة، أو الراجعة إلى الوقت، و هذا هو الأشبه الموافق لجلّ الأصحاب، و هكذا بالنسبة إلى الشروط.

______________________________

(1) مدارك الأحكام 3: 200، مستمسك العروة الوثقىٰ 5: 265.

(2) تقدّم في الصفحة 8.

(3) تقدّم في الصفحة 232.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 259

القسم الأوّل: في الجاهل بالحكم تقصيراً

فبالنسبة إلى الجهل بالحكم عن تقصير، فالأشبه وجوب الإعادة حسب القاعدة، لما مرّ تفصيله «1».

و غير خفيّ: أنّه عنه ربّما يفصّل بين أوائل التكليف و بين الأوساط و الأواخر؛ لأنّ الاطّلاع على الأحكام كلّها، في أوائل التكليف، غير لازم، و لا يعدّ من التقصير جهالته، و أمّا بالنسبة إلىٰ نسيان الجزئيّة و الشرطيّة، أو نسيان الحال و الغفلة عنها، فلا قصور فيها.

و توهّم: أنّ نسيان الجزئيّة يرجع إلى الجهالة، في غير محلّه عرفاً.

نعم، في شمول القاعدة للنسيان التقصيري إشكال، و لكنّه مندفع بالإطلاق، و لا بأس بجريان حديث الرفع في الجهل القصوري لا التقصيري، و أمّا نسيان ذات الجزء، فالأشبه عدم جريان الرفع كما حرّرناه «2»، بخلاف القاعدة.

و ما قد يتوهّم من إمكان تصحيح الصلاة بالنسبة إلىٰ حال العمد، فقد مرّ فساده «3».

______________________________

(1) راجع الصفحة 194.

(2) تحريرات في الأُصول 8: 148 150.

(3) تقدّم في الصفحة 8.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 260

و القسم الثاني: صور الالتفات إلىٰ فقد الشروط

كما لو كان في الأثناء و تمكّن من التبديل بغير مناف، أو بعض المنافيات العرفيّة كصيرورته عارياً، أو كان بحيث لو قطع صلاته لمضي الوقت الاختياري أو الاضطراري أيضاً، فلا يتمكّن من إدراك ركعة، فإنّه لا يبعد جريان القاعدة بالنسبة إلىٰ ما مضى، حتّى في صورة لَوْ بدّله يتمكّن من التدارك بلا زيادة ركن، كما لو التفت قبل الركوع إلىٰ فقد الشرط حال القراءة.

مع أنّ اهتمام الشرع بالوقت حتّى الاختياري، يقتضي الإتمام، مع أنّ إبطال العمل الناقص مورد النهي، و إلّا فبعد الفراغ فلا معنىٰ للإبطال المصطلح عليه في هذه المسائل.

و لو كان الوقت واسعاً، فقد مرّ «1» أنّه لا وجه للتمسّك بقاعدة «لا تعاد» مع أنّ معتبر ابن جعفر السابق

«2»، ظاهر في ما بعد الفراغ.

نعم، لا يبعد الاضطرار، فيكون حديث الرفع مرجعاً، و حاكماً علىٰ أدلّة الشروط هنا، و في الصور السابقة، و لكن فيه إشكال بالنسبة إلىٰ ترك الشروط ممّا ليس له الأثر الشرعي كما تحرّر «3» و مرّ وجه إمكان

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 211 212.

(2) تقدّم في الصفحة 232.

(3) تحريرات في الأُصول 7: 115 118.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 261

التمسّك، و دفعه في البحوث السابقة «1»، مع أنّ حرمة الإبطال في مثل المقام غير واضحة.

و توهّم: تعيّن الطبيعة بإتيان بعضها لكونها تدريجيّة الوجود، ممنوع لكونها من الأقلّ و الأكثر الارتباطيين، هذا و لو التفت بعد الفراغ فالصحّة واضحة.

و ما قد يتوهّم من منع إطلاق عقد المستثنىٰ منه، مندفع بأنّ الاستثناء دليل على العموم و الإطلاق، علىٰ وجه يمنع عن التقييد، لكونه مستهجناً، و لا سيّما في موارد الحصر المؤيّد ما نحن فيه بإطلاق أنّ «السنّة لا تنقض الفريضة» «2».

و لو قلنا: بأنّ الاستهجان مخصوص بباب العامّ و الخاصّ؛ لأنّ المقيّد لا يتعرّض لإخراج الأفراد، بل قرينة علىٰ حدود الجدّ، فلو ورد أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ «3» ثمّ ورد «نهي النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن بيع الغرر» «4» فلا منع من الالتزام بالتقييد لا التعارض، و لو كان البيع غير الغرري قليلًا جدّاً بالنسبة إلى الغرري، فافهم؛ لكفىٰ للمقام كون حديث «لا تعاد» من قبيل الحصر، فإنّه ظاهر في إطلاق الصدر.

و لو أمكن منع الإطلاق، فهو بالنسبة إلى الذيل فلا تخلط.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 225 226.

(2) تقدّم في الصفحة 8.

(3) البقرة (2): 275.

(4) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 45/ 168، وسائل الشيعة 17: 448، كتاب

التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 40، الحديث 3.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 262

هذا مع أنّ أصل القاعدة صدوراً دليل علىٰ إطلاق أدلّة الشروط، و شاهد علىٰ أنّه لولاها لكان اللازم هي الإعادة عند الإخلال، فكيف لا يكون له الإطلاق، فليتأمّل.

فالإخلال بشروط الستر، بأن لا يكون نجساً كما مرّ «1» و لا يكون من الميتة و غصباً علىٰ تقدير شرطيّة الإباحة، و لا يكون ممّا لا يؤكل، و لا الحرير، و لا من الذهب و هكذا؛ غير مضرّ بالصحّة في الصور المذكورة، إلّا أنّ الاحتياط مطلوب في بعض الصور جدّاً، هذا هو الثابت فيها في الجملة، و يأتي تمام البحث في القسم الثالث.

القسم الثالث: صور الشروط و الموانع و الأجزاء الغير الركنيّة

فإنّه ربّما يمكن دعوى انصراف القاعدة عن موانع الوجود، و قواطع الهيئة الاتّصاليّة، كما يمكن التفصيل بين الشروط الوجوديّة و العدميّة، بدعوى انصرافها عن الثانية، لمناسبة المستثنىٰ مع ذلك.

كما يمكن دعوى أنّ مطلق الشروط خارج عنها «2»؛ لعدم دخالتها في عنوان الصلاة، و لذلك عدّ في بحوث «الصحيح و الأعمّ» خارجاً عن محطّ النزاع، و أنّ الكلّ أعمّي بالنسبة إليها، لعدم دخالتها في الاسم وجوداً و عدماً، بخلاف الأجزاء العينيّة، فيكون مثل «الجهر» و «الإخفات» أيضاً خارجاً.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 244.

(2) لاحظ مطارح الأنظار: 6/ 7.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 263

و لا يخفىٰ فساد الدعوى الأخيرة، بقرينة المستثنىٰ أوّلًا، و بما تحرّر من أنّ الأجزاء التحليليّة و العينيّة، قابلة للبحث في «الصحيح و الأعمّ» «1».

و ظاهر جمع «2»: أنّ الصلاة موضوعة لما يسقط به الأمر، و تكون موضوعة للكاملة الجامعة، و فيهم الشيخ الأنصاريّ (رحمه اللّٰه) «3» علىٰ ما ببالي، و ربّما توجب التفصيل كيفيّة التعابير في

الأخبار.

مثلًا: في مثل «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» «4» يلزم بطلانها بدونها، لحكومته عليها، كما ذهب إليه في بحوث الجماعة جدّ أولادي، و شيخ مشايخي (رحمة اللّٰه) العلّامة الحائري (قدّس سرّه) «5».

و أنت خبير بأنّه ممّا لا أصل له، لعدم وجوده في كتب الأخبار، إلّا في «الخلاف» و بعض الكتب الأُخر، فلا حجّيّة له، مع إمكان الكلام حول مفاده.

فيما لو نسي المكلّف و صلّى في جلد غير مأكول اللحم

و في مثل خصوص الناسي المصلّي في غير المأكول، ذهب

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 1: 202 203.

(2) كفاية الأُصول: 39، نهاية الدراية 1: 95.

(3) لاحظ مطارح الأنظار: 6/ 29.

(4) تقدّم في الصفحة 11.

(5) الصلاة، المحقّق الحائري: 452.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 264

المشهور إلى البطلان «1»، خلافاً للشهرة الأخيرة.

و يمكن أن يستدلّ لهم بما في موثّق ابن بكير «2»، المذكور في لباس المصلّي، و المشتمل علىٰ بعض الموهنات، و المتعرّض لحال الصلاة الخارجيّة، مثل القاعدة، و الحاكم بالفساد، و عدم قبول الصلاة، و قضيّة إطلاقه هو البطلان في جميع الأحوال.

و مقتضى القاعدة هي الصحّة إلّا حال العمد و الجهل التقصيري، و لكنّها أعمّ بالنسبة إلىٰ سائر الشروط، فتكون النسبة عموماً من وجه.

و تصير النتيجة عندنا بعد خروج العامّين من وجه عن الأخبار العلاجيّة هو الرجوع إلى الأصل، و هو الاشتغال حسب إطلاق دليل الشرط المتمسّك به، غير الموثّقة.

مع أنّ الترجيح مع الموثّقة للشهرة، فحكومة القاعدة علىٰ مثل الموثّقة إمّا ممنوع أو محلّ تردّد، و لظهور الأخبار الأُخر الدالّة على الشرطيّة، في كونها ذيل الموثّقة التي هي إملاء رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) علىٰ ما فيها، فعند المعارضة بالعموم من وجه، لا نرجع إلى البراءة، و لو لم تكن

______________________________

(1) لاحظ

مستمسك العروة الوثقىٰ 5: 349.

(2) عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن ابن بكير قال: سأل زرارة أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الصلاة في الثعالب و السنجاب و غيره من الوبر فأخرج كتاباً زعم أنّه إملاء رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): أنّ الصلاة في وبر كلّ شي ء حرام أكله فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و ألبانه و كلّ شي ء منه فاسدة لا تقبل تلك الصلاة حتّى تصلّي في غيره ممّا أحل اللّٰه أكله. الكافي 3: 397/ 1، التهذيب 2: 209/ 818، وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلي، الباب 2، الحديث 1.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 265

الشهرة في مثل المقام مميّزة و لا مرجّحة.

و لا وجه أيضاً للقول بالتخيير، فيبقىٰ توهّم أنّ الموثّقة ليست بصدد حكم الطبيعة الموجودة، بل هي بصدد الحكم الأوّلي التأسيسي «1»؛ و عندئذٍ نقول بمقتضى الموثّقة تبطل الصلاة على الإطلاق، و بمقتضى القاعدة تصحّ، و حيث إنّ صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه المذكور في خلل النجاسات «2»، ناطق بالصحّة حال الجهل، فيلزم الجمع بين الثلاثة، بتقديم الصحيحة على الموثّقة أوّلًا، ثمّ تقديم الموثّقة على القاعدة ثانياً؛ كي لا يلزم سقوط الموثّقة بالمرّة، و هذا هو المعروف عندهم، بانقلاب النسبة، الباطل عندنا.

نعم الجمع العقلائي، هو أنّه مهما أمكن أولىٰ من الطرح، و تصير النتيجة نتيجة الانقلاب.

هذا، و فيه: إنّ خروج الجاهل المقصّر عن الموثّقة بالصحيحة، ممنوع، فتبقى الموثّقة مع تقديم القاعدة عليها قابلة للعمل في الجاهل و العامد، و عندئذٍ يقال: إن القاعدة هي المرجع لولا الشهرة المنقولة، و لا سيّما

مع فقد الدليل الخاصّ علىٰ حال النسيان، اللّهمّ إلّا أن يشتبه الأمر بين الشهرة، علىٰ نسيان الحكم و الموضوع، فيكون المستند عندئذٍ بعض القواعد، فلا عبرة بها، و غير خفيّ أنّه مع التردّد في الحكومة يكون المرجع إطلاق أدلّة الشروط.

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقىٰ 5: 349.

(2) تقدّم في الصفحة 218.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 266

تذنيب: التفصيل بين النجاسات و غيرها في مسألتنا

يمكن التفصيل بين النجاسات و غيرها في ما نحن فيه؛ لأنّ تلك الأدلّة الواردة في النجاسات، قابلة لشمول ممنوعيّة الصلاة، علىٰ خلاف القاعدة، و بتصحيح الصلاة في مورد قصور القاعدة.

مثلًا: قضية بعض الأخبار في تلك المسألة وجوب الإعادة إذا التفت بعد الفراغ «1»، و مقتضى إطلاقه، الأعمّ من كونه بولًا ممّا يؤكل أو ممّا لا يؤكل، كان له اللحم أو لم يكن، كما أنّ مقتضىٰ إطلاق طائفة من الأخبار، عدم شي ء عليه في حال الجهالة «2».

نعم في طائفة ثالثة تكون الأخبار صريحة في حكم الصلاة في النجس، للحكم بالغسل فيها «3»؛ و ذلك لأنّ مسألة مانعية شي ء في الصلاة، أو شرطيّة عدمه فيها أعمّ من مسألة النجاسة، فمثل السمك الذي لا يكون نجساً و لو كان ميتاً أو دمه طاهر، لعدم النفس السائلة له، يعدّ ممنوعاً في الصلاة، فعلى هذا عند عدم القرينة، يجوز التمسّك بتلك الأخبار لو اقتضت علىٰ خلاف قاعدة «لا تعاد» أو حديث الرفع شيئاً، أو كان مقتضى القاعدة قاصراً، لكون مصبّها غير الجاهل المقصّر، فكما أنّ الأخبار الخاصّة في الجهر و الإخفات تقتضي الصحّة و لو كان جاهلًا مقصّراً،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 479، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 42، الحديث 1 و 2.

(2) وسائل الشيعة 3: 474، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40.

(3) وسائل

الشيعة 3: 484، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 3 و 8.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 267

يكون في المقام أيضاً كذلك، و هكذا فليراجع.

و من تلك الأخبار معتبر محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: ذكر المنيّ فشدّده، و جعله أشدّ من البول، ثمّ قال: «إن رأيت المنيّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة، فعليك إعادة الصلاة.» «1».

و حيث ليس المقصود هو الدخول فيها عمداً، فيكون النظر إلى النسيان، و تصير النتيجة: إنّ نسيان الموضوع أو هو و الحكم، يوجب الإعادة، علىٰ خلاف القاعدة.

و دعوى انصراف «المنيّ» إلىٰ ما هو النجس، و إن كانت قريبة، إلّا أنّ ذكر السنّور في صحيحة عبد الرحمن مع الكلب و الإنسان «2»، يوجب جواز التمسّك بإِطلاقه، فليتدبّر.

و في أخبار الدم «3» الراجعة إلى التفصيل بين النسيان و عدمه، ما له الإطلاق بالنسبة إلىٰ مطلق الدم، و لو لم يكن نجساً، و لازمه إعادة الصلاة إذا تذكّر بعدها.

و هكذا في هذا الباب بالنسبة إلى البول حال النسيان، و هكذا في صورة الجهالة، معتبر حفص بن غياث، عن عليّ (عليه السّلام) قال: «ما أُبالي أ بول أصابني أم ماء» «4» بناء علىٰ إطلاق البول، بالنسبة إلىٰ بول غيره، و هو

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 207.

(2) تقدّم في الصفحة 218.

(3) تهذيب الأحكام 1: 254/ 24، جامع أحاديث الشيعة 2: 172، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 24، الحديث 8 و 12.

(4) الفقيه 1: 42/ 166، تهذيب الأحكام 1: 253/ 735، وسائل الشيعة 3: 467، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 5، و 475 الباب 40، الحديث 4.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 268

الأعمّ من البول النجس و من بول ما لا يؤكل، و يشمل أيضاً حسب الإطلاق جهالته التقصيريّة، فتأمّل، و بالجملة تحتاج المسألة إلىٰ تدبّر و تأمّل و تفحّص، كما لا يخفىٰ.

تنبيه: في مستند طهارة الثوب الذي صلّى فيه

لا فرق بين كون المستند في الثوب الذي صلّىٰ فيه، أصلًا، حلّا كان أو استصحاباً، أو أمارة، و هي بين ما كانت خبر ثقة أو سوق المسلمين أو يد أو غيرها، فإنّه بعد ما فرغ أو في الأثناء إذا تبيّن خلافه، فلٰا شي ء عليه حسب القاعدة، إذا تمكّن من إتمام صلاته بلا مناف.

نعم في خصوص ما لا يجوز الصلاة فيه لأجل النجاسة أخبار «1» خاصّة مقدّمة على القاعدة.

القول: بصحّة الصلاة حتّى لو لم تشمل القاعدة موارد الجهالة العذريّة

و ربّما يقال: بصحّة الصلاة و لو لم تشمل القاعدة موارد الجهالة العذريّة، فضلًا عن غيرها، و ذلك لبيان بديع في مسألة الإجزاء، فإنّ قضيّة الجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري، لا يعقل إلّا بإمضاء الشرع بما أتى به، و بكفايته بالفرد الناقص، فالإجزاء على القواعد حتّى في الأمارات، فضلًا عن الأُصول.

و هو مقتضىٰ قوله (عليه السّلام) «ما أُبالي أ بول أصابني» لأنّه ربّما يكون بول

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 479، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 42.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 269

ما لا يؤكل، و لو كان طاهراً، مع قيام الأمارة علىٰ خلافه، أو مع وجود الجهل بوجوده الذي هو عذر، بل مطلق الجهل و الغفلة، و كلّ ما يعدّ عذراً عرفاً، و مقتضى إلغاء الخصوصيّة أيضاً عدم الفرق بين البول و غيره، مع أنّه شديد أمره.

ذكر رأي السيّد البروجرديّ (قدّس سرّه) في المقام

أقول: هذا ما ذهب إليه في الإجزاء شيخنا و سيّدنا الأُستاذ العلّامة البروجرديّ «1»، و ربّما كانت التوسعة منّا، و قد وافقناه في محلّه «2»، إلّا أنّا عند ما وصل بحثنا إلىٰ مسألة «الجمع بين الأحكام المتناقضة» عدلنا عمّا أفاده، و أبدعنا إمكان الجمع بين الأحكام الفعليّة المنجّزة و الأحكام الطريقيّة «3»، فضلًا عن النفسيّات الغير المنجّزة، و أيضاً ذكرنا أنّ هذه المسألة علىٰ مسلك الأُستاذ (رحمه اللّٰه) من صغريات مسألة مرجعيّة العمومات، و استصحاب الحكم المخصّص الفعلي، بعد ما تبيّن الخلاف، و القاعدة تقتضي الاولىٰ و لو قلنا بمرجعيّة الاستصحاب في غير المقام، و التفصيل كلّه في الأُصول.

نعم، قامت الشهرة على التفصيل بين الأمارات و الأُصول إلّا أنّه غير تامّ؛ لأنّ قاعدة الحلّ و الطهارة بالنسبة إلىٰ جواز الاكتفاء بالصلاة

______________________________

(1) حاشية كفاية الأُصول،

المحقّق البروجرديّ 1: 223، نهاية الأُصول: 126.

(2) تحريرات في الأُصول 2: 306 307.

(3) تحريرات في الأُصول 6: 250 252.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 270

المقيّدة، من الأصل المثبت، فاغتنم.

و هناك مقالة اخرىٰ للأُستاذ المحقّق، المنتهى نظره إلىٰ أنّ الإجزاء في الطرق غير تامّ إلّا في باب التقليد، نظراً إلىٰ أنّ في موارد الجهل المركّب يجري حديث الرفع كموارد الجهل البسيط.

و التحقيق: إنّه علىٰ مسلكه من تفسير العلم في الأخبار بالحجّة، لا يجري حديث الرفع مع وجود المعذّر، و هو حجّة العبد و لو كان جاهلًا قاصراً، و علىٰ مسلك القوم من حكومة أو ورود، أدلّة الطرق علىٰ مثل قوله تعالىٰ وَ لٰا تَقْفُ مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ «1» و علىٰ مثل حديث «رفع ما لا يعلمون» حيث لا أساس لتلك الحكومة، و لا الورود في الأدلّة كما تحرّر في الأُصول «2».

فالإجزاء غير تامّ إلّا بحسب الإجماع المدّعىٰ في باب تخلّف الاجتهاد، أو غير ذلك ممّا تقرّر تفصيله في كتاب الاجتهاد و التقليد.

و علىٰ هذا ينحصر وجه الإجزاء في موارد النقيصة بحديث «لا تعاد» المتقدّم علىٰ أدلّة الشرائط و الأجزاء، فالإخلال بشروط الثوب، الذي يصلّى فيه، من غير جهة النجاسة، لا يضرّ، و في موارد الشكّ في التذكية تصحّ الصلاة عندنا، لعدم أساس لما ذهب إليه القائلون بالصحّة من جريان استصحاب عدم التذكية، لأنّ المناط شرطيّة عدم كونه من الميتة، و ما في الآية و الأخبار تفسير لحدّ الميتة.

______________________________

(1) الإسراء (17): 36.

(2) تحريرات في الأُصول 7: 68.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 271

و لا أساس لما ذهب إليه القائلون بالفساد، نظراً إلىٰ عدم جريان الأُصول العدميّة الأزليّة؛ ضرورة أنّ المنظور من

جريانها إخراج مورد الشكّ في كونه ميتة، عن عنوان المخصّص؛ كي يجوز التمسّك بالعمومات.

مع أنّ التحقيق البالغ حدّ النصاب، و ميقات الدقّة في الباب، جواز التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة، فالمرجع قوله تعالىٰ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعٰامِ «1» و أشباهها الأوضح في بيانها التحليل الأعمّ من الوضع و التكليف.

و توهّم اعتبار العلم بعدم كونه من الميتة علىٰ نعت جزء الموضوع، أو تمامه لا ينافي جريان القاعدة في موارد الجهل المركّب، و الغفلة و النسيان حكماً و موضوعاً، مع أنّه توهّم فاسد جدّاً.

فعلى هذا لا حاجة إلىٰ قاعدة الحلّ، مع أنّها بالنسبة إلى التقيّد المعتبر في الصلاة تكون من الأصل المثبت، فيظهر مواضع ضعف كلمات الأعلام (رحمهم اللّٰه) صدراً و ذيلًا.

تذنيب: في عدم شمول قاعدة «لا تعاد» للزيادة و عدم شمول قاعدة «السنّة لا تنقض الفريضة» للنقيصة

قد عرفت وجه عدم شمول القاعدة للزيادة، بل لا يعقل ذلك في جانب المستثنىٰ، و مقتضاه عدم ثبوت الإطلاق للمستثنىٰ منه، و يكفينا

______________________________

(1) المائدة (5): 1.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 272

الشكّ بعد وجود القرينة المتّصلة، هذا و لو فرضنا إمكان الزيادة فيها، و علىٰ هذا زيادة الأجزاء على الإطلاق، توجب الإعادة إلّا برجوعها إلىٰ شرطيّة العدم، أو إلىٰ مانعيّة الوجود، و مضادّته للطبيعة، و لكنّه خلاف الفرض، و هي الزيادة.

نعم، مقتضىٰ أنّ «السنّة لا تنقض الفريضة» «1» صحّة الصلاة عند زيادة الأجزاء؛ لأنّها من السنّة بحسب الذات، لكونها معتبرة من الصلاة و لو أتى بها بعنوان الوجوب، و كلّ ذلك لأجل أنّ ترك مثل «التشهّد» و «القراءة» ليس من السنّة، كي لا تنقض الفريضة، بل المركّب ينتفي بانتفاءِ جزء منه عقلًا لا سنّة، فزيادة «القراءة» و «التشهّد» و أمثالهما ممّا يعدّان من الصلاة، لا تنقض الفريضة، و تركها لا توجب الإعادة،

و هكذا كلّ شي ء أمكن فرض الزيادة و النقيصة بالنسبة إليه في المركّب، حتّى في مثل الثوب المحرّم، بناء علىٰ أنّ المانع لا يقع مانعاً إلّا في صورة وقوعه في الصلاة عرفاً حتّى يضرّ بها.

و علىٰ هذا كلّ من القاعدتين يخصّ بجهة، فقاعدة «لا تعاد» لا تشمل الزيادة و قاعدة «لا تنقض» لا تشمل النقيصة.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 7.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 273

المسألة السابعة في الإخلال بشرائط مكان المصلّي

اشارة

فإنّ قلنا بأنّه ليس من شروط الصلاة ما يرتبط بمكان المصلّي؛ لأنّه لو تمكّن من إتيانها بدون المكان صحّت، فالصحّة واضحة لما لا إخلال بشي ء من القيود التحليليّة، و تفصيل المسألة في مكان المصلّي، و ظنّي أنّ الشروط التسعة كلّها أجنبيّة عن حديث مكان المصلّي، بل يرجع إلىٰ أُمور أُخر، فليراجع و اغتنم.

و علىٰ تقدير الشرطيّة كالإباحة للإجماع و نحوها ممّا يرجع إليها، فعلى القول بالاجتماع جعلًا و امتثالًا، فلا نحتاج إلى التمسّك بحديث «لا تعاد» و غيره، و هكذا على القول بالامتناع، و تقديم جانب الأمر جعلًا و امتثالًا.

نعم، علىٰ ما تحرّر عندنا من انصراف الأمر الصلاتي إلى الصلاة الفارغة عن المحرّم «1»، و لو لم يكن متحداً مع الصلاة في الكون، فضلًا

______________________________

(1) لاحظ تحريرات في الأُصول 4: 191.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 274

عنه؛ ضرورة أنّها عبادة، و قد أمرنا بعبادة اللّه لقوله تعالىٰ يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ «1» و لا تناسب العبادة عرفاً، مع ارتكاب الحرام حينها، و لا سيّما في زمان غير يسير عند الاشتغال بها، بأن يصلّي مثلًا و كان يلعب مع مرأة في ركعة، أو يشتغل بالاستمناء حينها، و إن خرج المنيّ بعدها، فإنّه لا يجوز الاكتفاء بالمصداق

المذكور.

و ربّما يختلف الاشتغال بالمحرّم نسياناً و جهلًا، و غفلة و عمداً، بحسب عظم الحرام و الزمان المشتغل به، يسيراً و كثيراً، و بحسب اتّحادهما، و كون المصلّي غاصباً لما يؤخذ بأشقّ الأحوال، فلا يجري حديث الرفع، و لا القاعدة، فالمسألة صحّة و فساداً تابعة لهذه الأُمور، و كلّ ذلك لما سيمرّ عليك.

و ربّما تصحّ الصلاة في مورد فقد المكان المباح، حسب القاعدة الأوّليّة، لا قاعدة الميسور، كما ربّما تصحّ في صورة الجهل التقصيري حسب القاعدة الأوّليّة، لعدم الانصراف في تلك الحال، و لعدم تماميّة الإجماع المدّعىٰ، فضلًا عن القصور و النسيان.

و بالجملة: لا بدّ و أن تكون الصلاة عبادة للّٰه، و أمّا حديث القرب و المقربيّة «2» فممّا لا يرجع إلىٰ محصّل، كما أوضحناه في الأُصول «3»، بل ربّما تكون عبادة اللّه مبعد العبد، فضلًا عن القرب، أو تكون طبيعة

______________________________

(1) البقرة (2): 21.

(2) نهاية الأُصول 1: 260.

(3) تحريرات في الأُصول 4: 186 189.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 275

الصلاة قابلة للتقرّب المعنويّ، من غير كونها مقيّدة به، في مرتبة الجعل أو الامتثال.

و ربّما يؤيّدنا قوله تعالىٰ مٰا نَعْبُدُهُمْ إِلّٰا لِيُقَرِّبُونٰا إِلَى اللّٰهِ زُلْفىٰ «1» فليلاحظ تعبّدنا.

فبالجملة: غاية ما في الباب هي صالحيّة العمل، لانتزاع عنوان العبادة عنه، في وجوده الخارجي، و إن لم يكن مقيّداً به في مرحلة الجعل، و الأمر بناء علىٰ إمكانه فتدبّر.

و علىٰ هذا: يظهر مواضع ضعف مقالات القوم (رحمهم اللّٰه) في شتّى البحوث المختلفة في هذه المسألة.

تنبيه: في حكم الإخلال بشروط مكان المصلّي

إذا أخلّ بشروط المكان بناء على القول بالشرطيّة، مثل الإخلال به، بأن صلّىٰ علىٰ سطح الكعبة، أو في جوفها، أو متأخّراً عن النساء أو صلّت النساء متقدّمة عليهم و هكذا،

فكلّ ذلك بما أنّه إخلال بشرط المكان حتّى الاستقرار، لا يضرّ بالصحّة، حسب القاعدة و إطلاقها.

و حديث سراية النجاسة إليه «2» أجنبيّ عن شروط المكان، كحديث عدم تمكّنه من أداء فرائض الصلاة و واجباته «3» و غير ذلك، حتّى أنّ

______________________________

(1) الزمر (39): 3.

(2) العروة الوثقىٰ 1: 586، في مكان المصلّي، السابع.

(3) العروة الوثقىٰ 1: 585، في مكان المصلّي، السادس.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 276

الاستقرار من شروط الصلاة، و لو كان المكان مستقرّاً، و لكنّه تعمّد إلىٰ خلاف الطمأنينة، تبطل صلاته، و هذا يشهد علىٰ أنّه أجنبيّ عن شرط مكان المصلّي.

و لا دليل علىٰ كونها بأجمعها مقوّم الاسم و لو ادّعاءً، فضلًا عن الإخلال ببعضها، و الحكومة علىٰ عقد المستثنىٰ منه متقوّمة، بكون ما أخلّ به مقوّم الاسم عرفاً أو ادّعاءً و مجازاً كقوله «لا صلاة لجار المسجد إلّا فيه» «1» علىٰ إشكال في دلالته، و قوله «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» «2» مع ممنوعيّة سنده و مناقشة في دلالته «3».

فربّما يكون في مثل التراكيب الأُول إفادة نفي الكمال، لإضافته إلى الفرد و المصلّي دون الطبيعة، كالثاني، فالتقدّم علىٰ قبر المعصوم (عليه السّلام) أيضاً، إمّا يندرج في مسألة الصلاة المقرون مع المحرّم و الهتك، بناء علىٰ حرمة الهتك الممنوعة عندنا إلّا مع الدليل لامتناع الاستثناء عنه، بتجويز إخراج الريح في المسجد، أو إلقاء النخاعة و البلغم فيه، فليتدبّر و اغتنم.

أو يندرج في القسم الأخير، و لكن لا دليل كي يكون حاكماً عليها، و هكذا الصلاة في مكان حال الخلوة مع الأجنبية أو ما بحكمه.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 92/ 244، وسائل الشيعة 5: 194، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المسجد، الباب 2، الحديث 1.

(2)

تقدّم في الصفحة 11.

(3) تقدّم في الصفحة 170.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 277

ذنابة: في عدم إمكان التمسّك بقاعدة «لا تعاد» في صورة الإخلال بشروط المكان المهمّة

لو فرضنا إمكان التمسّك بالقاعدة حتّى في صورة الإخلال العمدي، كما عليه العلّامة التقيّ الشيرازيّ (رحمه اللّٰه) و الوالد المحقّق «1»، خلافاً للحقّ الحقيق بالتصديق، فهو ممنوع بالنسبة إلىٰ أدلّة الشروط المهمّة؛ لاحتمال كون القدر المتيقّن منها صورة غير العمد، فيكون بحسب الثبوت ترك الشرط أو الجزء النسياني، أسوأ حالًا من تركه العمدي؛ و عندئذٍ يتمسّك في خصوص الترك النسياني بحديث الرفع، و لا يثبت به شرطيّته أو جزئيّته حال العمد؛ لأنّه من الأصل المثبت.

نعم، بناء علىٰ كشف إطلاق أدلّة الشروط و الأجزاء من إطلاق عقد المستثنىٰ منه، كي يكون مقدّماً عليها، فلا بأس به، و لكنّه بمعزل عن التحقيق.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 7.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 279

المسألة الثامنة في خلل الموانع و القواطع

في موارد الإخلال بالموانع و القواطع الراجعة عندنا إلى ادّعاء الشرع عدم كون المأتي به صلاة، و إلّا فلا يعقل المضادّة الوجوديّة في الموانع و القواطع، إلّا طائفة من الأخيرة كالقهقهة و الأكل الكثير، فعلى كلّ حال، بعد كون حقيقة المانعيّة و القاطعيّة، إمّا راجعة إلىٰ نفي الاسم حقيقة، كما في المثالين و الرقص، أو إلىٰ نفي الاسم ادّعاء، لا يصحّ الرجوع إلى القاعدة كما هو واضح.

و تفسير المانعيّة و القاطعيّة باشتراط العدم، غلط واضح، نعم دعوى فهم العرف من أدلّة المانعيّة و القاطعيّة، شرطيّة عدم كون الثوب ممّا لا يؤكل و غيره، غير بعيد جدّاً؛ لأنّ الالتزام بالادّعاء المذكور بعيد، و تفصيل المسألة في الأُصول «1».

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 8: 85 89.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 280

كما أنّ تفصيل حكم مانعيّة الموانع، و مبطليّة المبطلات، و قاطعيّة القواطع، و شرطيّة الشروط الركنيّة، في محالّها؛ لأنّ جملة منها توجب الإعادة

على الإطلاق، فلا حكم لخصوص الخلل بما هو خلل لها في الصلاة مثل الحدث.

و لو أشكل وجوب الإعادة بعد التشهّد، فلا فرق بين فرضي الإخلال الغير العمدي و العمد الغير العلمي، و إن يستظهر من «العروة» التفصيل «1»، و لكنّه خلاف ركنيّة الشرط، أو خلاف عقد مستثنى «لا تعاد» إلّا علىٰ وجه أبدعناه في مطلق المستثنيات في «لا تعاد» فليلاحظ و اغتنم.

______________________________

(1) لاحظ العروة الوثقىٰ 2: 3، فصل في الخلل الواقع في الصلاة، المسألة 3.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 281

المسألة التاسعة في الإخلال بالجهر و الإخفات

اشارة

فالمشهور المدّعىٰ عليه الإجماعات المحكيّة «1»، صحّة الصلاة، و الأظهر عنهم كما صرّح به «جامع المقاصد» «2»: «عدم الفرق بين صورتي الالتفات في المحلّ و بعده» كما أيضاً صرّح في «العروة» تبعاً له، عدم الفرق بين صورتي الجهل بالحكم أو بمحلّهما أو بمعناهما «3».

و عندي شبهات نذكرها علىٰ إجمالها، و يظهر من خلالها وجه المناقشة في صحّة عقوبته و إن اشتهرت

______________________________

(1) مدارك الأحكام 3: 378، الحدائق الناظرة 8: 143، رياض المسائل 1: 162/ 1، مستند الشيعة 5: 161، جواهر الكلام 12: 230.

(2) جامع المقاصد 2: 261.

(3) العروة الوثقىٰ 1: 650، في أحكام القراءة، المسألة 24.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 282

الشبهة الاولىٰ: في حكومة معتبر محمّد بن مسلم علىٰ قاعدة «لا تعاد»

اشارة

يستظهر من معتبر محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته. قال: «لا صلاة له إلّا أن يبدأ بها في جهر أو إخفات.» «1»، أنّها حاكمة علىٰ قاعدة «لا تعاد» كما هو واضح، و مرّ وجهه.

و يؤيّده ما في «الخلاف» و «تفسير أبي الفتوح» و «عوالي اللآلي» عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» «2».

و توهّم: أنّه خلاف ما في ذيل القاعدة «3» «أنّ القراءة سنّة، و التشهّد سنّة، و السنّة لا تنقض الفريضة» مندفع بما مرّ من أنّ قاعدة «لا تعاد» متكفّلة لحكم النقيصة، و قاعدة «لا تنقض» لحكم الزيادة؛ ضرورة أنّ ترك القراءة و الجهر بها ليس من السنّة بالضرورة، و إنّما وجودها و وجوب الجهر بها من السنّة، و زيادتها لكونها واقعة من الصلاة من السنّة، كما ورد في

______________________________

(1) الكافي 3: 317/ 28، تهذيب الأحكام 2: 146/ 573، و 147/

576، وسائل الشيعة 6: 37، كتاب الصلاة، أبواب القراءة، الباب 1، الحديث 1، و 88، الباب 27، الحديث 4، جامع أحاديث الشيعة 5: 321، كتاب الصلاة، أبواب القراءة، الباب 1، الحديث 1.

(2) الخلاف 1: 327 328 و 342، تفسير أبو الفتوح الرازي 1: 15، عوالي اللآلي 1: 196/ 2 و 2: 218/ 13.

(3) لاحظ مستند العروة الوثقىٰ 3: 321.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 283

الخبر «أنّ كلّ شي ء ذكر به اللّٰه تعالىٰ، فهو من الصلاة» «1» و القراءة و التشهّد يذكر بهما اللّٰه تعالىٰ، و لا سيّما في غير صورة العمد، و لو استشكل في الأخير لعدّ بعض الأخبار تركها نسياناً من السنّة، مع ما عرفت من المناقشة في أصل صدور الذيل فليراجع «2»، فيكفي ما ذكرنا لإجماله.

حمل الأخبار الحاكمة بالصحّة على صورة النسيان

و ما ورد في الأخبار: من صحّة الصلاة إلّا في صورة تركها عمداً، فهو ناظر إلىٰ صورة النسيان، كما في نفس الأخبار الكثيرة المتقابلة فيها الجهالة و النسيان «3».

بل في معتبر منصور بن حازم قال: «قد تمّت صلاتك إذا كان نسياناً» «4» فالمحصول ممّا ذكرنا سقوط القاعدة عن المرجعيّة بالنسبة إلىٰ ترك القراءة.

______________________________

(1) الكافي 3: 337/ 6، تهذيب الأحكام 2: 316/ 1293، وسائل الشيعة 6: 327، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 20، الحديث 4.

(2) لاحظ ما تقدّم في الصفحة 38.

(3) وسائل الشيعة 6: 87، كتاب الصلاة، أبواب القراءة، الباب 27، و 88 الباب 28 و 90، الباب 29.

(4) عن منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: إنّي صلّيت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلّها فقال: «أ ليس قد أتممت الركوع و السجود»؟ قلت: بلى. قال: «قد تمّت صلاتك إذا كان نسياناً».

الكافي

3: 348/ 3، تهذيب الأحكام 2: 146/ 570، وسائل الشيعة 6: 90 كتاب الصلاة، أبواب القراءة، الباب 29، الحديث 2.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 284

نعم، في معتبري زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام)، و لعلّها واحد مع اضطراب الثانية و أجنبيّتها عمّا نحن فيه حسب النسخة المطبوعة لارتباطها بترك القراءة، لا الإخلال بصفتها جهراً أو إخفاتاً، قال في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار به، أو أخفىٰ فيما لا ينبغي الإخفاء فيه، فقال (عليه السّلام): «أيّ ذلك فعل فقد نقض صلاته، و عليه الإعادة، و إن فعل ناسياً أو ساهياً أو لا يدري، فلا شي ء عليه، و قد تمّت صلاته.» «1».

و مقتضى ذلك، و فتوى المشهور صحّة الصلاة، و لو أخلّ جهلًا عمداً أي تقصيراً خلافاً لبعضهم.

و لكنّ الأظهر: أنّ الرواية لا تدلّ علىٰ شي ء؛ لأنّ كلمة «لا ينبغي» إمّا ظاهرة في موارد الاستحباب، أو مجمل نحتاج فيه إلى القرينة، كما في أخبار الاستصحاب «2»، مع ما فيه، من عطف «السهو» على «النسيان».

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّما أُريد من «السهو» صورة التردّد و الشكّ، و عندئذٍ يشكل تمشّي قصد القربة، كما يظهر وجهه إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

______________________________

(1) الفقيه 1: 227/ 1003، تهذيب الأحكام 2: 162/ 635، وسائل الشيعة 6: 86، كتاب الصلاة، أبواب القراءة، الباب 26، الحديث 1، جامع أحاديث الشيعة 5: 338، كتاب الصلاة، أبواب القراءة، الباب 4، الحديث 1.

(2) عن زرارة قال:. فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً. تهذيب الأحكام 1: 421/ 1335 و 423/ 1344، الاستبصار 1: 183/ 641، وسائل الشيعة 3: 466 كتاب الصلاة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 1.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص:

285

الشبهة الثانية: الجهر عمداً في محلّ الإخفات و بالعكس

لو أجهر عمداً في غير محلّه و بالعكس، لا يكون في ما لا ينبغي، حسب إرادة اللّٰه تعالىٰ بالضرورة.

و توهّم إيجاب الإعادة في صورة الإخلال العمدي «1»، مندفع بقوله «فقد نقص صلاته» حسب بعض النسخ «2» و نقصان صلاته مع كونها صلاته، لا توجب الإعادة، نعم يناسب الندب.

الشبهة الثالثة: عدم استحقاق العقوبة عند الإخلال بما لا يُبطل

لا معنىٰ لاستحقاق العقوبة بالنسبة إلى الإخلال بما لا يبطل؛ لأنّ ذلك شي ء غيري لا نفسي بالضرورة، و العقوبة على المطلوب الغيري خلف، حتّى بالنسبة إلى الطهور، نعم في الأقلّ و الأكثر الاستقلاليين جائزة، كما هو الواضح علىٰ تفصيل ذكرناه في الأُصول «3»، و هذه الشبهة غير الشبهة المذكورة المشهورة.

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 650، في أحكام القراءة، المسألة 22.

(2) لاحظ ملاذ الأخيار 4: 72.

(3) تحريرات في الأُصول 8: 15.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 286

الشبهة الرابعة: في وجوب الجهر في الجهريّة و وجوب الإخفات في الإخفاتيّة

المشهور عدم وجوب الجهر في الجهريّة و الإخفات في الإخفاتيّة، و حديث الدور مندفع بما تحرّر «1»، و لكنّ ظاهر معتبر زرارة «2» أنّه يعتبر الجهر على الإطلاق؛ لأنّه أخفىٰ في موضع الجهر و بالعكس، و يؤيّد ذلك النسخة المذكورة «3»، فإنّ النقصان فرع شرطيّة الجهر و الإخفات.

و لذلك يشكل تمشّي قصد القربة في صورة السهو و الشكّ، لاعتبار الجهر في الجهريّة و الإخفات في الإخفاتيّة، و للتأمّل فيما أفدناه تشحيذاً للأذهان مجال للمتعمّقين في آخر الزمان.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، در يك جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)؛ ص: 286

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 6: 116 119.

(2) تقدّم في الصفحة 284.

(3) نفس المصدر.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 287

المسألة العاشرة خلل الركوع و السجود و قيودهما

اشارة

في الإخلال بشروط الركوع و السجود و قيودهما بعد فرض تحقّقهما عرفاً بدونها؛ لأنّ الكلام حول ذلك، نعم للشرع اعتبار قيد و شرط فيهما ركناً، فيكون الأخصّي بالنسبة إليهما و إن كان الأعمى بالنسبة إلىٰ عنوان الصلاة.

و بالجملة: اعلم أنّ مقتضى الأصل عند الشكّ، و قصور الأدلّة عدم الركنيّة، لاندراجه في الأقلّ و الأكثر، نعم قد حرّرنا، تارة أصالة الركنيّة بعد الفراغ عن أصل الشرطيّة و القيديّة، من باب مقايسة المركّبات الشرعيّة بالمعاجين العرفيّة، و أُخرى من باب تماميّة البيان العقلائي، في موارد ترك القيد و الجزء طيلة عمره، مع احتمال كون عمله فاسداً «1»، إلّا أنّ التقريب الثاني لا يجري في المقام، لعدم تركه عمداً، و إنّما يجري

______________________________

(1) لاحظ تحريرات في الأُصول 8: 40 و ما بعدها.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 288

التقريب الأوّل، فتأمّل.

و أيضاً فليعلم أنّ الصلاة و السجود و الركوع موضوعات على الأعمّ، و لو كانت منصرفة إلى الحقيقة الشرعيّة، إلّا أنّه مع كونها حقيقة شرعيّة لا ينافي الأعمّيّة، كما تحرّر في الأُصول «1».

فعلى ما تحرّر ما دام لم يثبت حسب الأدلّة الخاصّة مقوّميّة الشرط و القيد للاسم، سواء كان بالقياس إلى الصلاة أو للأجزاء العينيّة، لا وجه للبطلان، فإنّ الصلاة و تلك الأجزاء واحدة.

و ما ترى في كلمات القوم من التفصيل بين كون شي ء شرطاً للركوع أو للصلاة و السجود و غيره «2»، خالٍ عن التحصيل، لأنّه و لو كان شرطاً للركوع، و لكن الركوع موضوع للأعمّ كالصلاة، مع أنّ الركوع بشرائطه فانٍ في الطبيعة، و الأجزاء مندمجة في الماهيّة و مغفول عنها فلا تغفل.

و أعجب من ذلك تفصيلهم بين شرط الجزء و شرط الشرط «3» مثلًا، و بين الوجوب حال الركوع، غافلين عن رجوع الكلّ إلى الأمر الغيري في المركّبات، و ملاحظتها في الأدلّة مستقلّة لا تنافي كونها بحسب الأمر النفسي فانية في عنوان الصلاة، فإنّ الأوامر الغيريّة، و النواهي الغيريّة كلّها مترشّحة في الاعتبار عن المطلوب النفسي، و الأمر الأوّلي، و ناظرة إلىٰ خصوصيّات تلك الطبيعة، و ذلك العنوان

______________________________

(1) لاحظ تحريرات في الأُصول 199 و 260.

(2) لاحظ الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 189 190.

(3) لاحظ مستمسك العروة الوثقىٰ 5: 514.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 289

الاستقلالي التي هي فانية فيه.

و علىٰ هذا في موارد الإخلال بطهارة المسجد، أو ما يصحّ السجود عليه أو الإخلال ببعض شروط الركوع، تجري القاعدة لو كان إطلاق، و لو لم يكن لدليله الإطلاق، أو لم يكن دليل علىٰ ما يحتمل شرطيّته،

فهو خارج عن الجهة المبحوث عنها في الخلل، كما خرّجه جمع من الأصحاب (رحمهم اللّٰه) عنها.

نعم في خصوص الركوع عن قيام، و السجود و الركوع عن القصد، و الجلوس أو القيام، ربّما يشكل الأمر من ناحية الشكّ في صدق الركوع و السجود، مع أنّه لا بدّ و أن يكون ما يأتي به في جميع الأحوال صلاة، و لو شكّ في صدق الركوع و السجود بلا قصد، يلزم الشكّ في صدق الصلاة، و القاعدة تقتضي الاشتغال؛ لأنّ موضوع «لا تعاد» هي الصلاة، و سيأتي الكلام حول القيام المعتبر في الصلاة، حال التكبيرة و الركوع و السجود، حسب الأدلّة التي ربّما تكون حاكمة على القاعدة.

و أمّا الإخلال حال السجدة من جهة شرطيّة عدم ارتفاعها زائداً عن اللبنة بالنسبة إلى الموقف، أو محلّ الركبتين و اليدين، فالأدلّة قاصرة علىٰ ما عرفت عن إثبات أمر زائد علىٰ أصل اعتبارها في الصلاة أو في جزئها، و عندئذٍ تكون القاعدة حاكمة عليها، كما هو الظاهر عن المشهور، و هكذا بالنسبة إلىٰ سائر الشرائط.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 290

خلل الاستقرار في الصلاة

نعم في مثل الإخلال بالاستقرار، ربّما يشكل الأمر للشكّ في صدق الصلاة، كما أُشير إليه «1»، و لأجله احتاط في «العروة» «2» و لكنّه يفصّل بين الإخلال به في مقدار كثير منها أو يسير «3»، ففي الثاني فلا يضرّ، و أمّا في الأوّل فالإتمام و الإعادة هو الأحوط جدّاً، و هذا في صورة كون الحركة يسيرة و كثيرة، و أمّا لو أخلّ بالاستقرار فتحرّك حركة شديدة كثيرة، فالبطلان قويّ جدّاً و لو عن اضطرار.

نعم في الموارد الخاصّة كالصلاة حال الركوب على الدواب، فربّما يمكن توهّم صحّتها، و تفصيله في محلّه.

بقي شي ء: في شرائط الركوع و السجود و إمكان تداركها و عدمه

شرائط الركوع و السجود، بين ما هي قابلة للتدارك كترك جزء من الذكر الواجب، أو وضع السجدة علىٰ ما لا يصحّ، لأجل النجاسة، أو لأجل ما لا يؤكل، و ما هي غير قابلة كالاستقرار، بناء علىٰ كون حال الإخلال حال الصلاة، فإنّه و إن كان في الركوع أو السجود، إلّا أنّ الاستقرار شرط الصلاة في جميع الحالات، كما عرفت: أنّ جميع شروط الركوع و السجود،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 275 276.

(2) العروة الوثقىٰ 1: 670، فصل في الركوع، المسألة 16.

(3) العروة الوثقىٰ 1: 671، فصل في الركوع، المسألة 22.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 291

يرجع إلى الصلاة «1»، لأنّها ليست إلّا تلك الأجزاء.

و علىٰ كلّ حال قد حرّرنا في رسالتنا: عدم وجوب العود لإطلاق القاعدة إلّا ما خرج بالدليل كجرّ السجدة علىٰ ما لا يصحّ إلىٰ ما يصحّ حسب الأخبار «2»، مع تعارضها لما فيها، من رفع الرأس على التفصيل المحرّر في محلّه، و كغيره المحرّر في محطّه «3».

إن قلت: لا بدّ و أن يتبيّن حكم المسألة، كي يعلم أنّه لو كان يجب الرفع،

فيستظهر منه ركنيّة الشرط، و أنّ تلك السجدة ليست سجدة شرعاً، و لازمه البطلان حسب عقد المستثنىٰ.

قلت: الأدلّة المذكورة مرتبطة بغير حال الجهل بالحكم، و عندئذٍ يبعد النسيان و الغفلة، بالنسبة إلى السجدتين، فعليه لا يضرّ القول بالرفع، بما هو مقتضى الأصل، لأنّ ترك السجدة الواحدة نسياناً لا يبطل، فضلًا عنه.

و بعبارة اخرىٰ: ربّما يكون شي ء شرطاً مقوّماً ركنيّاً بالقياس إلىٰ طبيعة السجدة، لا السجدتين، فلو أخلّ به فيهما تبطل الصلاة، و أمّا لو أخلّ به في واحدة منهما، فلا تبطل، لاشتمال الصلاة على الطبيعي.

هذا مع أنّ القول برفع الرأس مستند إلىٰ بعض الضعاف، و الأخبار الغير معمول بها.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 288.

(2) وسائل الشيعة 6: 353، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 8، جامع أحاديث الشيعة 5: 497، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 6.

(3) رسالة في قاعدة «لا تعاد» للمؤلّف (قدّس سرّه) (مفقودة).

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 292

و لا يمكن أن يقال: إنّ العود في الإخلال بالذكر جزء أو شرطاً، خلاف قوله (عليه السّلام) «لا تعاد الصلاة».

أمّا الجرّ إلىٰ ما تصحّ السجدة عليه، فهو إمّا يكون في صورة عدم الإتيان بالذكر فالتفت، فإنّه يجب لكونه شرطاً للصلاة إلىٰ أن يخلص عن الذكر.

أو يكون حسب بعض التوهّمات واجباً على الإطلاق، لكونه شرط الذكر، و لكن ليس فيها من إعادة الذكر شي ء، فلو أتى ببعض الذكر فالتفت أنّه ساجد علىٰ ما لا يصحّ، فلا دليل علىٰ لزوم إعادة الجزء المأتي به.

نعم حكي الإجماع عن مثل «الغنية» و «الوسيلة» و المحقّقين، و جماعة علىٰ لزوم التدارك، و من الغريب ما قيل: «بلزومه، لتوقّف صدق السجدة الثانية عليه» انتهىٰ. غافلًا عن إمكان كون الإخلال في الثانية،

و حيث إنّ مثل هذه الإجماعات لا ترجع إلىٰ محصّل، يكون مقتضى القاعدة صحّة الذكر، و لزوم التدارك بالنسبة إلى الجزء الغير المأتي به، و التفت بعد الفراغ عنه، فلا عود إليه.

اللّهمّ إلّا أن يقال: بانصراف القاعدة في موارد إمكان التدارك، إذا لم يلزم الزيادة حال العمد، أو يقال بعدم إطلاق لدليل الشرط، كما قيل في مثل «الاستقرار» و يمكن أن يقال في مثل «ما لا يصحّ السجود عليه» لإطلاق ما يدلّ على الجرّ، فتدبّر. و تمام الكلام من حيث الحكم الذاتي دون الخلل العارض عليه، يطلب عمّا تحرّر «1»، فليتدبّر.

______________________________

(1) رسالة في قاعدة «لا تعاد» للمؤلّف (قدّس سرّه) (مفقودة).

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 293

المسألة الحادية عشر خلل القيام المعتبر في الصلاة

لو أخلّ بالقيام المعتبر في الصلاة على القادر، ففيه تفاصيل محكيّة «1» عن المحقّق في «المعتبر» و الشهيد و «المدارك» «2» و عن العلّامة التصريح بركنيّته كيف اتّفق و غير ذلك، و المهمّ في المسألة رواياتها دون الإجماع المعلّل بها.

و الذي ينبغي الالتفات إليه و قد أشرنا إليه هو: أنّ لسان «لا تعاد» آبٍ عن التخصيص و التقييد، فإنّ الاستثناء يورث صراحة المستثنىٰ منه في المطلوب جدّاً، و الحصر العرفي يأبىٰ عن التقييد في الجملة الخبريّة، لاستلزام كذب قائلها و لو كانت بصدد الإنشاء كفاية.

و لأجل ذلك تجد ورود ما هو الركن بصورة الحكومة، ففي مثل

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقىٰ 6: 89.

(2) المعتبر: 170، الروضة البهيّة 1: 122/ 24، مدارك الأحكام 3: 326.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 294

النيّة و القصد و الرياء لا يعدّ ما يأتي به عملًا بقوله «لا عمل إلّا بالنيّة» «1» و «إنّما الأعمال بالنيّات» «2» أو بجعل العمل الريائي في

السجّين، و هو ربّما يفيد ادّعاء أنّه ليس بشي ء، مع أنّا استشكلنا تبعاً للسيّد المرتضىٰ (رحمه اللّٰه) «3» في بطلانه، و تفصيله في محطّه «4».

و في مثل تكبيرة الافتتاح، قد ورد أنّه «لا صلاة بغير افتتاح» «5» و لو كان لما نسب إليه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أنّه «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» «6» لكان للقول بركنيّته وجه، لحكومته على القاعدة، و إن كان قابلًا للتقييد، و لكنّه غير وارد بسندٍ معتبر، و لعلّ صحّتها بدونها في صورة النسيان، و بعض الصور الأُخر يشهد علىٰ عدم وروده؛ لإباء مثله عن التقييد، كما لا يخفىٰ فتأمّل.

و في مثل الطهور الخبثي، «لا صلاة إلّا بطهور» «7» فاغتنم.

و صحّة الصلاة في صورة الجهالة تقصيراً و نسيان الحكم مثلًا، ربّما تستند إلىٰ أنّه مع الجهل و النسيان الراجع إليه عندهم، لا يكون القذر

______________________________

(1) الكافي 2: 84/ 1، وسائل الشيعة 6: 5، كتاب الصلاة، أبواب النيّة، الباب 1، الحديث 1 و 4.

(2) تهذيب الأحكام 4: 186/ 2، وسائل الشيعة 6: 5، كتاب الصلاة، أبواب النيّة، الباب 1، الحديث 2 و 3.

(3) الانتصار: 17.

(4) تحريرات في الفقه، الواجبات في الصلاة، للمؤلّف (قدّس سرّه) 83.

(5) تهذيب الأحكام 2: 353/ 1466، وسائل الشيعة 6: 14، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 7.

(6) تقدّم في الصفحة 11.

(7) تقدّم في الصفحة 73.

الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، ص: 295

قذراً، كما هو صريح موثّق الساباطيّ، حيث قال: «كلّ شي ء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر» «1». و إذا علمت فقد قذر، كما قال به «الحدائق» (رحمه اللّٰه) «2».

و الإشكال عليه بلزوم كون العلم من المنجّسات، و عدم نجاسة الملاقي حال

الجهل، مثل الإشكال المتوجّه إلى المشهور بأنّ العلم بالماء موجب للجنابة؛ لأنّ التراب أحد الطهورين.

و علىٰ هذا لا وجه لاستدلالهم بالركنيّة بالأخبار الدالّة علىٰ وجوب القيام، لأنّها محكوم القاعدة كما في سائر المطلقات الواردة في سائر الأجزاء و الشرائط و السنن، فما ترى في كلام الأعلام بعيد عن الثواب.

نعم، هناك معتبر حاكم على القاعدة بالنسبة إلى القيام.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 284/ 119، وسائل الشيعة 3: 467، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 4.

(2) الحدائق الناظرة 1: 136.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، الخلل في الصلاة (للسيد مصطفى الخميني)، در يك جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.